الهند مركز عالمي للمسلمين الذين يعانون من العقم

بسبب مرونة القوانين وعدم ارتفاع تكلفة التخصيب

تستقبل الهند العشرات من الأزواج المسلمين الساعين إلى الإنجاب
TT

توجه آية الله عزيزي مع زوجته إلى العاصمة الهندية دلهي أملا في أن يرزقهما الله بطفل. إنها ليست زيارة بغرض ديني، بل لغرض طبي، حيث يزوران عيادة الدكتورة أرشانا دهاوان باجاج، خبيرة أطفال الأنابيب. وتعد هذه الطبيبة من أكبر مانحي السعادة في دلهي للأزواج المصابين بالعقم في أفغانستان. ويفد إلى عيادتها «نرتشر» نحو خمسين زوجا من أفغانستان شهريا.

تخيل قدوم سيدة أفغانية إلى الهند من أجل حمل وإنجاب طفل على أراض باكستانية. ألا يبدو هذا كـ«مثلث حب» من المستحيل أن نفكر فيه من ناحية دبلوماسية؟ قدمت دكتورة باجاج هذه الدبلوماسية على طبق مختبر. هذا الطبق هو الأساسي في مختبر تخصيب أطفال الأنابيب حيث تمتزج البويضة بالحيوان المنوي ليُنتج طفل في النهاية. وزار الزوجان الأفغانيان الشابان صوفيا (25 عاما) وحميد (35 عاما) «نرتشر» العام الماضي. لم يكن الزوج قادرا على إنتاج حيوانات منوية إطلاقا، لكن بفضل تقنية الحمل الاصطناعي تمكنت صوفيا من إنجاب طفل صبي في باكستان بداية العام الحالي. وعلى الرغم من أن الهند أصبحت واحدة من أشهر الأماكن التي يقصدها الأزواج المصابون بالعقم من مختلف أنحاء العالم مثل أستراليا وسنغافورة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان ودول أخرى، فإنه زاد مؤخرا عدد الأزواج المقبلين من الدول الإسلامية. وتقول باجاج: «كانت أولى الحالات التي توليت علاجها من أفغانستان عام 2006. ويأتي أزواج من باكستان، لكن ليس بمثل عدد المقبلين من أفغانستان». ويأتي الكثير من المرضى من العراق وإيران أيضا، على حد قول دهاوان باجاج.

ويُنظر إلى العقم في كثير من المجتمعات الإسلامية باعتباره نقمة. ونظرا لعدم انتشار العيادات التي تعتمد تقنية التلقيح الصناعي في تلك البلدان، يفد أناس من مختلف الطبقات من عمال في متاجر ومعلمين ورجال أعمال وعمال بالأجر على تلك العيادات التي تصل إلى نحو 500 في دلهي ومومباي وأحمد آباد وتشيناي وبانغالور وحيدر آباد وأماكن أخرى. وتقول كابيري بانيرجي، الذي تفحص 100 مريض تقريبا من الدول الإسلامية، إن أسباب العقم لديهم تتشابه سواء كانوا أثرياء أم فقراء. وتوضح قائلة: «عقم الرجال هو الأكثر شيوعا، حيث تبلغ نسبته نحو 60 في المائة. وعادة ما تصاب السيدات بالدرن في العضو التناسلي».

وقال طبيب تازين البالغة من العمر 34 عاما في عمان لها منذ بضعة أشهر إن علاج العقم هو الوحيد الذي سيساعدها على الحمل وكانت تعاني كثيرا. وتساءلت تانزين المسلمة المتدينة عما إذا كان الإسلام يسمح بهذا التدخل، وبعد مناقشات ذهبت إلى مستشفى الأمير علي خان في مومباي. وتعد عيادة علاج العقم المتقدم هي المؤسسة الإسلامية الوحيدة في الهند التي تقدم علاجا للعقم من خلال التخصيب في أنبوب عبر الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية التي وضعتها لجنة الأخلاق في المستشفى. ويقول سلطان برادهان، رئيس هيئة آغا خان للصحة: «نحن نضمن عدم مخالفة علاج العقم للشريعة الإسلامية»، مضيفا أن هناك طلبا كبيرا من قبل المسلمين على تلك الخدمات.

ويتم تلقيح طفلين من أسر مسلمة في المستشفى كل شهر. ولا يعد علاج العقم بالتخصيب في أنبوب غير إسلامي طالما تولت طبيبة القيام بالإجراءات وكانت البويضة والحيوان المنوي لزوجين دون تدخل أي متبرع. ويقول غاوتام الله باديا، الخبير في مجال العقم: «نحتاج في عملية التخصيب في الأنبوب إلى بويضة ورحم الزوجة وحيوان منوي من الزوج. ولا نوافق على إجراء هذه العملية إلا في حالة عدم قدرة الزوج على إنتاج حيوانات منوية على الإطلاق، حتى وإن كان راغبا في ذلك. لأن هذا حرام بحسب الدين الإسلامي على الرغم من أنه قانوني في الهند».

