محمد أمين عزت لـ«الشرق الأوسط»: نلقى حفاوة وانبهارا بعروضنا في الخارج أكثر من الداخل

قائدها: الأوركسترا الوطنية العراقية أول فرقة سيمفونية عربيا وبلا مكان تعزف فيه

TT

تعد الفرقة السيمفونية (الأوركسترا) الوطنية العراقية ببغداد من أقدم الفرق الأوركسترالية في العالم العربي، إذ بدأت مشوارها الموسيقي في أربعينات القرن الماضي، لكن تم الإعلان عن تأسيسها رسميا عام 1959، وكانت تقدم عروضها الموسيقية على قاعتي «الشعب» و«الخلد»، حسبما تؤكد الموسوعة العربية.

وخلال ستينات وسبعينات وحتى ثمانينات القرن الماضي كانت الصالات التي تعزف بها هذه الفرقة تزدحم بجمهور من المثقفين والمتابعين، وكانت تستضيف عازفين من مختلف أنحاء العالم. وتعرضت مكتبتها الموسيقية ومخازن الآلات الموسيقية التابعة لها لعملية نهب عقب سقوط النظام السابق في عام 2003. كما أن عددا من أفرادها قد تعرضوا إلى عمليات خطف، في حين أن البعض الآخر قد قتلوا نتيجة أعمال العنف التي عصفت بالعراق بعد احتلاله، كما وجهت للبعض الآخر تهديدات بالقتل، وفر 29 من أعضاء الفرقة إلى خارج البلد، لكن رغم هذا فالفرقة السيمفونية العراقية لا تزال تزاول عملها بقيادة المايسترو محمد أمين عزت، وهو أول فنان موسيقي عراقي يقود هذه الفرقة التي كانت تتبع لوزارة التربية في بداية تأسيسها ثم انتقلت إلى وزارة الثقافة العراقية، واليوم تتبع لمجلس النواب (البرلمان) العراقي.

يقول المايسترو عزت، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» التي التقته ببغداد، إن «الإعلام لا ينصف فعالياتنا ولا يعطيها حقها في إظهارها للناس الذين يتفاجأون دوما بحفلاتنا، في وقت يظنون فيه أننا غير موجودين في العراق، لكننا استطعنا على الرغم من عدم توافر المكان الملائم للعروض تقديم 12 عرضا موسيقيا عالميا منذ بداية هذا العام وحتى الآن، علاوة على المشاركات الخارجية».

وعن سر فرحته ونشاطات الفرقة، يقول «الفرقة اليوم تعيش زهو أيامها، بسبب الحفاوة التي تتلقاها من الجميع خصوصا وزارة الثقافة العراقية، التي تحاول تذليل الكثير من الصعوبات التي نواجهها، ونحاول هذا الأيام الاستعداد لأوسع عرض فني يقام في الهواء الطلق وضمن النشاط الدوري لهذا الموسم، وذلك عبر الاتفاق مع أمانة بغداد وإحدى القنوات الفضائية، لإقامة عرض فني مسائي كبير على أرض متنزه الزوراء، في نهاية الشهر الحالي، وستكون الدعوات مفتوحة للجميع، إضافة إلى دعوة السفراء والسياسيين والبرلمانيين في الحكومة العراقية، واخترنا فضاء المتنزه لكسب أكثر عدد من الناس، وفتح المجال للجميع للتعرف على نشاطات الفرقة»، موضحا أن الفرقة «كانت تقدم حفلاتها سابقا على المسرح الوطني والمسرح الدوار في أكاديمية الفنون الجميلة إضافة إلى ناديي الصيد العراقي والعلوية، لكن المشكلة أن هناك ترميما وصيانة في المسرح الوطني، وكذلك المسرح الدوار، فعمدنا إلى اختيار أماكن بديلة مؤقتة».

ويوضح المايسترو عزت، الذي ارتبط اسمه بتأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية لكنه ابتعد عنها لأكثر من ثلاث سنوات، قائلا «أنا عينت كأول قائد عراقي لفرقة الأوركسترا الوطنية في عام 1989، وبسبب ظروف أمنية عاشتها البلاد، وتعرضي للتهديد، غادرت العراق عام 2007 إلى هولندا لأجل العلاج، وبقيت هناك سنتين، لكني كنت على اتصال دائم بأعضاء الفرقة، ومديرها الإداري آنذاك الفنان كريم كنعان وصفي، وأحاول اليوم أن أرتب الكثير من أعمال الفرقة ومهامها وأعضائها، وأصحح بعض الأخطاء، واستطعنا تقديم حفلات كثيرة ناجحة مؤخرا منها حفل كبير في ساحة التحرير تحت نصب الحرية للفنان جواد سليم، وآخر في ختام مهرجان بابل الدولي، لكن هناك من يشكون من قلة عروضنا وذلك له أسبابه، ومنها أن الحفل الواحد للفرقة مكلف وصعب في آن واحد، ويحتاج إلى تهيئة وتمارين كثيرة للإعداد له، واستطعنا خلال هذا الموسم أن نقدم ثلاثة حفلات شهريا للفرقة، إضافة إلى حفلات المناسبات الوطنية والخاصة».

