عبد الله إدريس يستلهم رسوم الكهوف والجدران وخرائط المدن

جدة تحتفي بمعرضه «أحافير»

عبد الله ادريس
TT

كتب الفنان التشكيلي عبد الله إدريس على كراس معرضه «أحافير» أنه يرسم على خلفية جدار متواتر وصاخب بالنتوءات والأخاديد مثلما هي جدران الكهوف التي تراكمت عليها التجاعيد والخدوش والمحفورات: «وهكذا هي ذاكرتي البصرية تستحضر من الماضي تارة ومن الواقع تارة أخرى».

أسهمت تطلعاته الفنية المبكرة في قراءة هذه الثيمة البصرية بشكل منتظم، مكرسا لها أسماء تتفق ومعطياتها الجمالية، كما في معارضه «سيرة مدينة ذات الرماد» و«المدينة المكعبة» و«تضاريس لجسد المدينة»، وصولا إلى معرضه «أحافير» الأكثر تعاطيا مع المفردات التي جسدت من رسوم الكهوف والصخور وخرائط المدن دلالات وطرائق بدت سائدة في تلك الأزمنة. وأبرزت أعمال المعرض بصورة أكثر دقة ذاكرة المكان التاريخية باعتبارها إرثا جماليا يستلهم منه ما يعينه على تجسيد تجاربه البصرية وتحقيق مبتغاه وفق رؤية تبتعد عن المحاكاة المباشرة للواقع، بينما في طبيعتها تستهدف بناء علاقات متبادلة بين الحاضر والماضي ترتكز على ممارسات تقنية تتمثل في الاختزال والتحوير، ومن ثم إعادة تداولها وبنائها ضمن رؤيته الخاصة.

يستثمر إدريس الجدران المهملة والمهشمة والمحاطة برتل من الخدوش والنتوءات، وكثيرا من عمليات التعرية الطبيعية والتلقائية والعفوية، وهامشا كان يعبث فوق سطحه الزمن، وأحيانا شغبا طفوليا عابرا، هكذا يبدو المشهد البصري في لوحاته. ومن هذا المنطلق اختار إدريس أجساد الجمال مسجلا عليها ما ترصده ذاكرته الجمالية من الماضي تارة ومن الواقع تارة أخرى، يرسم ويلون ويكتب على خلفية كما لو كانت جدارا يعيد قراءة صورته المليئة بالأحافير المتراكمة والشخوص التي تمتد أعناقها في استطالات غير متناهية، ملغيا منظورها التقليدي، ومتخذا من أشكالها هيئات لرسوم أثيرية قديمة يستحضرها من ثقافات مختلفة.

لعل أشد الأعمال حضورا في معرضه هي تلك الخرائط التي احتفت بها أجساد الجمال وأعناقها، محولا صورة الجمال من واقعها الطبيعي إلى هيئات مجردة تشبه جدرانا مسطحة طبعت عليها خرائط المدن وعلاماتها المتناسلة من جغرافيتها الهندسية، فضلا عن تلك العلامات والإشارات المخصصة لشبكة الطرق والمواصلات، محتفظا بروح الخرائط كما لو أنه يشير إلى تلك العلاقة بين الجمل باعتباره سفينة الصحراء، وبين وسائل المواصلات الحديثة التي لم يعد للجمل مكان فيها، وهو ما يجسد وجهة نظره عندما قال: «أعمد في كائناتي إلى إعادة الأشياء لدرجة الصفر، لبدائية المشهد، وإخراجها من دلالاتها الملتبسة ومحمولاتها التاريخية، وإطلاقها في فضاءات بصرية وتشكيلية لا تعتمد على المتشابه والمتماثل بقدر ما تخرج بعفوية وتلقائية محسوبة».

يقول هشام قنديل مدير أتيليه جدة للفنون الذي استضاف معرض إدريس، إن الجانب الأهم في المعرض هو أن لوحات عبد الله إدريس تحمل صفة البدائية والفن المتحرر من القيود وتعقيدات العصر، بالإضافة إلى المدلولات التي ترمز إليها تلك الرسوم من إيماءات تنبض بالقلق وتقترب من الإشارة، وتتقاطع مع الفن البدائي الأكثر صدقا مع الحياة، إنه تلخيص للمورث البصري بصورة مجردة.

الفنان باسم الشرقي قال إن رسوم الكهوف هي مصدر الإلهام الفني الذي صاغ به إدريس لوحاته التشكيلية التي تميزت برمزية الجمل العربي وتبسيطه بشكل مثلث، مع مراعاة قوانين اللعبة التقنية التي عرف بها، ولعل توظيف الخرائط الورقية على سطح اللوحة تظهر لنا معالم المدينة كأحافير مرتبطة بالذاكرة الجمالية.