زها حديد تضع تصميما فريدا لـ«متحف مهرجانات بعلبك»

يقام داخل القلعة الأثرية وتكلفته 6 ملايين دولار

فيروز - قصيدة حب 1973
TT

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وضعت المهندسة العراقية المعروفة، زها حديد، لمساتها الأخيرة على تصميم لـ«متحف مهرجانات بعلبك الدولية»، الذي سيكون فريدا من نوعه، ليس فقط من حيث التصميم الحلزوني غير المسبوق الذي يسافر فيه المتفرج في رحلة تفاعلية عبر الزمن، ولكن أيضا بسبب نوعية محتوياته وقيمتها التاريخية. فهناك متاحف للموسيقى أو الأزياء أو الإكسسوارات، في العالم لكن لا يوجد متحف متخصص بمهرجان ما. وهو ما تحاول أن تفعله مجموعة منبثقة عن لجنة مهرجانات بعلبك أخذت على عاتقها إنجاز المشروع.

وتروي خديجة اللقيس، أمينة المتحف الذي ينتظر أن يبصر النور أن «الفكرة ولدت، من عدة سنوات، أثناء الاحتفال بالعيد الخمسين للمهرجانات، وتم الحصول على ترخيص من الدولة اللبنانية، ووضع وزير الثقافة السابق سليم وردة حجر الأساس، لكن الأهم من ذلك أن المتحف تم ضمه إلى المتاحف اللبنانية، وسيكون نتاج شراكة بين القطاعين الخاص والعام». والمتحف الذي سيجد مكانه داخل قلعة بعلبك الأثرية بشكل أسطواني، دون المساس بجدرانها أو حجارتها، تبلغ تكلفته نحو ستة ملايين دولار. وهو المبلغ الذي يتوجب تأمينه، في أقرب فرصة، للبدء بتنفيذ المشروع. وتعول اللجنة المعنية بالمتحف على التبرعات والمساعدات لإنجاز هذا العمل، تماما كما فعلت سابقا للحصول على تمويل لوضع التصميم.

وقد صممت زها حديد المتحف على شكل لولب طوله 120 مترا، ستعرض فيه في المرحلة الأولى حاجيات تعود إلى 13 مسرحية لبنانية قدمت في القلعة، ليتم تغييرها بحاجيات 13 مسرحية أخرى بعد خمس سنوات، وهكذا دواليك.

المتحف عصري وتفاعلي، فيه يكتشف الزائر الملابس والوثائق والآلات الموسيقية، والبوسترات كما الإكسسوارات. كل ما استخدم في مهرجانات بعلبك من فساتين وسراويل وديكورات ومعدات، كما النوتات الموسيقية وغيرها، كلها محفوظة وستعرض. وبحوزة اللجنة «كنوز مخبأة تمت المحافظة عليها»، بحسب سامية صعب، وهي راقصة باليه ومصممة، واكبت المهرجانات منذ خمسينات القرن الماضي. وهي اليوم مع اللجنة، عايشت كل قطعة ثياب ترجع للمهرجانات، تعرف من صممها، ومن لبسها ولأداء أي دور استخدمت. فهذه السيدة هي التي كانت تشتري القماش وتتابع الخياطة، تتذكر اليوم كيف كان وليم خوري يصمم فساتين صباح، ورئيفة صالحة تصمم فساتين فيروز، وتخوض في أدق تفاصيل تلك التصميمات. سيكون بمقدور زائر المتحف أن يتابع قصة كل مسرحية غنائية بمتابعة المعروضات، فيرى سيناريو المسرحية، ويتعرف على أزيائها وقد يضغط على زر ليسمع الأغنيات التي تخللتها، أو يرى مقطعا، وربما وجد بعضا من الآلات الموسيقية التي استخدمت من قبل الفرقة التي عزفت يومها. وحين نسأل كيف تمكنت اللجنة من الاحتفاظ بكل هذه الأشياء لا سيما فساتين الكبيرتين صباح وفيروز، وبقية من مثلوا في المسرحيات الغنائية التي مرت على القلعة، يأتينا الجواب بأن لجنة المهرجانات كانت تمول الأعمال وبالتالي تمتلك حق الاحتفاظ بكل ما تشتريه وتصرف عليه من أجل الإنتاج.

