عرض خاص للفنان المصري محمد عبلة

بمناسبة افتتاح غاليري «آرت سبيس» في لندن

العلم
TT

مع تنامي الاهتمام بفنون الشرق الأوسط، ازدهرت سوق الفنون في المنطقة. من هذا المنطلق شهد حي تشيلسي الثري في العاصمة البريطانية لندن افتتاح الفرع الثاني لغاليري «آرت سبيس» ومقره الرئيسي في دبي. اختار المعرض لحفل الافتتاح تقديم عرض منفرد لأعمال الفنان المصري محمد عبلة، الذي حازت أعماله تقديرا في فترة الثمانينات.

يضم المعرض، الذي أقيم تحت عنوان «عائلتي وأهلي»، لوحات لعائلات سعيدة، يحتفظ الفنان بعلاقات وثيقة معهم في حياته، في فترة الأربعينات والخمسينات بجانب لوحات تظهر حالة الشك التي يعيشها الشعب المصري اليوم، بعد اندلاع الثورة في العام الماضي. تشير النقاط الحمراء بجانب اللوحات إلى نسبة مبيعات مرتفعة بعد ليلة افتتاح «آرت سبيس» الأولى، ورد فعل إيجابي يدل على نجاح أعمال عبلة.

يربط عبلة، الذي تلقى تعليمه بسويسرا، ويسكن في القاهرة، بين الجوانب الشخصية والعامة والسياسية مقدما رؤية أعمق للمجتمع المصري قبل وأثناء الثورة المستمرة.

ويوضح عبلة: «يمثل عرض تلك اللوحات في لندن في الوقت الحالي فرصة جيدة، حيث يمكن لجمهور جديد مشاهدة الأعمال كما يمكن مناقشتها».

وتسمح النوافذ المنتشرة في أرجاء القاعة الرئيسية للمعرض الذي تم افتتاحه بوضوح الرؤية للأعمال السياسية المعاصرة. وتصور لوحات «من ميدان التحرير» ما شهده عبلة عندما كان ضمن المتظاهرين المطالبين بالتغيير في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وينام في الخيام لأيام متواصلة. ورغم تصوير بعض اللوحات الأخرى لحظات حقيقية، فإن ألوانها اتسمت بالكثافة لتعبر عن الطاقة والشعور المصاحب لتلك الفترة. وتضم هذه الأعمال الكولاج للأعمال الفوتوغرافية، حيث يضم عبلة صورا متنوعة للمتظاهرين لتشكل معا قطعة فنية بعنوان «تنظيف الميدان»، بينما تظهر قطع فنية أخرى مثل «العلم» عائلة تتكون من أجيال مختلفة في التحرير معا.

التجول عبر الغرفة الثانية أشبه بخلفية لهذه الفوضى والغضب، حيث تعرض صور العائلة، حيث يصور عبلة أمهات وبنات، آباء وأطفالهم، في لوحات كثيرة يجلسون في سعادة بالغة معا، مستخدما الألوان الأكريلية على قماش الكانفا.

تم رسم تلك اللوحات في فترة كانت الأوضاع فيها تبعث على الأمل بداية من عام 2004، بينما يشير الرسم إلى موضة ذلك العصر، حيث يرتدي الرجال طربوشا، وتبدو النساء بمظهر كلاسيكي، حيث يصففن شعرهن في جدائل.

ويشير عبلة إلى أنه «نوع من السخرية أن نتحدث عن الماضي بأن فترة الأربعينات والخمسينات كانت أفضل». تظهر اللوحات العائلات حيث يجلسون أمام خلفية قديمة مزخرفة بأزهار مطبوعة. ويشير عبلة إلى أوجه الاختلاف والتشابه في نقاط التحول في تاريخ مصر بقوله: «من المهم أن نضع الصور القديمة بجانب الصور الحالية. فلا يمكن أن نرى الحاضر دون التفكير في الماضي، يجب علينا أن نتعلم من الماضي. في فترة الأربعينات والخمسينات كانت الديمقراطية في المهد والبرلمان كان قد شكل للتو. كانت الصناعات المصرية في صعود: صناعة الأفلام والمنسوجات وأنواع مختلفة من الصناعات في مصر كانت تشهد حالة من الازدهار. بعد ذلك اندلعت ثورة عبد الناصر، وتوقف كل ذلك وتغير كل شيء».

من الواضح أن أفكار عبلة عن التغيير في مصر قد سبقت أحداث عام 2011. شمل هذا المعرض عملين تم رسمهما قبل الثورة يتسمان بطابع سياسي، لما يحملان من نقد للنظام وأجهزته، مصحوبة بكلمات مثل «مصر هبة البوليس» كتبت على إحدى اللوحات، كانت تلك هي المرة الأولى التي يظهر فيها عبلة أعمالا تبدو وكأنها تستشرف المستقبل.

قال عبلة: «لم يرغب أصحاب المعارض في عرض تلك القطع لتجنب المشكلات». ولكن رغم ذلك لم تشهد مصر سوى تغييرات محدودة. «فعلى سبيل المثال، لا أستطيع عرض القطع الفنية التي تصور الجيش أو الشخصيات الدينية أو السلفيين. لدينا الآن حكومة ولكن ما زالت بعض الأمور كما هي، في السابق لم يكن بإمكاني انتقاد مبارك، والآن لا يمكنني انتقاد الجيش».

ولكن ما تغير بشكل كبير هو الاهتمام العالمي بالفن في العالم العربي، خصوصا الأعمال التي تعاني من الرقابة أو تعارض الحكومات وتتناول الأفكار التي تحكم السياسات.

فسرت مليحة الطبري، مؤسسة ومديرة «آرت سبيس»، ذلك قائلة: «يسمح لنا افتتاح غاليري ثانٍ بالمشاركة، وتشجيع نشر فنون الشرق الأوسط حول العالم، وهي حركة بدأت تكتسب زخما في دبي قبل عشر سنوات». وأكد عبلة على ذلك قائلا: «تبدلت الأوضاع الآن، ليس فقط بسبب ثورات الربيع العربي، ولكن قبل هذا. ونتيجة للعولمة أصبح العرب جزءا من الاقتصاد العالمي. كما أن العرب، والأكثر ثراء منهم على وجه الخصوص، يهتمون بالفن، وينظرون إليه باعتباره استثمارا. كما يتعلق الأمر أيضا بالجيل الجديد الذي سافر إلى أوروبا للدراسة، حيث تعلموا قيمة الفن، وعادوا إلى بلادهم لمشاركة تجاربهم مع الآخرين وكل شيء تعلموه هناك».

يمثل عبلة الذي حاز عدة جوائز مرموقة في مصر وفي الخارج أشكالا مختلفة من الفن في الوطن العربي. حصل محمد عبلة على الجائزة الكبرى في بينالي الإسكندرية عام 1977، وتم عرض أعماله من قبل مؤسسات مرموقة من ضمنها المتحف البريطاني.

ومن الجدير بالذكر أن عرض غاليري «آرت سبيس» لأعمال محمد عبلة سيستمر حتى التاسع من يونيو (حزيران) 2012.