معركة مشتعلة حول مبادرة لوضع بطاقات لاصقة على الأغذية المعدلة وراثيا

9 من بين كل 10 أميركيين قالوا إنهم يؤيدونها بحسب استطلاع رأي

لافتة يحملها محتج تطالب الناس بأن يتجاوبوا مع حملة تنادي بدرج أنواع المأكولات المعدلة وراثيا
TT

في صبيحة يوم مشمس مؤخرا في متجر البقالة «بيغ واي» هنا، أوقفت سينثيا لابيير عربة التسوق في الممر الخاص بمنتجات الحبوب. وبعد فحص سريع لمكونات المنتجات الغذائية المعروضة، أخذت تلصق على عدة صناديق بطاقات لاصقة مصممة يدويا من لفة أخرجتها من حقيبة يدها. حملت الملصقات عبارة: «تحذير! قد يحتوي المنتج على عضويات معدلة وراثيا».

لأكثر من عقد، اشتملت معظم الأغذية المعالجة في الولايات المتحدة - الحبوب والأغذية الخفيفة وتتبيلات السلطة - على مكونات مصنوعة من نباتات تتم معالجة الحامض النووي «دي إن إيه» فيها في أحد المعامل. ويقول مراقبون وعديد من العلماء إنها لا تشكل أي خطورة. ولكن مع توجيه الأميركيين مزيدا من الأسئلة المحددة عما يتناولونه من أطعمة، تدعم الشكوك الشائعة حول الصحة والتأثيرات البيئية للتكنولوجيا الحيوية حركة تلزم بوضع بطاقات لاصقة على الأطعمة المصنعة من محاصيل معدلة وراثيا، إن لم يكن سحبها من السوق.

لقد اقترحت مشروعات قوانين مرتبطة باستخدام تلك البطاقات اللاصقة في أكثر من اثنتي عشرة ولاية خلال العام الماضي، واجتذب طلب قدم إلى إدارة الغذاء والدواء الخريف الماضي بالإلزام بوضع بطاقات لاصقة على مثل هذه المنتجات على المستوى الوطني أكثر من مليون توقيع. هناك تطبيق على جهاز «آي فون» يحمل اسم «شوب نو جي إم إو».

ويتمثل الجهد الذي يخضع لأقصى درجة من الرقابة المشددة في مبادرة اقتراع مقترحة في كاليفورنيا والتي قضت على عقبة أساسية هذا الشهر، مفسحة المجال لتصويت محتمل في نوفمبر (تشرين الثاني) يمكن أن يؤثر ليس فقط على تعبئة الأغذية، وإنما أيضا على مستقبل الزراعة الأميركية.

من المتوقع إنفاق عشرات الملايين من الدولارات على معارضة هذا الاقتراح. ويثير هذا الاحتمال غضب مجموعات حماية المستهلك وصناعة الأغذية العضوية، التي تدعم الإلزام بوضع البطاقات اللاصقة على تلك المنتجات، في مواجهة المزارعين التقليديين وشركات التكنولوجيا الحيوية الزراعية مثل «مونسانتو» والعديد من العلامات التجارية الغذائية المشهورة مثل «كيلوغ» و«كرافت». لقد زادت المخاطر العالية من اشتعال الجدال المحتدم منذ فترة طويلة بشأن مزايا الحبوب التي تتم هندستها وراثيا، والتي يعتقد كثير من العلماء والمزارعين أنها قد تكون مفيدة في تلبية احتياجات العالم الغذائية المتزايدة بشكل متسارع.

ويشير مؤيدو وضع البطاقات اللاصقة على تلك المنتجات إلى أن العملاء لديهم الحق في معرفة الوقت الذي تم فيه تعديل الأطعمة بجينات من سلالة أخرى، يقولون إنها مختلفة بشكل أساسي عن عملية التربية الانتقائية المتبعة مع معظم المحاصيل.

تحتوي معظم حبوب القمح والذرة وفول الصويا المزروعة في الولايات المتحدة على حمض نووي «دي إن إيه» مشتق من بكتيريا. إن الجين الغريب يجعل فول الصويا مقاوما لأي مبيد أعشاب يستخدم في مقاومة الأعشاب الضارة، ويؤدي بالذرة إلى إنتاج مبيد حشري خاص بها.

تقول لابيير، 44 عاما، مستشارة صحة عقلية استلهمت تصنيفها غير التقليدي من مجموعة «لابل إت يور سلف»: «تثار أعصابي عندما أجد مادة عضوية يتم الإتيان بها من أي منتج لم يكن ليصنع في الطبيعة وإضافته إلى الغذاء». وتعبر عن خوفها من أن تصاب ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات في أحد الأيام بآثار سيئة مثل الحساسية.