الآن صنفت هذه الموجودات ووثقت، وصار لها كتالوغ سيصبح جزءا من المتحف.

المهندس ديفيد قرم، هو الآخر من أعضاء اللجنة. ينشط من أجل مهرجانات بعلبك منذ عام 1968، وهو مصمم اللوغو الحالي الذي يرمز إلى مدينة الشمس، ولا يزال يستخدم إلى اليوم للترويج لمهرجانات بعلبك. في رأيه أن متحفا في بعلبك من تصميم زها حديد سيجعل السياح يرغبون في زيارة البقاع لأجله. وهو يصف التصميم بأنه «بديع» و«مبتكر». وعن التخوف من أن يؤثر المتحف على القلعة أكد قرم أن «المتحف صمم خصيصا ليكون في أحد الممرات المهملة من القلعة، وستمر كل تمديداته تحت الأرض، علما بأنه بحاجة إلى تجهيزات مهمة، للتهوية ولحفظ درجة الحرارة بمعدلات مناسبة نظرا لأنه مغلق».

كل عضو في اللجنة يعمل في مجال اختصاصه، ويتسلم المهمة التي بمقدوره أن يقوم بها بجدارة، لذلك فإن شادية زنتوت هي المسؤولة عن الموسيقى في مشروع المتحف. تعدد زنتوت أسماء مشاهير الفنانين الغربيين الذين مروا على بعلبك، وهي تتأسف على أيام كان فيها من يعزف أو يغني أو يرقص في بعلبك يشعر أنه سد نقصا في حياته، وتتأسف أيضا لأنه منذ عام 1995 لم يعد المسرح الغربي إلى القلعة كما كان سابقا. تتذكر زنتوت أوركسترا هامبورغ، وأوركسترا نيويورك الفيلهارمونية، وجان كوكتو وجورج شحادة، وتضيف: «نعم، المتحف في غالبيته سيركز على العروض العربية في بعلبك، لكن جانبا منه سيخصص للبرنامج الغربي ليأخذ الزائر فكرة شاملة وصادقة عن المهرجانات كما كانت». تشرح زنتوت، التي تتذكر بكثير من الحنين رئيسة المهرجانات ايميه كتاني التي تقول إن الفضل كله يعود لها في تلك الفترة، كما تتذكر نائبة الرئيسة التي اهتمت بالمسرح سعاد نجار»، مضيفة: «يجب أن يذكر الإنسان فضل الذين عملوا واجتهدوا».

سامية صعب من ناحيتها تعرب عن خشيتها على المهرجانات، لذلك ترى في المتحف أفضل السبل لحفظ هذه الذاكرة. وتشرح «من أيام السيدة الأولى زلفا شمعون أي عام 1955 وأنا أهتم بالفولكلور في مهرجانات بعلبك. في السنوات الأخيرة يبدو لي أن الفولكلور في المهرجان بدأ يتراجع بشكل كبير، لذلك فالمتحف سيكون منقذا لذاكرة عمرها نصف قرن، يخشى عليها أن تضيع، ويخشى أكثر أن لا نرى مثيلا لها في القريب العاجل».

أبرز العاملين في لجنة المتحف اليوم، قد تكون هيام غندور، فهي كانت مسؤولة عن الليالي اللبنانية أيام عز المهرجان، وهي صاحبة فكرة المتحف. بمقدور هيام غندور أن تتحدث لساعات عن تاريخ المهرجانات، في جعبتها معلومات تستحق بالفعل أن تروى على شريط أو في فيلم وثائقي وتوضع في المتحف المنتظر. تتحدث عن البدايات، وعن الدور الذي لعبته المهرجانات في الدفع بولادة مسرح لبناني حديث في بيروت، وكيف كانت بعلبك صدى لعمل شتوي طويل وجدي. تروي غندور: «عام 1957 كانت أول مسرحية غنائية، شارك فيها الرحابنة ووديع الصافي، وفيها رأى الجمهور فيروز لأول مرة، أذكر أنها كانت تلبس رداء أزرق، إنني أتخيلها الآن وكأنها لا تزال واقفة أمامي».

متحف للذكرى والحنين أم لتشجيع السياحة لا يهم، سيدات مهرجانات بعلبك خائفات على الذاكرة والعراقية زها حديد تتعاضد معهن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.