أذرع روبوتية تعمل بإشارات من الدماغ

تمكنت مريضة بالشلل الرباعي من تحريكها للقيام بأعمال ومن دون مساعدة

تمكنت هذه المرأة المصابة بالشلل الرباعي من شرب زجاجة من القهوة بنفسها لأول مرة منذ 15 سنة (أ.ب)
TT

في خطوة علمية واعدة، في مجال التداخل ما بين جهاز الكومبيوتر والدماغ، الذي يمكن في المستقبل القريب أن يسمح للمصابين بالشلل من القيام بأعمال من دون مساعدة، كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة «نيتشر» (الطبيعة) العلمية الشهيرة، في 17 مايو (أيار) الحالي، عن تمكن شخصين مصابين بالشلل الرباعي، من تشغيل أذرع روبوتية وأطراف صناعية وجعلها تتحرك لتصل وتمسك بالأشياء في محيط ثلاثي الأبعاد، وذلك من خلال إرسال أوامر عبر إشارات التقطتها شرائح (رقائق) إلكترونية تم زراعتها في أدمغتهما.

والشلل الرباعي، هو شلل ينجم عن مرض أو إصابة للإنسان، ويؤدي إلى فقدان جزئي أو كلي لاستخدام جميع الأطراف والجذع.

وقد تم إجراء الدراسة ما بين مجموعة من الباحثين، وضمن مشروع «بوابة الدماغ 2» (BrainGate 2)، وموقعه الإلكتروني (www.braingate2.org)، وتابعين لكل من وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية، وجامعة براون الأميركية ومستشفى ماساشوستس العام، وكلية الطب في جامعة هارفارد الأميركية، ومعهد الروبوتات والميكاترونك (ميكانيكا الإلكترونات) التابع لمركز الفضاء الألماني.

فوفقا لما نشر على موقع جامعة براون الأميركية، استخدم الباحثون نظام التداخل العصبي لبوابة الدماغ (BrainGate neural interface system)، وهو عبارة عن جهاز للفحص يتم دراسته حاليا، وقد استخدمت إحدى المشاركات في عينة الدراسة هذا النظام ليقدم لها كوبا من القهوة لأول مرة بعد إصابتها بالشلل منذ 15 عاما تقريبا.

ففي 12 من شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي 2011، وبعد ما يقرب من 15 عاما بعد أن أصبحت مشلولة وغير قادرة على الكلام، تمكنت امرأة من التحكم في ذراع روبوتية بمجرد التفكير في تحريك ذراعها ويدها لرفع زجاجة إلى فمها لتشرب منها قهوة. ويعد هذا الإنجاز أحد مظاهر التقدم في مجال التداخل بين الكومبيوتر والدماغ، والتكنولوجيا العصبية الترميمية والتجديدية، وتكنولوجيا الروبوت المساعدة.

وقد شارك في الدراسة امرأة، تبلغ من العمر 58 عاما ورجل يبلغ من العمر 66 عاما. وكلاهما أصيب بالشلل بسبب سكتة دماغية حدثت لهما قبل سنوات قوضت قدرتهما على القيام بأي تحكم وظيفي لأطرافهما. وقد استخدم المشاركون النشاط العصبي للتحكم مباشرة في ذراعين روبوتيتين مختلفتين، أحدهما طوره معهد الروبوتات والميكاترونيك (DLR) التابع لمركز الفضاء الألماني، والذراع الأخرى طورتها شركة «ديكا» (DEKA) للبحوث والتنمية الأميركية، وتوجيههما للقيام بالوصل وأداء مهام عبر مساحة عريضة ثلاثية الأبعاد. ولقد استخدمت التجربة الاستطلاعية السريرية لـ«بوابة الدماغ 2» (BrainGate2) نظام بوابة الدماغ للفحص، الذي تم تطويره بداية في جامعة براون، ويوجد به جهاز صغير بحجم حبة أسبرين به شبكة من (96) قطبا كهربائيا صغيرا (إلكترودات) تم زراعته في القشرة الحركية من الدماغ، وهي جزء في المخ معني بالحركات الإرادية. والأقطاب الكهربائية تكون قريبة بشكل كاف من الخلايا العصبية الفردية لتسجيل النشاط العصبي. المرتبط بالحركة المقصودة، ويقوم جهاز كومبيوتر خارجي بترجمة نمط النبضات عبر مجموعة من الخلايا العصبية إلى أوامر لتشغيل الأجهزة المساعدة، مثل الذراعين الروبوتيتين (DLR, DEKA).

وقد أظهر المشاركون في عينة دراسة بوابة الدماغ (BrainGate) سابقا تحكما عصبيا للإشارة والنقر ثنائي الأبعاد للمؤشر على شاشة الكومبيوتر وتحكما بدائيا للأجهزة الروبوتية البسيطة.

وتقدم الدراسة أول عرض وتقرير محكم عن مرضى الشلل الرباعي، باستخدام إشارات المخ للتحكم في ذراع روبوتية في مساحة ثلاثية الأبعاد لإكمال مهام يتم تأديتها عادة بأذرعتهم الطبيعية. فعلى وجه التحديد، فقد تمكن كل من المرأة والرجل في العينة، بالتحكم في الأذرع للوصول والإمساك بأهداف من أكواب وضعت أمامهم باستخدام دعائم مرنة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد استخدمت المرأة المصابة بالشلل الروبوت الذي طوره مركز الفضاء الألماني للإمساك بزجاجة من القهوة وتقريبها إلى فمها، وإصدار أمر بإمالتها، والشرب من خلال ماصة وإعادة الزجاجة ووضعها على الطاولة. وجهاز «بوابة الدماغ» المزود به المريضة مكنها من التحكم في الذراع الروبوتية أثناء مهمة الشرب، التي تتطلب مزيجا من حركات ثنائية الأبعاد عبر سطح طاولة وأيضا أمر الإمساك، سواء للإمساك والرفع أو ثني اليد الروبوتية.

