دراسة ألمانية تعتبر تلوث البيئة سببا جديدا في انتشار داء السكري

ذرات الغبار و«السخام» في الجو تخلق مناعة ضد الإنسولين في الجسم

الباحث الألماني ميشائيل رودن، من المركز الألماني للسكري، أجرى تجاربه المختبرية على الفئران وتوصل إلى أن ذرات الغبار الملوثة أصبحت عاملا يعرض الإنسان للإصابة بمرض السكري
TT

يعرف العلم الكثير حتى الآن عن دور ذرات الغبار والسخام في الجو بأمراض الجهاز التنفسي، وخصوصا نشوء الأورام السرطانية في القصبات الهوائية والرئة، لكن العلماء ما زالوا في طور «التكهن» عن علاقة ذلك بنشوء أمراض أخرى مثل السكري.

الأبحاث الأخيرة حول ذرات الغبار الملوثة، سواء بالسخام المنطلق من عوادم السيارات، أو من أجهزة الطباعة وغيرها، تشي بأن الذرات الصغيرة هي المسببة لنشوء المرض، ولهذا فإن مقياس بيئية السيارة بات يتعلق اليوم بحجم ذرات السخام وليس بعددها، ويبدو أن الأمر يحدث كذلك في مرض السكري، لأن ذرات الغبار الملوث يمكن أن تسبب الإصابة بداء السكري، وخصوصا الصغيرة منها، هذا لا يغفل العوامل الغذائية والوراثية والنفسية طبعا، لكنه يضع التلوث البيئي ضمن العوامل الكثيرة التي تزيد من خطر الإصابة بالسكري، وتضاعف الإنسان المستعد وراثيا للإصابة بالمرض في مراحل مبكرة.

الباحث الألماني ميشائيل رودن، من المركز الألماني للسكري، أجرى تجاربه المختبرية على الفئران وتوصل إلى أن ذرات الغبار الملوثة أصبحت عاملا يعرض الإنسان للإصابة بمرض السكري، وذكر رودن أن الفئران التي تم تعريضها لمخاطر الغبار الملوث طورت في أجسادها مقاومة لعمل الإنسولين، المعروف بعمله الخافض لمستوى الغلوكوز في الدم، وهذا ليس كل شيء لأن هذه الفئران، مقارنة بمجموعة فئران أخرى لم تتعرض للغبار الملوث، زاد خطر إصابتها بسكري الدم بنسبة 20%. وعبر الباحث عن ثقته من أنه اكتشف «عامل خطورة» جديدا في عملية الإصابة بالسكري.

هذا ينطبق إلى حد كبير على نوع داء السكري، الذي يسمى السكري - 2، أو السكري المرتبط بتقدم السن، ويمكن على هذا الأساس تفسير ازدياد نسبة المعانين من السكري في العقود القليلة الماضية، والمرتبطة بتطور الصناعة والزراعة، وازدياد معدل أعمار الألمان، علما بأن هناك الملايين ممن يعانون من مرض السكري في ألمانيا، يضاف إليهم 250 ألف مريض جديد سنويا.

مثل هذه العلاقة بين التلوث البيئي وداء السكري أثبتته دراسة مسحية أجريت في منطقة «نهر الرور»، التي تعتبر المنطقة الأولى في التعدين ومناجم الفحم، فالدراسة، عدا عن العلاقة بمنطقة التعدين، تثبت أن نسبة الإصابة بداء السكري بين المواطنين تزداد بشكل ظاهر كلما ازداد سكن الناس قربا من الشوارع الكبيرة والمزدحمة.

دعا رودن إلى المزيد من الأبحاث في قضية علاقة التلوث البيئي بداء السكري، الذي يعتبر المرض الأكثر شعبية الآن في ألمانيا، وقال رودن أمام المؤتمر السنوي حول السكري، في مدينة شتوتغارت، إن تعرض الفئران المختبرية إلى الجو الملوث «مختبريا» لمدة 10 أشهر فقط، زود الفئران بمناعة نسبية ضد عمل الإنسولين، وهذا يعني أن تعرض الإنسان، قياسا بحجمه، إلى التلوث لعدة سنوات، سيضاعف بالتأكيد مخاطر ارتفاع الغلوكوز في دمه.

سكري أعلى بين الأتراك في ألمانيا الباحث الألماني استند في تقريره إلى نتائج دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة عن علاقة الجنس بالإصابة بداء السكري. أجريت الدراسة بين نساء أميركيات يعشن قرب الشوارع المزدحمة والضاجة، واكتشفوا أن السكري ينتشر بينهن بنسبة 20% أكثر من انتشارها بين نساء يعشن بعيدا عن الشوارع الصاخبة.

وعلى أساس هذا العامل الجديد من أسباب الإصابة بداء السكري يمكن تفسير نتائج دراسات سابقة بقيت أسبابها غامضة نسبيا على العلماء، إذ اكتشف الباحثون الألمان أن نسبة المصابين بداء السكري بين الأتراك المقيمين في ألمانيا هي ضعف نسبة الإصابة بين الأتراك المقيمين في تركيا، ويمكن تفسير ذلك إذا عرفنا أن نسبة كبيرة من الأتراك في ألمانيا يتحدرون من المدن الصغيرة والقرى والجبال والمناطق البعيدة عن التلوث البيئي، وكان العلماء يعتقدون أن تغيير محل الإقامة، والعوامل النفسية، والتغيرات المناخية وأساليب التغذية هي العوامل الوحيدة وراء انتشار السكري بين الأتراك في ألمانيا.

معروف أيضا أن داء السكري ينتشر في الدول الصناعية الغربية، مثل ألمانيا وفرنسا، أكثر مما ينتشر في رومانيا وبلدان البلطيق وروسيا، كما أن هذه النسبة تنخفض بشكل واضح في بلدان أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الفقيرة عنها في أوروبا.

24 مليار يورو سنويا لمعالجة المصابين بالسكري والسكري لا يلقي بثقله على جسد المواطن الألماني المعاني منه فحسب، لأنه يلقي بكامل ثقله على ميزانية الدولة وميزانيات شركات التأمين الخاصة والعامة، وحسب التقارير التي تليت في المؤتمر فإن التكلفة السنوية لمعالجة الفرد المصاب بالسكري بقيت ثابتة نسبيا، إلا أن عدد المعانين منه ارتفع بنسبة 49% خلال عقد من السنين ليصبح نحو 8 ملايين.

18% من أسباب زيادة نسبة الإصابة بالمرض يعود إلى تقدم المجتمع بالعمر، أي ارتفاع معدل الأعمار بين الألمان، ويكلف الفرد المصاب بالسكري شركات التأمين الصحية 1.8 مرة أكثر مما يكلفه المريض غير السكري. التكلفة السنوية لمعالجة الفرد المصاب بالسكري تتراوح بين 2600 - 2800 يورو، أي أن علاج المصابين في ألمانيا يكلف نحو 24 مليار يورو سنويا.