أفلام «كان» Rust and Bones (3*) صدأ وعظام (المسابقة) إخراج: جاك أوديار (فرنسا).

المخرج الروماني كريس مانجيو مع فريق فيلم «وراء التلال» (أ.ف.ب)
TT

على عكس ما أبداه المخرج الفرنسي في فيلمه السابق «نبي»، ذاك الذي فاز بسعفة مهرجان كان قبل ثلاث سنوات، حين عمد إلى وجوه جديدة من بينها طاهر رحيم وعادل بنشريف ورضا كاتب، يتعامل «صدأ وعظام» مع ممثلين مؤسسين هما ماتياس شوونارتس الذي اكتسب شهرة عالمية بفيلم «بولهيد» قبل نحو عام، وماريون كوتيّار التي تحقق أفلامها في فرنسا مداخيل مهمّة تجعلها من بين الأنجح بين أترابها في السنوات الأخيرة.

ما هو مختلف هنا ليس فقط هذا الجانب، بل في إدارة المخرج لفيلمه. ففي حين عمد «نبي» إلى كاميرا دائمة الحركة ضمن صيغة إنتاجية محدودة تدور في داخل السجن أو في شوارع ليلية ضمن جو المغامرة، يقوم هنا بأداء دور أكثر ميلا لما هو تقليدي بين أساليب العمل. الكاميرا، ولو محمولة في مشاهد عدّة (تم التصوير بدجيتال) تتبع شيفرة كلاسيكية في العمل ما يناسب ووضعية سيناريو مليء بالمشاعر العاطفية المتوترة.

إنه حول آلان (أو آلي كما في الفيلم) الرجل الذي نتعرف إليه وهو يودع ابنه الصغير بيت شقيقته التي تعمل في محل سوبرماركت صغير لكي تساعد زوجها في الإنفاق على البيت. كان الأب وابنه الصغير تركا نقطة لا عودة منها لأسباب لا تهم المخرج بما فيه الكفاية لكي يوفّرها كخلفية لهذه الشخصية. هما فقط على الطريق صوب جنوب فرنسا حيث سيعهد الرجل إلى شقيقته أمر العناية بابنه ثم ينطلق في أرجاء المنطقة بحثا عن عمل. يجده كحارس ملهى. بعد قليل هو وجه لوجه مع المرأة التي اسمها ستيفاني (كوتيار). امرأة تعمل مدرّبة لأسماك قرش ولديها قدر عال من ازدراء الآخرين، بمن فيهم آلان نفسه.

هنا يقدم المخرج على نقلة مفاجئة نجد فيها ستيفاني في المستشفى وقد خسرت ساقيها في حادثة لا نراها على الشاشة ولا يمكن لنا إلا أن نخمّنها تخمينا. لا بد أن سمك القرش انقض عليه وتسبب في عملية بتر ساقيها، هذا إلا إذا كان هناك حادثة ما قد تكون أقرب إلى واقع الحكاية.

كما يتحاشى المخرج تفاصيل من المحتمل لمخرجين آخرين الدخول فيها، يتحاشى أيضا التركيز على مشاهد واردة لكنها غير مستغلَّة بما فيه الكفاية. نمو تلك العلاقة بين رجل فقد وجهته وامرأة فقدت قدميها. كل منهما معاق على نحو مختلف، وكل منهما بحاجة إلى الآخر، لكن من دون سبب مؤكد لمدى حاجته هو إليها. ستيفاني تركّب ساقين آليّتين وتصبح قادرة على الاستقلال لكنها ما زالت بحاجة إلى هذا الرجل القوي الذي بدأت تحبه.

الحكاية لا تنتمي إلى المعهود خصوصا في الأفلام الهوليوودية التي سريعا ما تبدأ بعزف أغان خفيفة لمسايرة جو من الانتعاش رغم المصيبة. تحديدا: ليس المطلوب هنا نشر رسالة مفادها أن المرأة التي خسرت قدرتها على الحركة لديها تلك القدرة الداخلية القويّة للتغلّب على الصعاب وتحقيق ما قد يبدو مستحيلا. صحيح أنها لا تستسلم لما هي عليه إلا أنها تمر بحالات اكتئاب واقعية ومقبولة لا يسعى خلالها آلان إلى التخفيف عنها. هذا كله بفضل كتابة تتيح لكوتيار في نصف الساعة الأخيرة من الفيلم (ساعتان) بلورة الشخصية التي تؤديها والوصول بها إلى مصاف غير مغترب لا عن الواقع ولا عن الإنسانية الدفينة التي تشمل العمل بأسره.