شادية حبيبة القلوب.. الناس رددت لها «خُد بإيدي» حتى عادت بالسلامة

مشروع مسلسل لتقديم قصة حياتها مطروح أمام شركات الإنتاج.. ودنيا سمير غانم مرشحة للدور

TT

تعلقت قلوب الجماهير بالفنانة الكبيرة شادية عندما ألمت بها أزمة صحية حادة، وعادت شادية مؤخرا إلى منزلها واطمأنت قلوب الناس في الوطن العربي على الفنانة الكبيرة، ولم تصرح شادية بشيء بعد تخطيها هذه المحنة الصحية ولكن عن طريق عدد من أصدقائها وأقاربها وجهت شكرها إلى الجماهير.

تفضل شادية دائما الهدوء وتبتعد عامدة عن أجهزة الإعلام، وليس هذا الأمر مرتبطا فقط بقرار الاعتزال الذي اتخذته قبل أكثر من ربع قرن، حيث إن شادية بطبعها عزوفة عن أجهزة الإعلام ولن تجد في أرشيفها المقروء والمسموع والمرئي إلا القليل جدا.

وعندما اعتزلت كانت حريصة على أن لا تتورط مثل عدد من الفنانات اللاتي أعلنّ أن الفن الحرام وتبرأن من أعمالهن الفنية.

آخر مرة استمع فيها الناس إلى صوت شادية أثناء ثورة اللوتس المصرية، حيث إن إحدى القنوات استغلت مشاعر شادية كأم، بل وجدة، حتى لو لم تعِش تلك المشاعر في الواقع لأنها لم تنجب، إلا أنه قد تم استغلالها لتوجه نداء للشباب للعودة إلى بيوتهم. والحقيقة هي أن هناك من أراد استخدام شعبية شادية عند الناس لتحقيق مكاسب سياسية، فهي لم تكن يوما صوتا للنظام، كما أنها لم يكن لها أي مصلحة في الدفاع عن مبارك، ولكن فقط شادية أرادت أن توقف نزيف الدماء في ميدان التحرير فتصورت أن عودة الشباب إلى بيوتهم هو الحل.

كانت شادية ومن خلال أغنية «يا حبيبتي يا مصر» هي صوت الثورة المصرية، حيث ردد الشباب أغنية شادية وظلت تردد في كل الميادين التي اشتعلت فيها الثورة.. الحقيقة أن شادية استطاعت أن تجمع بين الكثير من الأنماط والألوان الغنائية، وحققت نجاحا لافتا في كل الأعمال التي قدمتها مطربة تقدم أغاني خفيفة مثل «يا دبلة الخطوبة»، أو وهي تغني أغنية مليئة بالشجن مثل «ليالي العمر معدودة»، أو وهي تغني «يا حبيبتي يا مصر» أو «يا أم الصابرين» أو «عبرنا الهزيمة»، ثم تغني قبل الاعتزال الأغنية الدينية «خُد بإيدي».. دائما هي حاضرة في كل مناسبة عاطفية أو وطنية أو دينية.

هي المطربة التي شاركت الكثير من كبار المطربين في أفلامهم: محمد فوزي، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، كمال حسني. والحقيقة أن صباح أيضا كانت مثل شادية حيث شاهدناها مع فوزي وفريد وعبد الحليم، وإن كانت شادية هي المطربة الوحيدة التي قدمت ثلاثة أفلام مع عبد الحليم، بل عندما قدمت معه أول أفلامه «لحن الوفاء» كان اسمها معروفا أكثر منه لأنها سبقته فنيا، ورغم ذلك تحمست للفيلم ومشاركته البطولة وغنت معه أكثر من دويتو غنائي، أشهرها «لحن الوفاء» تلحين رياض السنباطي، وفي آخر لقاء لها مع عبد الحليم حافظ في فيلم «معبودة الجماهير» تأليف مصطفى أمين الذي كان متزوجا بها، والغريب أن البعض أوعز لعبد الحليم معاتبا كيف يقبل أن يقدم فيلما عنوانه «معبودة الجماهير» في حين أنه الأحق بهذا اللقب، ولهذا استغرق تصوير الفيلم شهورا كثيرة لأن عبد الحليم لم يكن راضيا عن العنوان.

