مصر تحتفل بمرور 121 عاما على مولد نحاتها الأشهر

محمود مختار يتألق في حلة جديدة بين أحضان متحفه

TT

احتفلت الأوساط الثقافية في مصر بذكرى مرور مائة وواحد وعشرين عاما على مولد نحات مصر الأشهر الفنان محمود مختار، ورافق حفل الافتتاح أمسية ثقافية وفنية أقامها قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة.

المتحف يضم 70 عملا نحتيا من البرونز والرخام والحجر الجيري ويحتوي على كل تماثيل مختار ومن أبرزها «رياح الخماسين، إيزيس، الفلاحات، حاملات الجرار، عروس النيل» إلى جانب بعض تماثيل لشخصيات معاصرة لمختار.

إعادة صيانة المتحف القابع بأرض الجزيرة بين ضفتي النيل جاءت في إطار حماية ثروات مصر وتراثها الإبداعي. بحسب ما قاله وزير الثقافة الجديد د. صابر عرب، الذي أعرب عن سعادته بافتتاحه المتحف في باكورة أنشطته الرسمية. واصفا عملية الافتتاح بأنها «لحظة تاريخية»، و«ما أحوجنا إلى استعادة روح مختار وثقافته وإبداعه ورسالته التي تبعث حالة من الفرح والبهجة في ظل الظروف المتوترة التي تعيشها البلاد».

مؤكدا أن «المتحف يستعيد الروح الوطنية والعودة إلى الجذور، فنحن نستعيد روحنا وتاريخنا وذاتنا ونشعر بحميمية التواصل مع الماضي، فمختار ليس نحاتا فحسب، ولكن كل أعماله تقدم رسائل في الفكر والثقافة والتاريخ والحضارة، فهو أعظم من عبر عن الرؤية والملامح المصرية والوطنية المصرية».

ووجه الدعوة لطلاب المدارس والجامعات والمجتمع الأهلي والجمعيات والمجتمع المدني وكل مصري محب لوطنه لزيارة المتحف ليكونوا أكثر ارتباطا بجذورهم الوطنية.

وبدوره، أعرب د. عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، عن سعادته بإعادة افتتاح المتحف بعد فترة إغلاق طويلة والتأكد من تأمينه، مشيرا إلى فخره بانتمائه عائليا لمختار (جده)، «كما أن الدهانات والألوان الجديدة الجميلة أضافت للعرض صورة أكثر جمالا بشكل يبرز أعمال مختار».

أما د. صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، فلفت إلى أن تحديث المتحف وتطويره تم بصورة أكثر ملاءمة وشملت التغيير في الإضاءة، وإعادة ترتيب الأعمال النحتية في عرض وصورة جديدة، وتغير الدهانات بشكل يتناسب ويتلاءم مع العرض الجديد، بالإضافة لمعالجة كافة الأنظمة الأمنية الخاصة بتأمين المتحف، ومعالجة إضاءة الحديقة وتنسيقها وتنظيف التماثيل، إلى جانب معالجة بعض الحوائط والتلفيات بالأرضيات.

ووصف مختار بأنه كان نموذجا للفنان المهتم بقضايا وطنه وهموم مواطنيه، بما يمثله من قيمة فنية وثقافية كبيرة على الساحتين المصرية والعالمية والحقبة التاريخية التي عاش بها، «ولذلك جاء المتحف جزءا من خطة التطوير التي شملت عددا من متاحف مصر القومية والفنية».

ويرجع تاريخ المتحف إلى عام 1952 حيث كان في ذلك الوقت ملحقا بمتحف الفن المصري الحديث، وتم افتتاحه الأول في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ود. ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق في 24 يونيو (حزيران) 1962.

