رسام مصري يعيد إحياء جماليات خط «الطغراء» السلطاني

أصدر كتابا وثائقيا عنه شرح فيه أبعاده الجمالية

نماذج من خط الطغراء
TT

حفر الخط العربي لنفسه خصوصية فنية في الحضارة العربية، واستطاع أن يحقق مدرسة فنية متميزة، امتد تأثيرها إلى فضاء الفن التشكيلي على النطاق المحلي والعالمي، وأصبحت «الحروفية» مذهبا جماليا اندرج تحت لوائه كوكبة من أمهر الخطاطين العرب، طوروا إيقاع الخط العربي، وابتكروا من شخصيته وحيويته توليفات وتصاميم تشكيلية مدهشة.

ورغم تنوع أنواع الخط العربي فإن التعامل معها ظل سائدا بين الكوفي والثلث والنسخ والرقعة، بينما انحسر الضوء عن خط الطغراء، وأهمل التعامل معه لسنوات كثيرة، رغم أنه يعد نوعا من الخطوط العربية التي تتميز بجمال الزخرفة، وقد اشتهر بأنه توقيع سلطاني، حيث كان يوقع به السلاطين العثمانيون، وكان هذا التوقيع يمثل قوة وعظمة الدولة العثمانية، وكان جزاء من يقلد هذا التوقيع الإعدام.

اليوم يعود هذا الخط إلى الظهور مرة أخرى، على يد الرسام والخطاط أنس عبد القادر، الذي ينتمي إلى محافظة قنا (على بعد 570 كلم جنوب القاهرة)، بعد أن قام مؤخرا بتأليف أول كتاب عن خط الطغراء يحمل عنوان «الطغراء.. بين الكلاسيكية والتحديث»، وبعدما قام بعمل أشكال جديدة في هذا الخط العربي الجميل والنادر الاستخدام.

يقول عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «الحروف العربية والصينية تعد فنا قبل أن تكون حروفا»، ويستدل على ذلك بأن شكل الحرف العربي يمثل فنا تشكيليا في حد ذاته لتوافر أسس ومعايير الفن فيه، وهو ما جعله يبحث عن الخطوط العربية القديمة محاولا إعادتها من جديد إلى المكاتبات الرسمية.

ويرى أن خط الطغراء يعد فنا صعبا جدا؛ لصعوبة التعديل فيه والتعامل معه، مبينا أن كاتبه لا بد أن يجيد الرسم إلى جانب الخط. ويلفت إلى أن الطغراء يكتب عادة بنوعين من الخطوط، هما الثلث أو الديواني، تنساب خطوطهما بشكل متناغم ومتقاطع لتعطي تكوينا انسيابيا صلبا، يعاني من زخم في وسطه مع باقي حركات الطغراء.

ويشير عبد القادر، الذي يعمل في الأساس موجها لمادة التربية الفنية، وهو أيضا مؤسس جماعة «الحروفيين» بجامعة المنيا، إلى أن البعض يرى أن أصل كلمة «طغراء» كلمة تتارية تحتوي على اسم السلطان الحاكم وألقابه، وقيل إن أول من استعملها السلطان الثالث في الدولة العثمانية مراد الأول، ويرى آخرون أنه كان معروفا قبل العهد العثماني، حيث عرف في زمن الدولة المملوكية في مصر.

ينغمس عبد القادر بين الألوان والأدوات لتحويل الخيال إلى واقع ملموس، ويرى أن الفن كله قائم على التجريب والتجديد، لذا فقد ابتكر أسلوبا جديدا في كتابة الخط العربي، من خلال استخدام مزيلات للألوان لعمل طبقات من الحروف بعضها فوق البعض الآخر، لإعطائها شكلا جديدا ومتميزا، بغض النظر عن المعنى اللفظي للحرف وإبراز الجانب الجمالي الصرف للحرف كشكل.

وعن إتقانه للخط العربي، الذي حصل فيه على الكثير من الجوائز والشهادات، يقول: «ساعدني مناخ المنزل في إتقان كتابة الخط العربي، حيث كان والدي رساما وخطاطا، فقد كان يكتب أجمل الخطوط على حوائط المنازل للحجاج والمعتمرين أو ما يعرف بجداريات الحج، بالإضافة إلى رسمه للوحات المدارس، وبالتالي لم تكن دراستي للفنون من قبيل الصدفة، بل كان اختيارا نابعا من داخلي لصقل موهبتي في الرسم، والتعرف أكثر على خبايا الخط العربي».

أما عن الكومبيوتر وتأثيره على حرفة الخط والرسم، فيقول عبد القادر: «كان للكومبيوتر تأثير على مهنة الرسم، مثل بقية المهن والحرف التي أثر عليها، لكنني في الفترة الأخيرة بدأت أستخدم الكومبيوتر وأطوعه لنشر أعمالي على شبكة الإنترنت، فضلا عن استخدامي لبرامج رسومية مثل الفوتوشوب وغيرها من البرامج الأخرى التي أصبحت ضرورة في عملي».

شارك عبد القادر في عدد من المعارض الجماعية، وحازت أعماله على إعجاب الكثير من الفنانين والمثقفين والمسؤولين بوزارة الثقافة، كما فاز بالكثير من الجوائز المالية بمصر وشهادات التقدير.