شادية حرصت على أن تظل على القمة طوال مشوارها، وكانت دائما تقول إن الفنان ينبغي أن يختار موعد الاعتزال، قبل أن تودعه الأضواء يودع هو الأضواء. وتزوجت من اثنين من كبار النجوم عماد حمدي وصلاح ذو الفقار، وقدمت الكثير من الأعمال التي دخلت ذاكرة الناس، ومن بينها «أغلى من حياتي» حيث شاركت صلاح ذو الفقار البطولة وقدما دوري «أحمد» و«منى»، وانتقل هذان الاسمان من الشاشة إلى الشارع ودائما ما يردد الناس في الشارع تعبير «أحمد ومنى» على العمل الفني الذي يقدم علاقات رومانسية بين حبيبين.

طموح الممثلة شادية لم يعرف حدودا.. كل المطربين والمطربات الذين سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات، ولكن شادية في الكثير من الأفلام استطاعت أن تحطم هذا القيد، وهكذا شاهدناها في فيلم «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ تمثل فقط، وهو ما دفع عبد الحليم بعدها بأكثر من 14 عاما إلى أن يطلب من كمال الشيخ أن يعد له فيلما يمثل فيه دون غناء، ولكن رحل عبد الحليم عام 1977 قبل أن يحقق تلك الأمنية.

مع الفنان الكبير كمال الشناوي قدمت 33 فيلما مثل «المرأة المجهولة»، و«وداع في الفجر»، و«الروح والجسد»، وأهم تجربة جاءت في «المرأة المجهولة» عندما أدت دور أم لشكري سرحان.. وقال لي الفنان الراحل كمال الشناوي إنه ظل حتى سنواته الأخيرة يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، لأنهم صدقوا ما تقدمه الشاشة. والغريب أن كمال كان قد تزوج من شقيقة شادية.

وكان كمال قد أعد مشروعا يجمعه مجددا مع شادية وكتب معالجة درامية لعمل فني يبدأ مع نهاية أي عمل فني قديم لهما أبيض وأسود عند زواجهما ثم يكتب على الشاشة مر 25 عاما، ليقدم جزءا ثانيا من الأحداث، وتحمست شادية للفكرة، ولكن جاء قرار اعتزالها بعد مسرحية «ريا وسكينة» التي حققت نجاحا ساحقا لتجهض المشروع، حيث رفض كمال الشناوي أن يستبدل شادية بأي فنانة أخرى، وقال لي: «الناس كانوا يصدقوننا معا، ولا يمكن أن يقتنعوا بأي فنان آخر».

وابتعدت شادية عن الفن ولكنها لم تجرمه أو تحرمه مثل الكثير من الفنانات اللاتي أعلنّ ذلك، وأتذكر عام 1995 أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قرر تكريم شادية، ووافقت بعد أن اتصل بها الراحل سعد الدين وهبة رئيس المهرجان، وكان وهبة قد شارك في كتابة الكثير من السيناريوهات التي لعبت بطولتها شادية مثل «زقاق المدق» و«مراتي مدير عام». وأبدت شادية موافقة مبدئية ولكن في اللحظات الأخيرة تراجعت وتردد وقتها أن الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان قريبا لها هو الذي أقنعها بعدم الذهاب إلى حفل التكريم، ووجه إليها وهبة نداء صباح يوم افتتاح المهرجان لتكريمها يطلب منها الحضور ولكنها لم تستجب، وأخذت درع التكريم نيابة عنها مديحة يسري.. ولم تعقب شادية أو تبرر أو تفسر حتى الآن سر اعتذارها المفاجئ وآثرت الصمت.. ولكنها خرجت عن صمتها قبل ثلاث سنوات عندما وجدت أن هناك شركة إنتاج تسعى لتقديم قصة حياتها في عمل فني، ولم توافق شادية. وكنت أعرف مقدما أن شادية ترفض أن تقدم حياتها في مسلسل تلفزيوني.