وفي عام 2003 تم تحديثه بتكلفة بلغت 9 ملايين جنية بعد إغلاقه فترة دامت 4 سنوات، فيما شمل التطوير الجديد تحديث قاعة نهضة مصر الملحقة بالمتحف، وتزويدها بتكييف مركزي، كما تم عمل نظام إضاءة بشكل حديث وتغيير الأرضيات للرخام، وإعادة صياغة العرض بشكل يتناسب مع التسلسل التاريخي لأعمال مختار ومنهجه، بالإضافة لكاميرات مراقبة، لعدم لمس الأعمال باليد، وتطوير الحديقة الملحقة بالمتحف ومسرح مكشوف للعروض الموسيقية والمسرحية.

والزائر للمتحف، يلاحظ حديقة كبيرة في ساحته، حتى إذا توجه إلى قاعاته وجد تماثيل من نحت الراحل، منها تمثال رأس سعد زغلول، وهو مصنوع من البرونز وارتفاعه 104 سم، ونجح مختار من معالم الوجه أن يعبر عن سمات زعيم الأمة في التحدي والإصرار.

ومن بين المعروضات التي يمكن ملاحظتها بالمتحف تمثال حاملة الجرة، وهو مصنوع من البرونز وارتفاعه 84 سم، وتتمثل فيه أروع صفات نحته مع تكامل شخصيته الفنية في تعبيره عن رمز مصر الزراعية ورمز الأمومة وربة الأسرة ونموذج العمل ونبع الحياة.

وفي داخل المتحف أرشيف لبعض الخطابات الشخصية وأوراقه الخاصة، تتعلق بعمله في تمثال نهضة مصر، وأوراق تخص «جماعة الخيال» التي شارك مختار في تأسيسها في العشرينيات من القرن الماضي، وكانت تضم مجموعة من الفنانين والأدباء المصريين والأجانب المقيمين في مصر. تجمع هذا الأرشيف من ثلاثة مصادر رئيسية، أولها ما آل إلى الأسرة وحافظ عليه ابن شقيقه مختار بدر الدين أبو غازي، بل أضاف إليه مما جمعه من أوراق وصور كانت لدى أصدقاء مختار، وما تجمع لدى أحد تلامذته المهتمين بإحياء تراثه الفنان الراحل علي كامل الديب الذي كان سكرتيرا عاما لجمعية أصدقاء مختار في مراحلها الأخيرة، ثم ما احتفظت به صديقته الفرنسية «مارسيل دوبري».

وقد أودعت أسرة مختار نماذج من هذا الأرشيف في متحفه بالقاهرة القائم بحديقة الحرية في أرض الجزيرة بالقاهرة، كما نشر بدر الدين أبو غازي مجموعة مهمة من وثائق مختار وصوره وأوراقه التي يضمها أرشيفه الخاص في كتابيه عن مختار «مختار حياته وفنه» 1949، و«المثال مختار» 1964، وفي كتابه المشترك مع الناقد جبرائيل بقطر «مختار ونهضة مصر» الذي صدر بالفرنسية عام 1950.

أرشيف مختار غني بالصور والوثائق التي لم تنشر من قبل، وتضم كثيرا من التفاصيل الصغيرة المهمة عن حياة مختار وفنه، وعن الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية، بل الحياة السياسية في ذلك العصر الذي عاش فيه مختار، وكان هذا العصر هو عصر التحول الفني في تاريخ مصر.

يشار إلى أن محمود مختار ولد في 10 مايو (أيار) 1891 بإحدى قرى محافظة الغربية، وكان أول طالب ينضم إلى مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة عند إنشائها عام 1908، وتوفي في 27 مارس (آذار) سنة 1934، وحظي باحترام الشعب المصري إذ كان «الفنان الوحيد» الذي استقبلته مظاهرات الترحيب والاحتفاء في مدينة الإسكندرية الساحلية عند عودته إلى مصر ليقيم تمثال «نهضة مصر» تقديرا للثورة الشعبية آنذاك. وقد شارك المصريون في استكتاب شعبي في كلفة نحت هذا التمثال الرائع الرابض في واجهة جامعة القاهرة.