وذكرت إدارة الغذاء والدواء أن وضع تلك البطاقات اللاصقة عادة ما لا يكون ضروريا نظرا لأن التعديل الوراثي لا يغير مادة الطعام.

يقول مزارعون وشركات أغذية وتكنولوجيا حيوية وعلماء إن البطاقات اللاصقة ربما تدفع المستهلكين إلى رفض الأطعمة المعدلة وراثيا - والتكنولوجيا التي أتت بها - من دون فهم فوائدها البيئية والاقتصادية. وأشارت مؤسسة استشارية وطنية في مجال العلوم في عام 2010 إلى تلك الفوائد باعتبارها «جوهرية»، مشيرة إلى أن المحاصيل المنتجة بالتكنولوجيا الحيوية أدت بالمزارعين على مدار سنوات إلى رش كم أقل من المواد الكيميائية الضارة، على الرغم من أن ظهور الأعشاب الضارة والحشرات المقاومة يهدد بالقضاء على ذلك التأثير.

وفي خطاب تم تداوله على الشبكات الاجتماعية، انتقد مزارع من ولاية أيوا، يدعى تيم بوراك، عدد هذا الشهر من مجلة «أوبرا»، والذي استعرض أبحاثا تربط بين الهندسة الوراثية والمخاوف الصحية التي أنكرها العديد من العلماء واقترحوا «خمس وسائل لتقليل التعرض لمخاطر الأغذية المعدلة وراثيا». وحث بوراك وينفري على عدم «تشويه سمعة المحاصيل المعدلة وراثيا».

غير أن بعض خبراء الأغذية يشيرون إلى أن مصنعي الأغذية ملزمون بتصنيف تلك الأغذية. وقال ماريون نيسل، أستاذ الأغذية والدراسات الغذائية والصحة العامة بجامعة نيويورك: «المستهلكون لديهم الحق في وضع التعديل الوراثي في الحسبان». وأضاف: «وإذا كانت الشركات تعتقد أن اعتراضات المستهلكين خاطئة وغير منطقية، فعليها أن تشرح مزايا منتجاتها».

وحتى الآن، لم يثر الأميركيون جدلا كبيرا حول المحاصيل المعدلة وراثيا المعروضة في السوق مقارنة بالأوروبيين، الذين يلزمون بأن يتم وضع بطاقات لاصقة تعريفية على تلك المنتجات. ويهدد المتظاهرون في بريطانيا بتدمير بعض من محصول القمح المعدل وراثيا الذي تمت زراعته في تجربة بحثية بالقرب من لندن.

إن الاتجاه الحالي لوضع بطاقات لاصقة على تلك المنتجات في هذه الدولة يأتي جزئيا من توسيع قائمة المنتجات المعدلة وراثيا بحيث تضم نبات الفصة المقاوم للمبيدات الحشرية والموافقة المحتملة هذا العام على سمك السلمون سريع النمو، الذي سيكون أول حيوان تتم هندسته وراثيا بين المواد الغذائية.

وقد جمع غاري هيرشبرغ، رئيس مجلس إدارة شركة «ستوني فيلد فارمس»، شركة الزبادي العضوي، أكثر من مليون دولار لحملة «جاست لابل إت» للتأثير على إدارة الغذاء والدواء بعد النزاع من أجل التصديق على نبات الفصة المنتج عن طريق الهندسة الوراثية، مشيرا إلى أن التلقيح الخلطي يمكن أن يلوث المحاصيل العضوية التي تأكلها الأبقار.

قال هيرشبرغ: «هذا موضوع يتعلق بالشفافية والحقيقة والثقة في نظام الأغذية».

وتقول شركات التكنولوجيا الحيوية إن مبادرة ولاية كاليفورنيا لوضع الملصقات على المواد الغذائية المعدلة وراثيا، فيما يتم تصويرها على أنها تعزز اختيار المستهلك، تعتبر بالفعل جهدا من قبل بعض مجموعات حماية المستهلك ومجموعات دعم الحفاظ على البيئة وزارعي الأغذية العضوية من أجل سحب الأغذية المعدلة وراثيا من السوق.

«هؤلاء الناس يحاولون توظيف السياسة في القيام بما لا يمكنهم تحقيقه في السوق المركزية، وهو زيادة حصة السوق»، هذا ما قالته كاثلين إنرايت، نائب الرئيس التنفيذي بمنظمة صناعة التكنولوجيا الحيوية، التي تمثل كلا من مونسانتو ودوبونت.