مشروع إنتاج مسلسل عن حياة شادية مطروح بقوة في عدد من شركات الإنتاج.. المسلسل كتبه ماهر زهدي ويخرجه سامح الشوادي ورشحت للبطولة دنيا سمير غانم.. شادية تحجبت ثم اعتزلت في هدوء ولم تطالب مثلا مثلما فعلت شمس البارودي بحرق بعض أفلامها أو تنكرت لأي مشاهد عاطفية قدمتها.. أكثر من ذلك شادية من الممكن لو أعجبها أداء ممثل أو ممثلة أن تتصل به لتهنئه، وكثيرا ما صرح أكثر من نجم ونجمة عن سعادته بأنه قد تلقى مكالمة تليفونية من شادية.. حتى الآن لم ينقطع تواصل شادية بالحياة الفنية، ورغم ذلك فإنها تعتذر عن حضور أي حفلات لتكريمها ووجودها اجتماعيا صار نادرا.. وهذا بالتأكيد من حقها.

هل تقدم حياة شادية وهي رافضة أن ترى حياتها على الشاشة؟! لا أتصور أننا من الممكن أن نسعد بذلك، كما أنني لا أعتقد أيضا أن فنانة شابة مثل دنيا سمير غانم من الممكن أن تتحمس لأداء دور شادية دون أن تحصل على موافقتها. أكثر من ذلك فإن المنطق يقضي بأن تلتقي مع شادية لتسألها الكثير من تفاصيل حياتها لو صح أن شادية ترحب بذلك، مع يقيني بأن شادية لا تتحمس لمثل هذا العمل الدرامي.

الفنان عادة لا يرحب بأن يرى من يجسد شخصيته على الشاشة وهو على قيد الحياة.. على المستوى العالمي أيضا أغلب النجمات لا يفضلن ذلك، بريجيت باردو وإليزابيث تيلور رفضتا مؤخرا أن تقدم حياتهما في فيلم سينمائي، وبالطبع لا يوجد ما تخشاه كل منهما لأن حياتهما مؤرخة في الكثير من الكتب والمراجع الفنية، ولكن كل منهما ترى أن حياتها تخصها وحدها وأنه لا توجد ممثلة تستطيع أن تقنع الجمهور بأدائها لشخصيتها في مراحل عمرها المختلفة.

قد نسأل: ولماذا وافقت مؤخرا صباح على تقديم مسلسل باسم «الشحرورة»؟ صباح على استعداد أن تروي حياتها لمن يريد وتقول كل التفاصيل، بل إنها عادة تقول أكثر مما هو مطلوب ومما تسمح به أيضا الرقابة التلفزيونية، وفي النهاية هذه هي قناعة صباح وليس من حقنا أن نراجعها.. الأمر مختلف تماما مع شادية، فهي قد اختارت الحياة الهادئة.

شادية من حقها علينا أن نستأذنها أولا قبل أن نشرع في تقديم حياتها ولا نعتبر سكوتها كما يحاول أن يشيع البعض هو علامة الرضا.. طوال تاريخ شادية الفني وحتى الآن كلما استعدنا أغانيها أو أفلامها لم تتوقف عن منحنا نسمات السعادة.. فلماذا نجرح النسمة؟

أستطيع أن أدرك أن فنانة تملك كل هذه الرقة عندما قررت الابتعاد فإن من حقها علينا أن نحافظ على مشاعرها وأن لا نجرحها.. خرجت شادية عن صمتها الدائم وقالت لا أريد لأحد أن يقدم قصة حياتي، وتوقف تماما هذا المشروع.

شادية تبدو أمام الكاميرا ممثلة وكأنها نغمة مرئية، وعندما تغني تحيل كل الأحاسيس المرئية إلى تفاصيل مسموعة.. تعلقت بها قلوب الملايين وهي في لحظات مرضية قاسية وقاومت المرض وعادت تحوطها قلوب الناس التي دعت لها ورددت معها «خُد بإيدي».