زهرة سيغال عميدة المسرح والسينما الهندية تحتفل بعيد ميلادها المائة

أول وألمع نجمة هندية عالمية تحظى بالشهرة.. وأقدم من السينما الهندية

زهرة مع ابنتها الراقصة الكلاسيكية المعروفة كيران سيغال
TT

هي راقصة وفنانة مسرح وسينما وتلفزيون، هي أكبر من أقدم فيلم هندي على الإطلاق، حيث بلغت للتو عامها المائة.

ولدت عميدة المسرح والسينما الهندية زهرة سيغال، واسمها الحقيقي زهرة ممتاز (شهيبزادي زهرة بيغوم ممتاز الله خان) في 27 أبريل (نيسان) عام 1912 لعائلة ارستقراطية في مدينة سهارنبور، بالهند. تعد زهرة بحق أول وألمع نجمة هندية عالمية تحظى بمثل هذه الشهرة في السينما والتلفزيون والمسرح، حيث تعتبر دليلا حيا على التقاء الشرق بالغرب.

من سهارنبور إلى لاهور (في باكستان الآن) ثم إلى برلين ولندن وكالكوتا ومومباي ودلهي، عاشت زهرة في الكثير من المدن وسافرت إلى شتى أنحاء العالم. وشهدت مرحلة ما قبل تقسيم الهند والحربين العالميتين والحروب بين الهند والصين ثم الهند وباكستان، وعاشت حياة ترف وفقر مدقع أيضا.

كانت زهرة رائدة بحق في الكثير من الأوجه، حيث تتحدر من عائلة ارستقراطية مسلمة، ولكنها أصبحت راقصة وممثلة مسرح في وقت كانت فيه تلك المهن تلاقي استنكارا كبيرا.

ومثل كافة العائلات المسلمة، تربت زهرة على التقاليد الإسلامية السنية. وكفتاة، كانت زهرة تحب التشبه بالفتيان، حيث كانت مغرمة بتسلق الأشجار ولعب الألعاب المختلفة. فقدت زهرة القدرة على الإبصار بعينها اليسرى نظرا لإصابتها بالمياه الزرقاء (الجلاكوما) عندما كانت في عامها الأول. تمت إحالتها إلى أحد مستشفيات برمنغهام في إنجلترا، حيث تلقت هناك علاجا يقدر بحسب التكلفة الحالية بـ300.000 جنيه إسترليني. فقدت زهرة أمها عندما كانت صغيرة، وتنفيذا لرغبة والدتها، تم إرسالها هي وشقيقاتها إلى «مدرسة الملكة ماري للبنات» شديدة الرقي والتطور (التي توجد الآن في باكستان)، وهي المدرسة التي كان تلتحق بها بنات العائلات الارستقراطية والموظفين الإنجليز. التزم الجميع بارتداء البردة في هذه المؤسسة (الحجاب)، وحتى العدد القليل من الذكور الذين كانوا يدعون للتحدث في المدرسة كان يتوجب عليهم أيضا إلقاء كلماتهم من وراء ستار.

وفي عام 1930، تطلعت زهرة لقضاء عطلة في الخارج، وكان أمامها خياران، حيث كان باستطاعتها قبول دعوة أحد أعمامها، الذي كان يحمل لقب نواب (أمير)، لمرافقته في رحلة السفر إلى أوروبا في الدرجة الأولى على متن سفينة فاخرة، أو السفر إلى أوروبا برفقة عم آخر لها في عربة «دودج» قديمة ومتهالكة عبر الطريق البري. وحينها، كان الوقت قد حان لتبدأ زهرة في التخطيط لمستقبلها المهني، حيث كانت تستبعد فكرة الزواج وقتها. كانت أولى طموحات زهرة أن تكون أول امرأة تعمل كربان طائرة في الهند. أبدى والدها موافقة مترددة على هذه الفكرة، ولكنها تراجعت بعد التفكير مليا في مدى الألم والمعاناة التي ستصيب العائلة في حالة وقوع حادث لها في الهواء.

