الأمير سلطان بن سلمان: المواطن هو الحارس الأول للآثار

رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية في حديث حول معارض الآثار في العالم والسياحة الداخلية

الأمير سلطان بن سلمان (ماثيو تومكينسون - إن بارتنرشيب) .. وخلال زيارة البلدة القديمة بمحافظة عيون الجواء (واس) و من معرض «روائع الآثار السعودية عبر العصور» وتمثال برونزي عمره 2000 عام من قرية الفاو
TT

خلال أشهر قليلة، أطلت الآثار السعودية على الجمهور البريطاني من خلال معرضين ضخمين في المتحف البريطاني؛ فعبر معرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام»، قدمت قطع أثرية أرخت لطرق الحجاج القديمة، وأثرت المعرض الشامل الذي عد علامة في تاريخ المتحف العريق. وأخيرا، ومن خلال معرض «الخيل من الجزيرة العربية إلى رويال أسكوت»، عرضت بعض القطع الأثرية من المكتشفات الحديثة لرسوم خيول قديمة على صخور تم العثور عليها في مواقع مختلفة من السعودية وتعود إلى فترات زمنية متباينة، بالإضافة إلى قطع مميزة من قرية الفاو.

المشاركات في المعارض العالمية والمحافظة على الآثار في السعودية كانت محور الحديث مع الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الذي يزور المملكة المتحدة حاليا لحضور افتتاح معرض «الخيل من الجزيرة العربية إلى رويال أسكوت»، وخلال الحوار الذي خص به الأمير سلطان بن سلمان «الشرق الأوسط» تطرق إلى أهمية دور المواطن في المحافظة على الآثار في السعودية وإثراء السياحة الداخلية.

في بداية الحديث، قال الأمير سلطان ردا على سؤال حول المشاركات المقبلة للآثار السعودية في معارض عالمية: «نحن الآن نعد لمعرض (روائع الآثار السعودية عبر العصور) الذي سينطلق في أميركا في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من متحف سميثونيان بواشنطن، وهي أولى محطاته ثم ينتقل بعد ذلك إلى خمس محطات في أميركا ومنها ينتقل إلى محطات أخرى حول العالم. هذا المعرض يعرض بشكل مختصر تاريخ التبادل الحضاري في الجزيرة العربية عن طريق طرق التجارة، ولذلك فإنه أحد المعارض التي تطوف العالم اليوم».

وإشارة إلى زخم المعارض التي انطلقت في الفترة الأخيرة، قال الأمير سلطان: «في الحقيقة، تأخرنا كثيرا في عملية استيعاب أن المملكة العربية السعودية غنية كأرض بتاريخها وحضارتها وتراثها، لذلك نحن نخطط الآن لمعارض أخرى، وقد تكون الخطوة المقبلة هي معرض التراث العمراني. فقد أقمنا ملتقى التراث العمراني في جدة وسنقيم الملتقى المقبل في المنطقة الشرقية، وفي اعتقادي أننا سنكون مستعدين في وقت قصير لعمل يتعلق بالتراث العمراني الوطني، وما يدور الآن من عمليات التطوير والبناء».

الحديث عن التطوير العمراني والتراثي يقود إلى الحديث حول سكان المواقع التراثية، الذين أشار إليهم الأمير سلطان في حديثه على أنهم «أهم عوامل التطوير التراثي والعمراني»، وقال إن السكان «تضامنوا مع الدولة والقطاع الخاص حتى يخرجوا هذه المشاريع للنور، وهو شيء مهم جدا أن ينظر الناس للتطوير العمراني على أنه ليس عملا تقوم به الدولة فقط، بل أيضا يقوم به المواطنون أصحاب القرى والمساكن، لأن المواطنين اليوم يشعرون بالفخر ببلادهم، واكتشفوا أن لديهم نفائس تحكي تاريخ بلادهم، ومن غير الصحيح أن تندثر هذه المواقع وحضارتها».

ويشير الأمير سلطان بن سلمان إلى أن هذا الوعي ساهم في إنجاح الحملة التي أطلقتها هيئة السياحة لاستعادة الآثار، وأضاف: «أطلقنا حملة مع معرض وندوة لاستعادة الآثار وكانت نتائجها بالنسبة لنا مبهرة جدا، والحملة مستمرة، ما زلنا نتسلم آثارا من أميركا ومن أماكن أخرى تطوعا، وهناك آثار أخرى نعمل على تسلمها عن طريق الطلب الرسمي».

واستطرد رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار قائلا: «أصبحنا الآن نتلقى بلاغات شبه يومية من مواطنين يشتكون من اندثار بعض المواقع التاريخية أو عن عمليات امتهان لبعض المواقع ويشتكون حتى من أن بعض الوزارات الحكومية تخرب بعض المواقع أو تهدم بعض البيوت التاريخية، أصبح اليوم المواطن هو الحارس الأول، وأنا متفائل جدا من هذا التواصل مع المواطنين. كمثال على ذلك أذكر هذا الموقف: «نحن الآن نقوم بترميم بعض المواقع في مدينة العلا وقام أحد المقاولين بنقل بعض عربات قطار الحجاز من إحدى القرى النائية بمنطقة المدينة المنورة إلى العلا لتوضع في المتحف، ولكن السكان رفضوا أن يقوم المقاول بنقل العربات. وقد رفضت شخصيا عندما رفع إليّ الأمر أن تتدخل الشرطة لتمكين المقاول من مزاولة عمله لأن الأمر بالنسبة لنا مكسب، فالمواطنون من أهل القرية أرسلوا لنا طلبا لترمم تلك القطع الأثرية في مكانها وأن يقام متحف لها في القرية، وأنا أؤيدهم على تمسكهم بتاريخهم».

الوعي بأهمية المناطق الأثرية وفخر المواطنين بها يثير تساؤلا حول أهمية السياحة الداخلية وأهمية إقناع المواطنين بزيارة البقع الجميلة في وطنهم. يشير الأمير سلطان إلى أن جمال الأماكن السياحية هو جانب واحد فقط من المعادلة، ويضيف: «جمال الأماكن شيء واستعدادية الأماكن لاستقبال الزوار شيء آخر. نحن نعاني من قصور كبير في تهيئة المواقع وتهيئة الخدمات لوصول المواطنين لها. كنت قبل فترة في جولة سياحية في إيطاليا، ووقفت فوق جسر موقع مطابق تماما لموقع في جيزان بوادي لجب، ووجدت الفرق واضحا بين تهيئة الموقع الإيطالي للسياحة وعدم وجود ذات الشيء للموقع السعودي، ولذلك فنحن في سباق مع الزمن، وما زلنا متأخرين ونواجه قصورا كبيرا في تهيئة المواقع السياحية الكبرى التي تحتضن المواطن وتستقبله وتتيح له قضاء إجازة كاملة دون أن يحتاج أن يبحث عن منتجع هنا أو هناك، مثلما يجد في أماكن أخرى اعتادها، مثل شرم الشيخ وغيرها».

يشير الأمير سلطان بن سلمان إلى أن العمل قائم في عدد من أجهزة الدولة لمجابهة الوضع.. «نريد أن نستعجل هذه القرارات، فقد تأخرنا كثيرا، والزمن يمضي، فالمواطن أصبح سائحا محترفا، وأصبح سائحا يرغب في أن يقضي جزءا من وقته في بلاده، والحالة الأمنية والاقتصادية تتطلب أن نستعجل فكرة أن يقضي المواطن وقتا في وطنه، فهو أجمل بلد في الدنيا، ولهذا يأتي شعار الحملة الإعلامية التسويقية المنتشرة حاليا (عيش السعودية)».