التعبير بالحديد في عالم الفنان صديق واصل

قال: أحاول أن أرسم وجوها وأن أطمسها وأخفيها

صديق واصل مع أحد أعماله
TT

ارتبط اسم الفنان التشكيلي السعودي صديق واصل بالنحت وبالحديد، وحلت أعماله على معارض محلية وعالمية، وعبرت الحدود عبر عرضها ضمن معارض سعودية عالمية، مثل مشاركاته مع مجموعة «حافة الصحراء» في إسطنبول، كما عرض في فيينا وشنغهاي.

العالم من خلال أعمال واصل يكاد يصد الناظر، فهو صلب، قاطع، لكنه أيضا مفعم بمشاعر وأحاسيس وأفكار تربط المشاهد بمحيطه المحلي بقوة. التراث من الجوانب المهمة في أعمال الفنان، فعبر استخدام مفردات التراث المحلي مثل الدلة على سبيل المثال يقدم واصل مفهوما حول المتغير والمتحول في عالمنا وتراخي قبضتنا عما يربطنا بتراثنا المحلي. يحاول واصل أن «يفتت» الواقع عبر تكوين أوجه حديدية غير واضحة المعالم، فالوجوه هنا غير واضحة المعالم، هي أقرب ما تكون إلى أشكال مجردة.

وحاليا يقدم واصل معرضه الخاص في قاعة أثر بجدة تحت عنوان «ولا يزالون مختلفين»، والذي يقدم من خلاله 40 قطعة فنية هي خلاصة تجربته الفنية، والتي يراهن بأنها ستمثل مفاجأة من العيار الثقيل لجمهور الزوار من الفنانين والمهتمين باقتناء الأعمال الفنية والمتابعين لتجربته البصرية.

«الشرق الأوسط» كان لها حوار مع الفنان حول بداياته ومفردات عالمه الفني..

في البداية، يعلق واصل حول سؤال عن أعماله الفنية بقوله «مشواري الفني يتجاوز العشرين عاما، فقد كانت ولادتي الفنية في بداية التسعينات الميلادية، وهي فترة مهمة في المشهد التشكيلي السعودي، حيث تعتبر فترة الانفتاح الثقافي للتجارب الجديدة من الفنانين الشباب، رغم تعرضهم للرفض وعدم القبول من جيل الكلاسيكيين الذين لم يعوا جيدا حقيقة التطور العقلي ومبدأ التداخل بين الفنون والأجناس الأدبية وانصهارها في زمن الآلة والحداثة والعولمة».

وحول علاقته مع خامة الحديد التي ارتبط اسمه بها يقول واصل «استخدمت خامة الحديد كعنصر رئيسي، وكعنصر صعب المراس يتطلب الكثير من الصبر وخبرة طويلة لكسر عنفوانها وجبروتها، وقمت بترويضها بعنف بصري لتتشكل لدي الصورة الفنية الكلية التي أريدها عبر رحلة من النحت والتركيب والحفر، خالقا بذلك أشكالا غريبة لوجوه وكائنات عجيبة وأجساد ممزقة وأقنعة لوجوه بشرية». ويستطرد واصل «لم أقف عند هذا الحد من التشكيل والحفر، فقد أدخلت عليها أنواعا متعددة من برادة الحديد والمسامير وبقايا الأدوات التالفة لتدويرها مرة أخرى في صورة فنية غير متوقعة، حيث تبدو مسألة تفتيت الكائن البشري في هذا الزمن بارزة في أعمالي، وهي صورة مهمة لتصوير هذا الواقع المليء بمضامين كبرى».

ولواصل مع خامة الحديد قصة قريبة إلى قلبه، فعلاقته به تعود إلى صباه، حيث يشرح لنا «اختياري لهذه الخامة نتيجة اصطحابي مع والدي إلى ورشته الصناعية المتخصصة بالسيارات في صغري، ولقد لفتت نظري قطع الخردوات التي كان يتركها والدي من حديد وأسياخ وبقايا تروس وغيرها من مخلفات السيارات التي كان يشتغل على إصلاحها، فالتقطت أذني صوت الطرق على الحديد، وتشكلت لوحاتي في ذهني قبل أن أكبر، وأيضا ساعدني في ذلك تخصصي في العلوم البيئية، فكانت الخامات الملوثة للبيئة مصدرا لاستفزاز طاقاتي وقدراتي الخاصة وشحنها من خلال التأملات التي بدأت منذ زمن ليس بقصير».

يشير واصل إلى أن تعلمه لتفاصيل اللحام الكهربائي والمعدني وصهر المعادن وتشكيلها وسحبها وطرقها، أثر كثيرا في أعماله المجسمة ولوحاته «الريليف»، ويقول إنها «فتحت لي آفاقا جديدة في التجريب والاكتشاف بناء على المكتسبات المحدودة».

ويثور سؤال حول رؤية الفنان ورسالته، وهل يعني اهتمامه بتلك المفردات حنينا إلى الماضي أم استشرافا للمستقبل.. يقول واصل «من التفسير الأزلي للوجود تبرز هوية الأفكار الأولى التي تعبر خريطة الرؤى المستقبلية والمشاريع الإبداعية وتتيح للفنان خصوصية العمل الفني بين أقرانه في الجيل الواحد وبخاصة إذا كانت الخامة ذات إشكال فلسفي من الأساس كخامة الحديد. وفي زمن الحيرة الكبرى يكتوي الفنان بنار الحديد وشما على جسده، معلنا خضوعه الأبدي لشهوة الفن، تلك اللذة والألم معا، ومن خلال أحاسيسه ومشاعره وفلسفته للحياة الكئيبة التي يعيشها إنسان هذا العصر أحاول أن أرسم وجوها ثم أطمسها وأخفيها معلنا بذلك بقايا وجه أو جزء وجه أو حتى هيئة وجه، أي لا وجود لوجه حقيقي متكامل في هذه الحياة، فالوجوه وتعبيراتها تمثل رموزا مهمة لفك شفرات التفكيك الفلسفي».

يذكر أن الفنان صديق واصل أقام أربعة معارض شخصية سابقة بمدينة جدة، وشارك في أكثر من 500 مشاركة محلية حتى الآن، كما كانت له مشاركة متميزة في أحد أهم المعارض الدولية في معرض «إيدج أوف أرابيا» إسطنبول لعام 2010، ومعرض «إيدج أوف أرابيا» بجدة 2012، ومعرض «أوفيد» في العاصمة النمساوية فيينا 2011، ومعرض «نبط» بشنغهاي الصين 2010، كما شارك في عدة مهرجانات فنية وبيناليات مثل بينالي داكار 2008، ومهرجان مراكش الفني، ومهرجان مناسا بمعرض نبط بيروت، و«آرت دبي» لأربع سنوات متتالية (2009 و2010 و2011 و2012) عن طريق غاليري «أثر» بجدة.