انجذبت زهرة نحو الخيار الثاني وبدأت رحلتها إلى أوروبا بالسيارة من مدينة لاهور عبر الطريق البري إلى أفغانستان ثم إيران وفلسطين قبل أن تصل إلى العاصمة السورية دمشق ومنها سافرت إلى مصر، حيث ركبت سفينة متجهة إلى أوروبا من الإسكندرية. قالت زهرة في إحدى المقابلات إن عظامها أصبحت تؤلمها للغاية، لذا «ذهبت إلى أحد الحمامات الشعبية في مصر، حيث استردت كامل عافيتها. وفي سوريا، انضمت إلينا صديقة عمي وهي خالتي ديكتا التي أخذتني إلى مدرسة ماري ويغمان للباليه في مدينة دريسدن بألمانيا».

كان أول سؤال تم توجيهه إلى زهرة هو: «هل تستطيعين الرقص؟»، فأخبرتهم بأنها لم تتعلم الرقص لأنها عاشت طفولة منغلقة. تم قبول زهرة في هذه المدرسة، وأصبحت أول هندية تلتحق بالدراسة بها. مكثت زهرة في دريسدن ثلاثة أعوام لدراسة الرقص الحديث، حيث أقامت في منزل كونتيسة ليبنشتين.

قالت زهرة في سيرتها الذاتية التي صدرت بمناسبة عيد ميلادها المائة: «كراقصة، استمتعت للغاية بهذه الحرية التي اكتشفتها حديثا. قمت بقص كافة البراقع (الأحجبة) التي كانت لدي لعمل تنورات وبلوزات، وبنهاية العام الثالث لي في مدرسة الرقص، كنت أرقص على أصابع قدمي وعلى استعداد لملامسة السماء».

أشارت زهرة إلى قيام الراقص الكلاسيكي عدي شانكار، الذي يتمتع بشهرة عالمية وهو أيضا الشقيق الأكبر للموسيقار الهندي العالمي رافي شانكار، بزيارة دريسدن مع فرقته لإحياء حفل هناك. حضرت زهرة هذا الحفل بالطبع، وبعد أن تم إسدال الستار، دخلت إلى الكواليس لتحية هذا الراقص العظيم وتحدثت معه حول حلمها بأن تكون أحد أفراد فرقته. نصحها شانكار بأن تتصل به فور عودتها إلى الهند.

عادت زهرة إلى الهند في عام 1933، حيث استقرت في قصر أبيها في منطقة دهرادون. تنقلت زهرة بين الكثير من الأماكن، حيث كانت تعطي دروسا في الرقص في مدراس البنات المحلية وتحضر الحفلات، بينما كانت تحاول جاهدة الاتصال بعدي شانكار، ولكن من دون جدوى. انتظرت زهرة كثيرا حتى شعرت بالقلق. وأخيرا تلقت المكالمة التي كانت تنتظرها في صيف عام 1936، ظلت بعدها بثلاثة أعوام شديدة الانشغال نظرا لزيارات الفرقة الكثيرة إلى جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط وجميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأميركية واليابان، حيث كانت ترقص مع الراقصة الفرنسية الشهيرة سيمكي.

ظلت زهرة تتعلم هذا السحر الرائع الخاص بالفن الذي أحبته، حتى أدى اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى توقف كافة رحلات الفرقة الخارجية. وعندما عاد عدي شنكار إلى الهند مرة أخرى في عام 1940، عملت زهرة كمدرسة في «مركز عدي شنكار الثقافي الهندي» في المورا. وفي ذلك الوقت، انضمت إليها أختها عذرا، والتي تتمتع بنفس القدر من السحر والموهبة.

كان زواجها من كاميشوار سيغال، العالم والفنان، في عام 1942 بمثابة الفضيحة، حيث حطمت هذه الزيجة كافة المحظورات والأعراف الأسرية والمجتمعية.

