لم تكن «قمة الشرق الأوسط للعطور» (27 و28 مايو/ أيار في دبي) كالقمم الأخرى، فدراساتها ناعمة، وأحاديث المشاركين فيها لطيفة، ولا يوجد أي حديث يصدع الرؤوس.. لا حروب ولا نزاعات ولا توترات، بل تفوح قاعة القمة في فندق «ريتز كارلتون - مركز دبي المالي العالمي»، بعطر «كليف كريستيان» الذي دخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بوصفه أغلى عطر في العالم. وهذه الزجاجة الكريستالية ذات العنق المصنوع من الماس الأبيض، والتي تحمل اسم «كليف كريستيان إمبيريال ماجيستي رقم 1» وسعرها 200 ألف دولار، معروضة في دبي، وواحدة معروضة في نيويورك وأخرى في لندن، ولم ينتج منها سوى عشر زجاجات، والسبع زجاجات الأخرى تم بيعها كما قالت فيكتوريا كريستيان إلى «الشرق الأوسط»، لكنها لم تذكر أسماء الأشخاص الذين اشتروها. وسط هذه الأجواء، اختتم أصحاب الروائح الزكية قمتهم في دورتها الثانية برعاية الجمعية العربية للعطور على أنغام البيانو ورش القاعة بالعطور.
لقد نجحت «قمة الشرق الأوسط للعطور» في الجمع بين الشركات الدولية والإقليمية الرائدة لتصنيع العطور على اختلاف علاماتها التجارية تحت سقف واحد، وجرت الحوارات تحت مظلة عالمية فسحت المجال واسعا لتبادل الأفكار بين صناع العطور إقليميا وعالميا مع توفر فرصة ذهبية للاطلاع على صناعة العطور في الشرق الأوسط ومدى تطورها.
من جانبه، قال شاهزاد حيدر، رئيس مجلس إدارة «الجمعية العربية للعطور» التي أقامت وأشرفت على هذه القمة: «إن استضافة دبي للقمة الثانية للعطور في الشرق الأوسط يأتي نتيجة مباشرة لحركة القطاع النشيطة من خلال حرص كل العلامات التجارية العالمية في قطاع صناعة العطور على الوجود في أسواق دبي». وأضاف: «تمتلك سوق العطور في الشرق الأوسط إمكانات كبيرة تسهم بشكل فعال في نمو هذا القطاع مع الاهتمام المتزايد من قبل فئة الشباب بالموضة وارتفاع ميول المستهلكين للإنفاق في هذا القطاع؛ حيث بينت دراسة مسحية أن حجم سوق العطور في الشرق الأوسط سيصل إلى 10 مليارات دولار في عام 2015».
وشهدت القمة مشاركة واسعة للمصنعين والموزعين محليا وعالميا، وبحثت قضايا صناعة وتجارة العطور في الشرق الأوسط وآليات تعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا المجال، كما تطرقت إلى سبل مكافحة العطور المقلدة في الإمارات. وقال أحمد بطي أحمد، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة مدير عام جمارك دبي: «تشكل تجارة التجزئة نحو 40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لإمارة دبي»، مشيرا إلى أن متوسط إنفاق الفرد على العطور في دولة الإمارات يصل إلى 380 دولارا سنويا، مؤكدا أن «دولة الإمارات تعد بيئة جاذبة لأي مستثمر في جميع المجالات، وقطاع العطور يعتبر أحد القطاعات الحيوية في الإمارات». وأضاف: «هذا القطاع المتنامي والضخم يستحق منا بذل أقصى الجهود لمكافحة تقليد وغش الماركات العالمية، ودولة الإمارات تأخذ قضية مكافحة التقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية على محمل الجد؛ حيث شرعت قوانين صارمة ضد الشركات المنتهكة لهذه الحقوق».
