مزاد في باريس للوحات من عيون الفن الاستشراقي

ماجوريل ترك عطره في مراكش وإيتيان صار ناصر الدين وعانق الجزائر

«سوق مراكش» لجاك ماجوريل
TT

تتطلع أعين المهتمين بالفن الاستشراقي إلى مزاد علني يقام في باريس على مجموعة مهمة من اللوحات التي رسمها فنانون أجانب زاروا الشرق وتأثروا بألوانه وأجوائه. وتشرف شركة «آركوريال» على تنظيم المزاد الذي سيجري في قصرها التاريخي البديع المطل على مستديرة «الشانزليزيه»، مساء الخامس من يونيو (حزيران).

وكان قسم الفنون الاستشراقية في «آركوريال» قد حقق 10 أرقام قياسية في المزادات على اللوحات خلال السنوات الماضية، نصفها تحقق في 2011، بفضل بيع أعمال لماجوريل ولوغران ودورمر وروبتزوف. وحسب مصادر المشتغلين في تجارة الأعمال الفنية فإن هناك طلبا متزايدا على لوحات الاستشراقيين من أمثال الفنانين هيريرا ودينيه وبريست ومانتيل وزييم. والقسم رأى النور قبل 4 سنوات فحسب، على يد الخبير فرانسوا تاجان، وبإدارة أوليفييه بيرمان أخذ مكانه بسرعة في صدارة الهيئات العالمية المماثلة المتخصصة في تداول الفنون الشرقية. وفي العام الماضي وحده باع أعمالا بمبلغ وصل إلى 5 ملايين يورو.

ووصفت الصحافة المزاد المقبل بأنه «حلم جامعي الأعمال الفنية»، ذلك أنه يحتوي على 10 لوحات لجاك ماجوريل (1886 - 1962)، الفنان الفرنسي الذي ارتبط اسمه بمدينة مراكش المغربية التي أقام فيها ردحا من الزمن وترك فيها حديقة أخاذة ما زالت تحمل اسمه. وهناك لوحات لفنانين آخرين مهمين مثل ألفونس إيتيان دينيه (1861 - 1929) الذي عاش في الجزائر واعتنق الإسلام واختار أن يسمى ناصر الدين. وقد قدرت اللوحات الخمسون المطروحة للبيع بمبلغ يتراوح بين 3 و4 ملايين يورو.

بمناسبة المزاد الذي جاءت معروضاته من عدة مجموعات خاصة، صدر دليلان مصوران، الأول بعنوان «ماجوريل ومعاصروه»، وهو مؤلف ترافق مع معرض بالاسم نفسه كان قد جرى تنظيمه في مراكش، مؤخرا. والدليل الثاني بعنوان «أنوار الشرق». فمن الملامح التي لا تخطئها العين عند تأمل أعمال الفنانين الاستشراقيين هو تلك الشمس التي تبدو وكأن أشعتها تفيض من اللوحات.

كتب الفنان مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف في المغرب، مقدمة الدليل الخاص بالقسم الأول من المزاد والمخصص لماجوريل ومعاصريه. أما تقديم الأعمال فقام به فليكس مارسيلاك. ونقرأ فيه أن أسعار لوحات هذا الفنان قد تصاعدت بشكل مثير بحيث بيعت لوحة له في مزاد عالمي نظمته «آركوريال» الصيف الماضي، بأكثر من مليون و300 ألف يورو، محققة رقما قياسيا في بورصة أعماله. أما لوحاته العشر التي من المنتظر أن تباع في مزاد الأسبوع المقبل فتتراوح أثمانها بين 20 ألفا و250 ألف يورو، كتقديرات أولية. وهي تعكس كل التقنيات التي استخدمها الفنان حسب موضوع كل لوحة، ومن خلال أنواع مختلفة من الأصباغ التي أدخل عليها الذهب أحيانا. وتقدم لوحات ماجوريل جوانب من الحياة الشعبية في المغرب، مثل البلدة القديمة في مراكش وسوقها ووادي أونيلا في الأطلس الكبير، وكذلك مشاهد من جولات في مناطق أخرى زارها من أفريقيا. وتبلغ أبعاد لوحة «سوق مراكش» 81 سنتيمترا في 104 سنتيمترات، وقد أنجزها عام 1941 ووقع باسمه في أسفلها مع ذكر اسم المدينة. ويأمل منظمو المعرض أن تحقق اللوحة 350 ألف يورو على الأقل. وهي تعود لمجموعة فرنسية خاصة ورثها صاحبها عن والديه اللذين كانا قد اقتنياها في المغرب، أواسط القرن الماضي.

أما القسم الثاني من المزاد «أنوار الشرق»، فقد كتب سيرج لوموان مقدمة الدليل الخاص به. ولوموان هو الرئيس السابق لمتحف «أورساي» للفنون الحديثة في باريس، ويعمل حاليا مستشارا ثقافيا وعلميا لدى «آركوريال» وشركائها. ويعرف المتابعون لأحوال السوق الفنية أن الفنون الشرقية تشهد فورة في الطلبات والإقبال على الشراء في العقود الأخيرة، ولا سيما تلك اللوحات التي أنجزها الاستشراقيون أثناء زياراتهم للجزائر. وتأتي ضمن القسم الثاني 6 لوحات من مقتنيات زوجين من كبار هواة اقتناء هذا النوع من اللوحات التي تصور الجزائر، منها أعمال لبومبارد وواشنطن وجيرارديه. وتتراوح تقديراتها بين 20 ألفا و220 ألف يورو.

ومن نقاط الجذب الأخرى للمزاد وجود ناصر الدين دينيه ضمن معروضاته، وهو الفنان الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، كما أسلفنا، عام 1913 وأقام في الجزائر وتجنس بجنسيتها. وما زالت أعماله هناك تعتبر ثروة وطنية وتحفظ باحتراس في المتاحف. وتمثله هنا لوحتان، الأولى بعنوان «عبور الوادي» وتتراوح تقديراتها بين 300 ألف و400 ألف يورو، والثانية بعنوان «ليل بنجوم»، وتقديراتها أقل من الأولى بقليل. وهناك لوحتان، أيضا، للفنان النمساوي رودلف إرنست (1853 - 1930) تمثلان الأجواء الحميمية للبيوت ذات الطابع العثماني والشرقي عموما.

لم يكن كل المستشرقين في الفن من الرجال. بل يقدم المزاد لوحة نادرة لفنانة تدعى مارسيل أكين، ولدت في الجزائر عام 1882 وشاركت في المعرض الكوني عام 1937. ويدعونا دليل المعرض إلى اكتشاف هذه الرسامة والتمتع بفنها، فهي لم تترك سوى أعمال قلائل، منها لوحتها «عابرات» التي أنجزتها عام 1935 وتعتبر قمة إبداعها. وقد قدر لهذه اللوحة سعر يصل إلى 150 ألف يورو. وإلى جانب مارسيل يقدم المزاد منحوتة من البرونز لفنانة ثانية هي أنا كنكان، ومنحوتة لجوزيه كروز هيريرا.

ومن الفنانين الذين تشهد أعمالهم ارتفاعا في بورصة الفن، الرسام الفرنسي إدي لوغران الذي عاش في المغرب واستلهم أجواءه، على غرار زملائه الاستشراقيين الذين خطفت الشمس الباهرة أنظارهم وسحرتهم مشاهد الصحراء والبوادي والأسواق الشعبية المكتظة، مثلما حركت النساء السمراوات المتخفيات وراء الجدران خيالاتهم. ويقدم المزاد 3 لوحات لهذا للوغران، يتراوح سعر كل منها بين 100 ألف و150 ألف يورو.