الفنانة السعودية بوعلي في معرضها «بين روحين» تجسد العلاقات بين الناس والمجتمع

استحضرت بلاغة التعبير في الوجوه والملامح

من لوحات زهرة بو علي .. «نساء في قاعة الموسيقى» .. و«حالة خوف» .. و«حالة تأمل»
TT

عن فن البورتريه يقول الفنان الأردني محمد العامري: «حين يعتلي الوجه قمة الجسد يعني أن له الأهمية الكبرى في تسيد المشهد، نحن نعرف الأشخاص من أشكال وجوههم، ونصفهم من هذه الملامح، الوجه خزان الحواس فهو القناع المتبدل في المواقف والعواطف والسرور والغضب، يقاس جمال الإنسان بمدى جمال الوجه وانسجام مقاطعه، والوجه حالة متبدلة تستجيب لباقي الحواس وهو بمثابة شاشة يتمظهر فيها السرور والغضب والخجل.. وصولا إلى التخفي والتزييف أي تحويل الملامح إلى حالة من التقمص لأبعاد الشخصية الأصلية».

هذه الإشارات الجمالية هي مصدر إلهام أعمال زهرة بوعلي، الفنانة السعودية التي احتفت مؤخرا قاعة «تراث الصحراء» في مدينة الخبر، شرق المملكة، بمجموعة معرضها «بين روحين»، تقول بوعلي إن اسم المعرض ما هو إلا إشارة رمزية إلى العلاقات الإنسانية بين الناس بعضهم ببعض، وبين الناس ومحيطهم، وبين الفنان وما تلتقطه مشاعره في هذا الموضوع.

تكشف زهرة بوعلي أهمية خصائص الوجوه الجمالية التي قدمتها في المعرض التي تتصل بجملة من آثار وأحاسيس إنسانية تتركز في التعبيرات التي لامستها في كثير من الناس الذين يحيطون بها أو من خلال التقائها بهم في المدن التي تسافر إليها والتي تعزز من حالة التوتر التي تحيط بالإنسان المعاصر، فتجد الوجوه مرة مشرئبة وشاخصة الأبصار، ومرة مضطربة كما لو أنها في حالة من الضياع والعزلة والانكسار، ومرة ترتسم عليها مسحة من عناء الحياة والألم وتعبيرات انفعالية مثل الخوف أو الحزن أو الفرح.

تستحضر بوعلي بلاغة التعبير عن هذه الصورة الإنسانية من خلال ما اكتسبته من خبرات تقنية في الرسم والحفر والطباعة والغرافيك، فتجد بعض الوجوه محملة بذاكرة أثيرية بفعل حساسية استخدامها لضربات الفرشاة المتكررة، كما في حالة وجوه بول غوغان المكثفة بطبقات من الألوان المعبرة والمؤثرة والبليغة والحساسية البليغة.

يقول فاروق يوسف، ناقد عراقي، إنها وجوه «بين روحين» لم تقل بوعلي «بين وجهين»، لا لأن الوجوه متعددة فحسب، وهو أمر لا تخطئه العين في كل لوحات المعرض، بل لأن الوجه في كل حالاته هو مرآة، وهو في الوقت نفسه صنيع النظر إليه من خلال المرآة، الرسامة بوعلي تسعد حين يكون الوجه جميلا، ولكن حكمها بجمال الوجه يكون ناقصا ما لم تكن الطرق ممهدة في اتجاه الروح، إنها تنزح بوجوهها في اتجاه المعاني المعبرة، هناك حيث يقيم كل شيء، كل ما نرغب في أن نكونه، سيكون هناك أحد في انتظارنا، ويكون الحب الذي يجمعنا بحقيقتنا الأزلية كائنات تنظر بإشفاق إلى المرآة، تردد «نحن هناك» نكون لمرة واحدة بعدها لا تحق لنا الاستعادة.

قدمت بوعلي في معرضها 63 عملا، من بينها كتاب مصغر يعرض لأول مرة يحتوي على 10 محفورات ونصوص من تأليفها عن موقع أثري رمزي في مدينة الأحساء، مسقط رأسها. كما قدمت معلقات استوحتها من الميديا والصورة التي تفرضها اللحظة الراهنة على الإنسان أينما كان.

أحبت بوعلي الرسم مبكرا وعاشت طفولتها بمدينة الأحساء. حصلت عام 1996 على بكالوريوس الفنون الجميلة من كندا، واهتمت في حياتها الفنية المبكرة برسم الوجوه القريبة منها ومن الذين عاشت بينهم وتركوا أثرا في ذاكرتها الإنسانية والبصرية. شاركت في الكثير من المعارض المحلية والدولية، وقدمت عددا من المحاضرات والإسهامات الصحافية. غلب على معارضها الأخيرة تسمياتها الإنسانية «سفر الحوار» 2003 في جدة، و«منمنمات» 2008 في البحرين.