خطوات واعدة نحو تحقيق مفهوم «شعاع الضوء الجرار» لسحب الأشياء

يفيد في الدراسات البيولوجية وإنقاذ رواد الفضاء

الشعاع الجرار
TT

الضوء من بين الموضوعات الفيزيائية المهمة، التي حظيت باهتمام العديد من العلماء قديما، وكان سببا في حدوث بعض الجدال والخلافات فيما بينهم. وللضوء العديد من الخصائص، فقد أشار عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك إلى أن للضوء خاصيتين هما الخاصية الموجية والجسيمية. وأشار عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين إلى أن انعكاس وانكسار وحيود (انحراف) الضوء، هي مظاهر للخاصية الموجية للضوء، والخاصية الجسيمية للضوء تتمثل في انبعاث الضوء على شكل كميات أو دفعات من جسيمات أولية صغيرة أطلق عليها اسم «الفوتونات».

وبناءً على هذه الأعمال الرائدة التي قام بها كل من بلانك وأينشتاين، منذ أكثر من مائة سنة مضت، فإن الضوء يحمل حزمة من الجسيمات تعمل كقوة دافعة تستخدم لدفع الأشياء بعيدا، كما أن مدى الشدة في أشعة الليزر يستخدم أيضا كوسيلة لدفع الأشياء، وقد استخدم ذلك بالفعل في نقل الخلايا في تطبيقات التكنولوجيا الحيوية (بيوتكنولوجي).

ولكن، في العصر الحديث، بدأ العلماء في التحقق من إمكانية سحب الأشياء نحو الضوء، ضمن ما يسمى بـ«شعاع الضوء الجرار» (Tractor Beam)، وهو مفهوم شهير في الخيال العلمي، وعلى ما يبدو يعد انتهاكا لقوانين الفيزياء، وبالطبع مثل هذا الشعاع الضوئي لم يتحقق بعد في العالم الحقيقي.

ولكن، خلال شهر مايو (أيار) الحالي، أعلن فريق بحثي من «معهد تخزين البيانات» التابع لوكالة العلوم والتكنولوجيا والبحث في سنغافورة، أن فكرة مفهوم «شعاع الضوء الجرار» الذي يمكنه سحب الأشياء تجاهه، من الممكن حدوثها، ولم تعد تدخل ضمن الخيال العلمي، كما في المسلسل التلفزيوني الأميركي الشهير «رحلة النجوم - ستار تريك» (Star Trek)، الذي كان أول ظهور له عام 1966، والمتضمن العبارة الشهيرة الشائعة بين ملايين المعجبين بهذا المسلسل وهي «ارفعني بحزمة الضوء إلى أعلى يا سكوتي» (beam me up scotty)، كما يعتقد غالبية المشاهدين لهذا المسلسل أنه على الرغم من أن محرك سفينة النجوم الخيالية «إنتربرايز» (Enterprise) أمر خيالي، فإنه من الممكن في نهاية المطاف أن يتم صنع هذه الوسيلة من وسائل النقل، التي تستخدم قوة دفع تسمح للمركبة الفضائية بالسير في الفضاء بسرعة تفوق سرعة الضوء، لتنتقل لحظيا إلى الموضع المقصود في الفضاء الكوني.

فقد أثبت الفريق البحثي كيف يمكن لـ«شعاع الليزر الجرار» أن يتحقق في الواقع على نطاق ضيق، وقد نشرت نتائج دراستهم في عدد 11 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي 2011، من مجلة «رسائل مراجعة الفيزياء» الشهيرة المتخصصة في نشر دراسات مدققة عن الفيزياء، والتي تصدرها «جمعية الفيزياء الأميركية».

والشعاع الجرار، هو القدرة على اعتراض ونقل والتقاط وسحب الأشياء من مسافة بعيدة باستخدام أشعة الليزر، من خلال تسليط شعاع ليزر فقط نحوها وسحبها ونقلها، وقد بدأت بعض الأجهزة في استخدام مثل هذا المفهوم، على نطاق أصغر، مثل تصميم ملاقط بصرية لتحريك الأشياء الصغيرة مثل الخلايا، ويأمل العلماء أن يتم استخدام هذا المفهوم في سحب ونقل الأشياء إلى مسافات أطول، ومع أشياء كبيرة.