تم إغلاق معهد عدي شانكار للرقص في وقت لاحق، حيث ذهب الزوجين إلى مدينة «لاهور» وقاما بإنشاء معهدهما الخاص تحت اسم «معهد زهريش للرقص». وفي البداية، حظي الزوجان بالإعجاب الشديد وأصبحا مثالا للوحدة بين المسلمين والهندوس. ولكن زيادة التوترات السياسية في البلاد، تحول الثناء إلى نقد، حيث أدت التوترات المجتمعية التي سبقت تقسيم الهند إلى شعورهما بأنهما غير مرغوب فيهما، لذا اضطر الزوجان للرحيل مرة أخرى، حيث انتقلا إلى مومباي.

وفي هذا الوقت، كانت شقيقتها عذرا قد أصبحت ممثلة بارزة في مجموعة بريثفيراج كابور للدراما. وفي نهاية المطاف، انضمت زهرة أيضا إلى «مسرح بريثفي» في عام 1945 كممثلة براتب شهري 400 روبية، حيث قامت بجولات كثيرة في شتى أنحاء الهند على مدار 14 عاما.

وفي عام 1959، انتحر زوجها، حيث تقول زهرة في ذكرياتها عن هذا الحدث: «لقد كنت مصدومة، ولم أشعر بالراحة مطلقا على مدار أسبوعين. لقد شعرت بأن الحياة قد توقفت، ولكن مسؤولية تربية طفلين منحتني القوة للمضي قدما في الحياة. وفي عام 1962، حصلت على منحة لدراسة الدراما في إنجلترا، حيث مكثت هناك لتعليم أولادي».

تحمل مذكرات زهرة عنوان «مراحل: الفن والمغامرات في حياة زهرة سيغال»، وتتحدث عن كيف أصبحت مفلسة وعاطلة عن العمل بعد انتهاء فترة المنحة الدراسية، وأنها كانت تكسب قوتها من خلال عملها كمصففة شعر في مسارح لندن لمدة عشرة أعوام تقريبا، وأنها استمرت حتى قامت بتعليم أولادها هناك.

عادت سيغال إلى الفن مرة أخرى في سبعينات القرن العشرين، حين قام صناع الأفلام والعروض التلفزيونية البريطانيين بإعادة اكتشافها. وبعد مشاركتها في سلسلة من المسلسلات، مثل «كراون» و«مغسلتي الجميلة» و«ليالي التندوري»، زادت شهرة زهرة بسبب حس الفكاهة والصراحة التي تتمتع به، بينما أكدت أفلام مثل «بهاجي على الشاطئ» و«تاجر المنتجات العاجية» و«عاهرات مومباي» على هذه الشعبية التي تتمتع بها في الغرب.

لم يكن هناك مكان في إنجلترا لامرأة من أصول هندية في الستينيات من عمرها، ولكن هذا ما كان ليوقف طموحات زهرة بأي شكل من الأشكال، حيث نجحت في التعامل مع العنصرية ولم تدعها تسبب لها إزعاجا.

تقول زهرة: «دائما ما كنت أشعر بأنني أجنبية، على الرغم من أنني مكثت هناك لخمس وعشرين عاما. كنت أطهو الطعام الهندي، ولم أحاول مطلقا تعلم طريقة طهي الأطعمة الإنجليزية.. كنت أرتدي الثياب الهندية ولم أحاول أبدا تقليد البريطانيين. في البداية، عندما كنت أجلس في إحدى الحافلات، كان البريطانيون يمتنعون عن الجلوس بجواري. كان هناك نوع من التردد اللاشعوري في عقول الأشخاص البيض. ولكن بعد ظهوري في فيلم (جوهرة في التاج)، كانوا يستأذنوني قائلين: ليدي ليلي تشاترجي، هل تسمحين لنا بالجلوس إلى جوارك؟ وكان الأطفال يطلبون مني التوقيع على بعض الأوتوغرافات».

عادت زهرة إلى الهند في تسعينات القرن العشرين، حين كانت في العقد التاسع من عمرها. اعتقد معظم الناس وقتها أنها ستتوقف عن التمثيل، ولكنها أثبتت أنهم جميعا على خطأ. قامت زهرة بالتمثيل في بعض العروض التلفزيونية والأفلام السينمائية أيضا. قالت زهرة في الكثير من المقابلات إنها تدرك حقيقة أنها ليست رائعة الجمال، لذا كان يتوجب عليها بذل المزيد من الجهد ليأخذها الناس على محمل الجد.