بدلا من وضع بطاقات لاصقة على المنتجات يمكن أن يعتبرها المستهلكون تهدد حياتهم، تقول الشركات إن منتجي الأغذية ربما يتحولون إلى مكونات ليست معدلة وراثيا، مثلما فعلوا في أوروبا.

وفي حالة تمرير مبادرة كاليفورنيا، «سوف نكون في طريقنا لاستبعاد الأغذية المعدلة وراثيا من مجموعة المواد الغذائية في بلدنا من أجل الصالح العام»، هذا ما كتبه رومني كومينس، مدير جمعية مستهلكي الأغذية العضوية، في خطاب في مارس (آذار) سعيا لجمع تبرعات لمبادرة الاقتراع على وضع بطاقات لاصقة على الأغذية المعدلة وراثيا في كاليفورنيا. واستكمل قائلا: «إذا ما تعين على شركة مثل (كيلوغ) أن تطبع علامة تشير إلى أن منتجها الشهير (كورن فليكس) قد تم إنتاجه بطريقة الهندسة الوراثية، فستكون هذه هي النهاية بالنسبة لهذا المنتج المعروف في كاليفورنيا - ثامن أكبر اقتصاد في العالم - وفي كل الأماكن الأخرى».

ورفض اتحاد شركات تصنيع مواد البقالة، التي تمثل علامات تجارية غذائية بارزة، التعليق على ما يمكن أن يقوم به أعضاؤه في حالة تمرير مبادرة كاليفورنيا. غير أن ريك تولمان، الرئيس التنفيذي للاتحاد الوطني لمزارعي الذرة، قال إنه بعد مقابلة مسؤولين في مجال الأغذية هذا الشهر، أصبح لديه «انطباع قوي» بأنهم سوف يقومون بتعديل مكونات منتجاتهم الغذائية بدلا من وضع بطاقات لاصقة عليها تشير إلى أنها معدلة وراثيا. وقال: «إنهم يرون أن مثل هذه البطاقات اللاصقة سوف تقضي على علامتهم التجارية». وعند سؤاله عما إذا كانوا يرغبون في وضع بطاقات لاصقة دالة على الأغذية التي تمت هندستها وراثيا، ذكر 9 من بين كل 10 أميركيين أنهم يؤيدون ذلك، بحسب استطلاع رأي أجرته «تومسون رويترز إن بي آر» عام 2010.

لقد لقيت الدعوة الحالية للشفافية قبولا بين بعض الأميركيين المنزعجين من تقارير عن استخدام مادة البيسفينول (وهي مادة كيماوية تستخدم في صناعة البلاستيك) في تعبئة الأغذية واستخدام مادة مضافة معالجة بالأمونيا في اللحوم. وقد بذلت لابيير جهودا من أجل وضع بطاقات لاصقة على حبوب الكاشي، التي يتم الإعلان عنها بوصفها حبوبا طبيعية، بعد أن علمت بأنها تحتوي على فول الصويا المعدل وراثيا. ومنذ اكتشاف صفحة «لابل إت يور سلف» على موقع «فيس بوك» في مارس (آذار)، قامت بإضافة العديد من صورها على معرض الصور على الصفحة الذي يضم بطاقات لاصقة مصنوعة يدويا تم لصقها على منتجات موضوعة على أرفف متاجر عبر أنحاء الدولة.

ووفقا للقانون، يمكن أن تمثل عملية وضع البطاقات اللاصقة على المنتجات انتهاكا للعلامة التجارية ضد المصنع أو ضد المتجر. لم يتم رفع دعوى على أحد، ولكن أيضا بالمثل لم يتم الإمساك بأحد يقوم بوضع البطاقات اللاصقة، بحسب متحدث باسم المجموعة.

حتى الآن، ذكرت إدارة الغذاء والدواء أنها تدرس الاقتراح الخاص بوضع البطاقات اللاصقة على المواد الغذائية المعدلة وراثيا لتمييزها؛ ولم يتم تمرير أي من مشروعات القوانين المقترحة على مستوى الدولة خلال العام الماضي.

أما عن مؤيدي تلك الفكرة، فتمثل كاليفورنيا، حيث من المنتظر أن يتم تمرير التشريع من خلال تصويت شعبي مباشر، الجائزة الكبرى. وقبل عقد في أوريغون، تم رفض إجراء مماثل بدا أنه مدعوم من ثلثي المصوتين بعد حملة إنفاق شعواء من قبل المعارضين للبطاقات اللاصقة. ومن خلال الدعم المالي لصناعة المواد العضوية، يقول مؤيدو فكرة وضع البطاقات اللاصقة في كاليفورنيا إنهم سيستعدون بشكل أفضل.

* خدمة «نيويورك تايمز»