وردا على سؤالنا عن عدد أعضاء الفرقة ونسبة وجود العنصر النسوي فيها، قال عزت إن «عدد أعضاء الفرقة 140 عازفا، وعملت الآن إلى شطرها إلى قسمين، الفرقة الأم وعدد أعضائها 80 عازفا، والأوركسترا الشبابية من أعضاء الفرقة ذاتهم وعددهم 60 عازفا، وسبب ذلك هو تأهيل أعضاء الفرقة الشبابية وتدريبهم للانخراط ضمن أعضاء الفرقة الأصلية، ونسعى لزيادة العنصر النسوي في الفرقة أيضا، وعددهن حاليا 15 عازفة وهو عدد قليل ونتمنى أن يزداد مستقبلا بعد تحسن الظروف الأمنية وكذلك تحسين نظرة المجتمع لعمل المرأة في هكذا ميدان»، مستدركا «نحن أول فرقة سيمفونية عراقية مائة في المائة، إذ استطعنا الاعتماد على أنفسنا منذ عام 1990 عندما هجرها العازفون الأجانب، وصرنا نعتمد على ما ترفده لنا المعاهد والمدارس الفنية العراقية، خاصة مدرسة الموسيقى والباليه التي تعد من أوائل المدارس في هذا المجال عربيا».

ويصف المايسترو عزت نشاط الفرقة وعملها ما قبل وما بعد عام 2003 قائلا «عاشت الفرقة وقتذاك أسوأ فترة خلال النظام السابق، وكانت تعاني من التهميش من قبل وزارة الثقافة العراقية على وجه الخصوص، وأتذكر أن مسؤولا كبيرا في ذلك النظام وصفنا بأننا موسيقيون مستعمرون ونحاول تقليد الغرب! ومع ذلك واصلت الفرقة نشاطها بالاعتماد على نفسها في تحقيق النجاح، في ما بعد عام 2003 فقد مررنا بظروف صعبة أيضا، بسبب سوء الأوضاع الأمنية والتهديدات التي طالت جميع مرافق الحياة في العراق، وجعلت الفنان يلجأ إلى إخفاء آلته أو مهنته عن الآخرين خشية القتل أو الاستهداف، لكن تحسن الوضع الأمني الآن غير تلك المعالم، وصار الفنان يمشي مع آلته بفخر ومن دون خوف»، منبها إلى أن «حالة التشدد كانت حالة عامة في المجتمع العراقي، لكن لم يأتنا أحد ليقول لنا توقفوا، بل على العكس، هناك نظرة عالية لعملنا من قبل الآخرين كوننا لا نمثل الموسيقى الدارجة، بل نمثل الراقي والعالمي منها، ولأجل ذلك ما زلنا بمنأى عن أي اعتراض، وحتى الأحزاب الدينية تحترمنا كوننا نقدم فنا مرموقا».

وعن المصاعب التي واجهت الفرقة في تقديم نشاطها في الماضي بسبب حالة الحزن التي خيمت على الشعب العراقي بعد موجات الاستهداف والتفجيرات، يشرح قائد الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية قائلا «لقد استطعنا تجاوز ذلك، إذ إن القضية هي كيف تأخذ الموسيقى وكيف تتعاطى معها، وفي الأحداث الصعبة كنا نراعي هذه الأمور ونقدم الموسيقى التراجيدية، لأن أي إغفال لذلك يعني أن ترقص في حفل عزاء، واستطعنا تقديم قطع موسيقية تمثل مأساة لبرامز وجايكوفسيكي، وكان يشجعنا على التواصل حب الجمهور وتعطشه للفن الذي نقدمه، وآخر حفل قدمناه في نادي الصيد العراقي حضر جمهور لم نكن نتوقعه، فالقاعة تتسع لـ300 شخص، والحضور زاد على 750، وكان هناك آخرون اضطروا للوقوف خارج القاعة، لكننا مع ذلك نعتب على الإعلام لانه ينسى تسليط الضوء على نشاطاتنا».

وعن الإنجازات التي تقوم بها الفرقة خارج العراق يقول المايسترو عزت «نحن نحصد النجاح في الخارج أكثر من الداخل، لأن هناك استقبالا مدهشا لما نقدمه من فن خصوصا الموسيقى العراقية، وآخر حفل قدمته في مهرجان بيتهوفن في ألمانيا عبر عمل (جمل الصحراء)، ولاقى صدى جميلا لديهم»، معبرا عن سعادته بتحقيق أهم حلم في حياته وهو «الشروع في بناء دار الأوبرا في العراق ببغداد». ويقول «كل المسارح التي قدمنا فيها عروضنا في العراق لم تكن مهيأة لعروض الموسيقى، وهذا بسبب تقنيات الصوت التي تختلف عن سواها لبقية العروض، فتقنيات الصوت في المسرح الوطني مثلا مخصصة للعروض المسرحية، وتقنيات الفرقة السيمفونية يجب أن تكون متطورة لتنقل لجميع المستمعين في الصالة ذات الصوت ووضوحه، وتهيئة جو مسرحي خاص مدروس يناسب الفرقة، أي أن تجلس في أبعد زاوية في المسرح وتسمع العازف وهو في أبعد زاوية عنك.. باختصار، إن دار الأوبرا تعني أنه سيكون للفرقة بيت بعد زمن طويل من التجوال والتهجير».