وشهدت الفعالية هذا العام نقلة نوعية على مستوى المشاركات من خارج الإمارات وداخلها، وتعززت الجهود بين الجمعية العربية للعطور والمؤسسات الحكومية بغية تعزيز مكانة قطاع العطور ومكافحة المنتجات المقلدة. وأكد شاهزاد حيدر: «لقد أحدثت المبادرات التي قامت بها الجمعية العربية للعطور نقلة ملحوظة في تنمية هذا القطاع من خلال التعاون المشترك والمثمر بين الجمعية وأعضائها من مصنعي وموزعي العطور من مختلف أنحاء العالم». كما شهدت القمة جلسة للمحامي سرمد مانتو تحدث فيها عن قوانين الملكية الفكرية ومكافحة البضائع المقلدة، تلتها جلسة عن بيع العطور بالتجزئة تحدث فيها عبد الوهاب الحواج، مدير «شركة الهواج وأبناؤه» بالبحرين، عن سوق العطور المحلية ومنافستها العطور العالمية. ونظمت الجمعية العربية للعطور حلقة نقاش حول ميول المستهلكين شاركت فيها شركتا «أرابيان عود» و«لوريال الشرق الأوسط»، وهما من أوسع شركات العطور انتشارا في الإمارات والخليج.
وقامت شركات عطور محلية وعالمية بشروحات خاصة لمفتشي دائرة التنمية الاقتصادية في دبي لتعريفهم بالفروقات الجوهرية بين العطور الأصلية والمقلدة بهدف تمكينهم من تطبيق القوانين الخاصة بحماية المستهلك. وتطرقوا إلى ازدهار تجارة العطور؛ حيث بلغت قيمة سوق العطور في الشرق الأوسط 3.5 مليار دولار في 2011، واحتلت السعودية المرتبة الأولى كونها أكبر أسواق العطور في منطقة الخليج، وجاءت الإمارات في المرتبة ثانية. وتؤكد التقارير الاقتصادية أن صناعة العطور واحد من أسرع القطاعات نموا في السعودية بسبب الإقبال المتزايد لدى فئة الشباب على اقتناء العطور؛ حيث بلغت تجارة العطور ومواد التجميل ما يزيد على 4.5 مليار ريال سنويا، مما يجعل المملكة من أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط التي تهتم بها كبريات شركات العطور العالمية؛ حيث تتزاحم الشركات الأوروبية والفرنسية على دخول السوق الخليجية؛ إذ وصل حجم تجارة الصادرات وإعادتها إلى هذه الدول ما نسبته نحو 33 في المائة من إجمالي حجم هذه التجارة إلى دول العالم الأخرى.
وأشار المؤتمرون إلى أن العطور توضع ضمن قائمة أعلى 10 بضائع يتم استيرادها إلى المملكة العربية السعودية والخليج عامة. وظهر في هذه السوق عدد من الدول المنافسة لفرنسا في تصدير العطور إلى منطقة الخليج ودبي، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا. وعلى الرغم من أن ما تستورده دولة الإمارات يمثل النسبة الكبرى لاستهلاكها من هذه المواد، فإن الآونة الأخيرة شهدت ظهور أنواع من العطور المصنعة محليا، حيث تمتلك الإمارات عدة مصانع تنتج العطور محليا، مثل مصنع «أجمل» و«الرصاصي» وغيرهما.
ولم تركز قمة الشرق الأوسط للعطور على قيمة السوق الخليجية في استهلاك العطور فقط؛ بل تطرقت إلى الجوانب الاستراتيجية في هذه التجارة المهمة من خلال تصريحات كبار المشاركين في هذه القمة أمثال أحمد بطي أحمد الذي ركز على مكانة القمة وأهميتها، كونها تمثل منصة عالمية لمصنعي وموزعي العطور لمناقشة القضايا المتعلقة بهذه الصناعة ووضع استراتيجيات حول كيفية الاستفادة من الإمكانات الكبيرة لهذه السوق في الشرق الأوسط. وأشار شاهزاد حيدر، رئيس الجمعية العربية للعطور إلى أن «مشاركة (جمارك دبي) تشكل إسهاما كبيرا في تعزيز مكانة هذه القمة على المستويين المحلي والعالمي». وثمن الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات الحكومية الإماراتية في تنظيم صناعة العطور وتوزيعها. وأكد على أهمية تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص من أجل مكافحة العطور المقلدة ووضع قانون اتحادي لتطبيقه ضمن هذا الإطار.