تقول زهرة: «إذا كانت هناك مشكلة في حياتي اليوم، فهي أنني لا أستطيع القراءة والكتابة (نظرا لوجود مشكلة في عينها). كنت أقوم بحل الكلمات المتقاطعة ليل نهار وقراءة الكتب واحدا تلو آخر، خصوصا الروايات ولكنني لم أعد أستطيع القراءة. أتقبل هذا الوضع وأوافق عليه، بعد كل ما عشته طيلة مائة عام».

لا تشعر زهرة بالسأم ولا هي تبعث على الضجر، فهي لم تعش لحظة كئيبة في حياتها، فهذا الدينامو مليء بالحيوية، والتي رغم حاجتها إلى المساعدة للمشي والحاجة إلى جهاز سمع، لا تزال تتمتع بصوت جهوري وذاكرتها قوية وحادة.

تتلألأ عيناها عندما تتحدث عن لقاءاتها مع فنانين عظام وشخصيات عامة مثل يوداي شانكار، بيرثفيراج كابور، وبن كنغسلي ومايكل كين وسعيد جعفري وروشان سيث والقاضي، وكيفي عزمي، وجواهر لال نهرو وعذرا بوت (أختها) وكثير آخرين. ويخفت صوتها عندما تتحدث عن زوجها الراحل، ووالد زوجها وإخوتها وأطفالها وأحفادها.

هذه الطاقة الوافرة دائمة السخرية من نفسها، ومن أشهر ما قالته عن نفسها: «أنت تراني الآن، وأنا عجوز وقبيحة. كان ينبغي أن تراني وأنا في شبابي عندما كنت شابة وقبيحة». لم تقصد زهرة بهذه الفقرة التندر، بل هي تعتقد حقا أنها لم تكن جميلة على الإطلاق.

على الصعيد الشخصي، مرت زهرة بحالة من الحصار الداخلي لعدم كونها جميلة بلغت ذروتها بوفاة زوجها وألم العيش بالسرطان، بيد أن فنانة الاستعراض لم تفقد رغبتها في الحياة. فتقول «لكنني عندما أتأمل حياتي أشكر الله على ما وهبني إياه. لم أكن أمتلك شيئا، لا جمالا ولا موهبة، لكنني في الوقت الذي كان فيه الأفراد من حولي يحاولون صقل موهبتهم كنت نجمة. وبعد بلوغ 100 عام بأفراحها وأتراحها أقدر كل لحظة في حياتي».

اليوم تعيش زهرة في نيودلهي مع ابنتها، راقصة الأوديسي الشهيرة، كيران سيغال.

في حفل عيد ميلادها المائة، قالت «لا تغادروا الحفل فلم نقطع الكعكة، ولم تمتلئ البطن بعد»، وكانت تردد أغنيتها المفضلة (أنا ما زلت شابة)، والتي ألفها الشاعر حافظ جولاندري، وهي تقطع قالب الشوكولاته. كان حبها للحياة واضحا خلال ممثلين عن عائلتها وهم ابنتها وابنها وعائلتها وأصهار العائلة التي قالت عنهم «إنهم يصنعون قصة حياة سيغال».

وعندما سئلت عما إذا كانت قد ندمت على شيء في حياتها، أجابت: «نعم، بالطبع هناك بعض اللحظات التي ندمت عليها، فقد كنت أرغب في أن أكون بطول ستة أقدام وشقراء وبعيون زرقاء وصدر ضخم وخصر نحيل». وقالت بشجاعة: «ارتكبت بطبيعة الحال الكثير من الأخطاء في حياتي، فقد كنت مشاغبة، لكني لن أعيدها». شهية زهرة للحياة تثير الإعجاب، ومع تقدمها في السن ترتفع معنوياتها بشكل أكبر.