وقال الدكتور لي هوتشبيرغ المؤلف الرئيسي للدراسة، وراعي التجربة السريرية الاستطلاعية لـ«بوابة الدماغ 2» والذي يعمل مهندس وأخصائي أعصاب بالعناية الحرجة، في كل من وزارة المحاربين القدماء الأميركية وجامعة براون، ومستشفى ماساشوستس العام وجامعة هارفارد، بأن «هدفنا من هذا البحث هو تطوير تكنولوجيا سوف تعيد الاستقلالية والحركة للمصابين بالشلل أو الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم». ويضيف قائلا «ما زال لدينا الكثير من العمل للقيام به، ولكن التقدم المشجع لهذا البحث والذي تجلى ليس فقط في بيانات التناول أو الوصول والإمساك ولكن أكثر من ذلك في الابتسامة التي تجلت على وجه المرأة المصابة بالشلل عندما قدمت لنفسها قهوة بمحض إرادتها للمرة الأولى منذ ما يقرب من 15 عاما».

وقال هوتشبيرغ، بأنه «على الرغم من مرور ما يقرب من 15 عاما، فقد استطاع جزء من المخ كان مفصولا في الأساس عن هدفه الأصلي بفعل سكتة دماغية، أن يقوم بتوجيه حركة معقدة ومتعددة الأبعاد لذراع خارجية (طرف روبوتي)». وقد لاحظ الباحثون أن المصابة بالشلل كانت قادرة على أداء المهام بعد أكثر من خمس سنوات من زراعة «بوابة الدماغ» لها. وهذا يضع مقياسا جديدا لمقدار الوقت الذي تبقى فيه الأقطاب الكهربائية المزروعة نشطة وتقدم إشارات بالأوامر المطلوبة.

ويقول جون دونوغو، عالم الأعصاب في جامعتي فرجينيا وبراون الأميركيتين ومدير معهد براون لعلوم الدماغ، والذي ابتكر «بوابة الدماغ» منذ عشر سنوات والمؤلف المشارك للدراسة «لقد أظهر البحث إلى مدى ما وصل إليه التقدم في مجال التفاعل ما بين جهاز الكومبيوتر والدماغ منذ أول عروض للتحكم بالكومبيوتر من خلال (بوابة الدماغ)».

ويضيف بأن «هذه الورقة البحثية تقدم تقريرا مهما من خلال العرض الشديد الوضوح لأكثر من عينة مشاركة، ويظهر أن التحكم العصبي الدقيق والثلاثي الأبعاد للأذرع الروبوتية ليس ممكنا وحسب، ولكن أيضا قابل للتكرار».

ويستطرد قائلا «لقد اقتربنا بشكل ملحوظ من استعادة المهام اليومية، مثل خدمة نفسك وشرب القهوة التي عادة ما تؤديها الذراع واليد دون عناء، للأشخاص الذين لا يستطيعون تحريك أطرافهم. كما نشعر بالتشجيع لمشاهدة تحكم مفيد بعد مرور خمس سنوات على زرع شريحة (بوابة الدماغ) في أحد المشاركين. هذا العمل هو خطوة حاسمة نحو تحقيق الهدف الطويل الأجل لخلق تكنولوجيا الأعصاب التي ستستعيد الحركة والتحكم والاستقلال للمصابين بالشلل أو فقدان الأطراف».

وفي البحث، عملت الروبوتات كبديل للذراع المشلولة لدى كل مشارك. فالأذرع الروبوتية قد استجابت لنية ورغبة المشارك في تحريكها للوصول إلى الأكواب. لقد أمسكت اليد الروبوتية بالهدف عندما تخيل المشاركون قبضة اليد، لأن محيط الأهداف كان أكثر من نصف عرض فتحة اليد الروبوتية، والمهمة تتطلب من المشاركين القيام بتحكم دقيق.

وقد استخدمت الدراسة ذراعين روبوتيتين متقدمتين، هما: روبوت (DEKA)، لنظام الذراع، وروبوت (DLR) الخفيف الوزن ذو اليد ذات الخمس أصابع، والذي تم تصميمه للمساعدة في إعادة القيام بأعمال مثل الذراع واليد البشرية والتفاعل مع المستخدمين من البشر، ويمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة كجهاز روبوتي مساعد للأشخاص الذين لديهم إعاقات مختلفة.

قال باتريك فان دير سماغت، من معهد الروبوتات والميكاترونيك التابع لمركز الفضاء الألماني ومدير الروبوتات التي تحاكي النظم البيولوجية الطبيعية ومعامل تعليم الآلات بنفس المعهد، والمؤلف المشارك للدراسة، بأن «هذا كل ما كنا نأمله لهذه الذراع الروبوتية، لقد أردنا تصميم ذراع يمكن استخدامها بذكاء فطري من خلال أشكال متنوعة من التحكم، والذراع تستخدم حاليا في معامل بحثية عديدة حول العالم، بغرض الاستفادة من قدراتها الفريدة في التفاعل والسلامة، وهذا يشكل دليلا مقنعا للفائدة المحتملة لاستخدام الذراع بالنسبة للأشخاص المصابين بالشلل».