وأكد محمد الفهيم، الرئيس التنفيذي لمجموعة «باريس غاليري» في الإمارات لدى افتتاحه أولى جلسات القمة على أهمية هذه السوق المتنامية في الإمارات. تبع ذلك جلسة عن فن صناعة العطور وإنشاء العلامة التجارية، تحدثت فيها فيكتوريا كريستيان، مالكة شركة «كليف كريستيان» الشهيرة بالمملكة المتحدة. وتطرقت إلى أهمية عطورها وذكرت لائحة محبي هذا العطر؛ ومنهم المغني البريطاني السير ألتون جون، الذي استخدمه لتعطير حديقة قصره في إحدى المناسبات الراقية، وكذلك مشاركتها في مناسبة فريدة مثل الاحتفالات باليوبيل الفضي لتولي الملكة إليزابيث عرش بريطانيا، وحفل زفاف الأمير ويليام وزوجته كاثرين ميدليتون. ونوهت بأن زجاجات العطر التي ظهرت في فيلم «تايتانيك» في الأدراج كانت من صناعة «كليف كريستيان». وأكدت فيكتوريا كريستيان على أن عطور شركتها تحقق انتشارا واسعا في بلدان الخليج، رغم ارتفاع أسعارها، وأشادت بالعطور العربية، خاصة عطر العود التقليدي الإماراتي. وبعد انتهاء المحاضرة، نزلت من المنصة، وبدأت في رش أغلى عطر في القاعة. كما كشف المهندس محمد صالح بدري، مدير عام هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، النقاب عن الاستراتيجية التفصيلية والمبادئ التوجيهية والجداول الزمنية لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها مؤخرا بين هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس والجمعية العربية للعطور. وقد قامت الجمعية العربية للعطور وبدعم من أعضائها، لا سيما «باريس غاليري»، مؤخرا بتوقيع عقد مع شركة «نيلسين ريسيرش» لإطلاق دراسة لسوق العطور محليا وعالميا، وبموجب هذا العقد، تم تعيين هذه الشركة لإجراء البحث وتوفير البيانات الموثوقة بشأن سوق العطور جميعها بما فيها الماركات الإقليمية والعالمية في الشرق الأوسط. و«الهدف من وراء ذلك هو ترسيخ مكانة دولة الإمارات بوصفها منصة عالمية لصناعة العطور وتوزيعها، وتقديم معلومات مهمة للمصنعين والموزعين المحليين والعالميين، وتسهيل عملية الاستثمار للمستثمرين الجدد».
من جهته، ناقش روجا دوف من شركة «روجا دوف» للعطور بالمملكة المتحدة تطور سوق التجزئة، فيما تحدث عبد الوهاب الحواج، مدير «شركة الهواج وأبناؤه» بالبحرين، عن سبل تعزيز تجارة وصناعة العطور في الشرق الأوسط. وتحدث المهندس محمد صالح بدري، مدير عام هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس، عن آليات تنظيم سوق العطور ومستحضرات التجميل في الإمارات، مؤكدا أن «الهيئة ستعمل على تشكيل لجنة وطنية متخصصة خلال النصف الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لوضع مواصفات اتحادية منظمة يتم العمل بها للرقابة والإشراف على قطاع العطور، مشيرا إلى أن اللجنة ستضم ممثلين من جهات رقابية محلية، فضلا عن جهات تصنيعية وتجارية محلية لوضع المواصفات المناسبة. وقام غرانت أوسبورن، الحاصل على جائزة التدوين عبر الإنترنت لمدة عشر سنوات، من المملكة المتحدة، بتقديم عرض تمهيدي من خلال بث مباشر من لندن تحدث فيه عن البيع بالتجزئة عبر الإنترنت.
وتعتبر «قمة الشرق الأوسط للعطور 2012» منصة عالمية لمصنعي وموزعي العطور لمناقشة القضايا المتعلقة بهذه الصناعة ووضع استراتيجيات حول كيفية الاستفادة من الإمكانات الكبيرة لسوق العطور في الشرق الأوسط.