على الرغم من أنه في تلك الحالة هناك خيار هو التبرع بحيوان منوي لرجل آخر، يحرم الإسلام ذلك.

تعد كل أشكال التبرع من طرف ثالث في أكثر الدول الإسلامية حرام، بحسب تعاليم الإسلام وأخلاقياته باستثناء إيران، حيث من المباح نقل حيوان منوي من زوجان إلى زوجين آخرين. ويسمح القانون الإيراني بالتبرع بالبويضة شريطة أن يتزوج الزوج من المتبرعة بالبويضة بشكل مؤقت. بهذه الطريقة يجمع بين الأطراف الثلاثة المشاركين في العملية رباط الزواج. على الجانب الآخر، يمنع القانون التبرع المباشر بالحيوان المنوي، حيث لا يمكن للمتبرع الزواج بالسيدة، لأنها متزوجة بالفعل من رجل مصاب بالعقم. ويقول راشمي شارما، خبير الخصوبة، إن المرضى المقبلين من الدول الإسلامية يبدون أكثر رغبة وإصرارا على الإنجاب. ويقول شارما: «لقد رأيت رجلا يدخل علي مع زوجاته الأربع لكن من دون أي أطفال. فالخيار الأول إذا لم تحمل الزوجة الأولى هو أن يتزوج عليها أخرى من دون التأكد من عدم كونه سبب عدم الإنجاب. بعد ذلك بدأت التحدث بالعربية قليلا لتهدئة المرضى المقبلين من دول الشرق الأوسط». ربما لم يكن ليزور «الأطفال بلا حدود»، الذين عادة ما يولدون في بلاد آبائهم، الهند، لولا آبائهم. وتظل الهند المكان الذي يجاب فيه الدعاء.

ما سبب وراء كون الهند الطعم المميز لسياحة الخصوبة؟ يزدهر هذا المجال في الهند بسبب عدم ارتفاع تكلفة العملية ومرونة القوانين على عكس الحال في الدول النامية. كذلك يمكن زراعة عدد غير محدد من الأجنة داخل رحم المرأة، بينما لا يُسمح بهذا في المملكة المتحدة، على سبيل المثال. ويحب الباحثون عن الإنجاب الهند لأن الأطباء هنا قادرون على التحدث معهم بالإنجليزية وتهدئة مخاوفهم وتبديد شكوكهم إلى جانب تمتعهم بمهارات أخرى. والأهم من ذلك هو توافر الكثير من الخدمات في الهند مثل التلقيح الاصطناعي بحيوان منوي من زوج أو متبرع والتخصيب في أنبوب ونقل الأجنة ونقل الأجنة داخل قناة فالوب والتبرع ببويضة وعلاج الأجنة وحقن الحيوان المنوي والتشخيص بالمنظار، وكذلك إمكانية الاستعانة بأمهات بديلات. وتعد الهند، التي يبلغ تعداد سكانها 160 مليون مسلم، المقصد المفضل للباحثين عن متبرعين ببويضات أو حيوانات منوية مع وجود مسلمين سنة وشيعة. مع ذلك ليس العلاج رخيصا جدا، حيث يتراوح سعر التخصيب في أنبوب بين 150 و200 ألف روبية ولا يشمل السعر الإقامة والطعام والخدمات الأخرى. وتستغرق دورة عملية التخصيب في أنبوب سبعة أشهر، وهي المدة اللازمة لمعرفة ما إذا تمت زراعة الجنين بنجاح داخل رحم الأم. ويحتاج الكثير من الأزواج في بعض الأحيان لأكثر من دورة.

قضى أحمد سريد (34 عاما)، الذي حملت زوجته نوري بعد دورتين، سبعة أشهر ونصف الشهر في الهند. وأنفقا أكثر من ألفي روبية يوميا في إيجار الشقة، حيث يقيمان في حي لاجبات ناغار ذي الأغلبية الأفغانية في العاصمة. مع ذلك لا تعد الهند الدول الأكثر توفيرا للمال من دول أخرى كثيرة. مع ذلك لا يمثل المال بالنسبة إلى هديل من المملكة العربية السعودية عائقا، حيث يعمل زوجها في وزارة الخارجية، وذهبا إلى الهند من دون وجود أي عوائق دينية أو اجتماعية، وأنعم الله عليهما بتوأم العام الماضي في عيادة الدكتور أنوب غوبتا للخصوبة.