فرج دهام في معرضه «لغة الشارع» يجسد مفاهيم بصرية جديدة

شغلته العلامات والإشارات في مناطق العمل بالدوحة

TT

في مقدمة دليل معرضه «لغة الشارع» استعار فرج دهام، وهو فنان تشكيلي قطري، عبارة لمارك جيمينيز يقول فيها «الفن ميدان، يولد أشياء قابلة للمس، أو يسمح بإقامة ظواهر ملموسة من الواقع». توجز العبارة واسم المعرض المناخ الذي استلهم منه دهام أعماله الجديدة التي تتصل بالإشارات والعلامات البصرية المتناثرة في شوارع مدينته الدوحة والتي لاحظها في مناطق العمل والمشاريع التنموية التي تعمل على تحسين صورة البنية التحتية للطرق الرئيسية والفرعية التي تجبر قائدي المركبات على المضي في مسارات وخطوط ملتوية ومؤقتة تصبح في أشد حالاتها إثارة مثل حلبة سباق «الفورميولا».

منذ 2006م لاحظ فرج دهام تفاصيل مجريات بعض المشاريع الإنشائية التي ما زالت تتركز في أروقة المدينة خاصة في الطرق التي يرتادها بشكل يومي، اكتشف أن الشوارع الضيقة والمؤقتة التي تقوم بإنشائها الشركات المقاولة لتسهيل عمليات السير تعمل في لحظات كثيرة على استدرار جو من التوتر وحالات كثيرة من التوجس والاضطراب، خاصة في الليل عندما توضع على أطراف الشوارع إشارات ضوئية تحذيرية تجبرك على أن تكون في حال من اليقظة، لقد شغلته الإشارات والعلامات والخطوط الصفراء المتوازية والمتقطعة والمنحنيات التي تشبه المروج التي تكرس حالات جديدة من اللغة بينها وبين قائدي المركبات مستحدثا منها لغة بصرية مقاربة تتناسل من داخل الطرقات التي تم تغيير طبيعتها المعتادة لتصل بالنتيجة إلى مدينة جديدة ومكتسبات معاصرة تتقارب مع المدن العالمية، لكن مثل هذه المشاريع باتت تفرض على إنسان الشارع سلطة بصرية وأنساقا من الإشارات والعلامات مليئة بالمعاني التي باتت تنتشر في كل عواصم ومدن الدنيا.

اختار فرج دهام لصياغة مشروعه الأصباغ الصفراء والفسفورية الأكثر حضورا على أرضية الشوارع المسفلتة كمؤشر ودليل على دورها النفعي أو العملي الذي تؤديه كلغة بين الناس في الحياة اليومية، حتى أنك تشاهد تلك الأصباغ على اللوحات الإرشادية وخلفيات الشاحنات والقاطرات والرافعات والصهاريج وعلى زوايا ومنحنيات الشوارع وممراتها منحازة لدورها الوظيفي والنفعي أكثر من أي صور أخرى.

تنتمي تجربة المعرض للممارسات البصرية الجديدة التي تتخذ من ظواهر المدن الحديثة ما أكثرها صناعة وواقعا مغايرا وجديدا من المكتسبات التي تجبر المجتمعات على الدخول في معتركاتها باعتبارها متغيرات وظيفية وحلولا جذرية للنظم التقليدية والرتيبة وصولا إلى ما يسمى بصناعة هندسة جديدة للبنى التحتية تبرهن الممارسات البصرية الجديدة انشغالها بالظواهر التي تنشأ في المجتمعات وتحدث متغيرات جذرية في بنيتها التحتية يعتبرها غالبية أفراد المجتمع مجرد مرحلة انتقالية وطبيعية لتحسين أداء طرق المدينة أو نحوها إلى الأفضل، لكن ما يهم الفنان ليس النتيجة بقدر ما تطرحه هذه المشاريع من أفكار وتصورات وجدل يمكن قراءته من منظور آخر يساهم في إنتاج أعمال مقاربة تعرف نظريا بـ«الفن من منظور المجتمع»، وهو الأمر الذي كرس له فرج دهام حصيلة أعماله الفنية عندما تناول دينامية حركة الشوارع التي تقع فيها مثل هذه العمليات الإنشائية والتي تعج بالآليات الميكانيكية وكم من العمالة التي ترتدي الملابس الصفراء وأجسام من الكتل الخرسانية وإحداثيات شوارع ضيقة مؤقتة وسلاسل من الأضواء المتسلقة وإشارات تجبرك على الحيطة والحذر وتقفي السلامة. يرى دهام أن هذه الصور أصبحت مرئيات في الطريق العام في متناول الجميع تحدث إرباكا في أذهان قائدي المركبات الصغيرة والكبيرة وتمارس عليهم سطوة وسلطة نحو وظيفتها، وبالتالي فإن العلامات والإشارات التي تكثر في هذه المشاريع شكلت لغة جديدة بينها وبين رجل الشارع من دون وساطة، فضلا عن أن كل ذلك يحدث حركة للعين.

ومن هنا يضع فرج دهام سؤاله حول ما يمكن أن تشكله الصور المرئية كمفهوم يعيد النظر في القيمة الفنية والإنسانية وفق حاجة العين واكتشاف ما تثيره هذه الصور على الحواس ومن ثم تدركه كمفاهيم جمالية.

يذكر أن الفنان القطري فرج دهام يعد واحدا من أبرز الفنانين والباحثين المتخصصين في مجال الفنون البصرية، وهو حاصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة بول ستيت بالولايات المتحدة الأميركية عام 1988، وله العديد من المشاركات والمعارض الجماعية منذ عام 1977، من بينها بينالي الشارقة والقاهرة الدوليان، وأقام عددا من المعارض الفردية بالولايات المتحدة الأميركية وقطر والكويت وطهران والشارقة، وهو عضو مؤسس بالجمعية القطرية للفنون التشكيلية، وكتب العديد من الدراسات والبحوث المتخصصة في مجال الفنون البصرية.