يقول هايفنغ وانغ من «معهد تخزين البيانات» في سنغافورة، والمشارك في الدراسة، إن «دراستنا قد أظهرت أن (الشعاع الجرار) الذي يرتكز على ضوء ليزري واحد، يمكنه سحب أو دفع الأشياء نحو مصدر الضوء». وقد درس وانغ وزملاؤه، خصائص أشعة ليزر من نوع معين من توزيع كثافة الضوء عبر شعاع، أو ما يسمى بـ«أشعة بيسيل» (Bessel beams)، وعادة، إذا ضرب شعاع الليزر جسيما صغيرا في طريقه، فإن الضوء ينتشر إلى الوراء، وهذا بدوره يدفع الجسيمات إلى الأمام، لكن ما أظهره وانغ وزملاؤه، الآن على الأقل نظريا، في دراستهم على أشعة بيسيل أن الضوء يتشتت قبالة الجسيمات في الاتجاه الأمامي، وهذا يعني أن يتم سحب الجسيمات إلى الوراء، بعبارة أخرى أن سلوك الجسيم يقوم بعكس اتجاه السيناريو المعتاد. وحجم قوة الشعاع الجرار، يعتمد على معايير مثل الخصائص الكهربائية والمغناطيسية للجسيمات.

وأشعة بيسيل، هي نسبه إلى عالم الرياضيات والفلكي الألماني فريدريش بيسيل (1784 - 1846)، وشعاع بيسيل هو شعاع ليزر غير عادي يتصرف بشكل مختلف جدا عن أشعة الليزر العادية، ويمتاز بمجموعة من الخصائص المميزة التي يمكنها أن تحفز مجالات كهربائية ومغناطيسية في طريقها نحو الأشياء، ومن هذه الخصائص، أنه لا ينحرف أي لا يتسبب في حيود الضوء، وهذا يعني أنه لا ينتشر، وهذا على النقيض من السلوك المعتاد للضوء أو الصوت الذي ينتشر، كما أن أشعة بيسيل تكون أكبر عندما تذهب بعيدا عن نقطة المنشأ، كما تمتاز بالشفاء الذاتي أي إن شعاع بيسيل يمكن عرقلته جزئيا عند نقطة واحدة، ويتم إعادة بنائه وتشكيله عند نقطة أخرى على طول محور الشعاع. وخصائص حزمة أشعة بيسيل تجعلها مفيدة للغاية في الملاقط البصرية والصوتية، ولهذا فهي تستخدم حاليا كملاقط بصرية في علم الأحياء الدقيقة (ميكروبيولوجي) في العمل مع الخلايا الحية، حيث يمكن لأشعة بيسيل أن تحرك الأشياء الصغيرة مثل الخلايا، لكن من الممكن أن تستخدم يوما ما، وفي ظل ظروف معينة، كشعاع جرار في سحب أو دفع الأجسام بعيدا عبر مسافات طويلة، وهذا يمكن أن يكون له تطبيقات مفيدة في تحريك وفرز الجسيمات ذات الأحجام المختلفة.

يقول وانغ إنه «على الرغم من أن قوة الشعاع الجرار ليست كبيرة جدا، فإنه يحمل تطبيقات حقيقية، فهذه الحزمة من الأشعة الضوئية من غير المحتمل جدا أن تسحب إنسانا أو سيارة، فهذا يتطلب شدة كثافة ضخمة في شعاع الليزر، التي قد تؤدي إلى تلف في الأشياء»، ويضيف «ومع ذلك فإن هذه الشدة يمكن أن تتلاعب في الخلايا البيولوجية، ذلك لأن القوة اللازمة لذلك لا يجب أن تكون كبيرة».

ويقول وانغ بأن «تطبيقات شعاع الضوء الليزري الجرار، في سحب أو شد الأشياء، سوف تدفع لدراسة ظواهر تجريبية في المستقبل، فهذه التكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة للتحقق من الخلايا المصابة، فعلى سبيل المثال، خلية الدم المصابة بالملاريا تكون أكثر جمودا وصلابة، وهذه التكنولوجيا ستكون وسيلة سهلة للاستعمال كأداة لقياس هذا».

ومن بين التطبيقات الواعدة، لشعاع الليزر الجرار، إمكانية استخدامه لمساعدة رواد الفضاء في الفضاء الخارجي عند تعرضهم لظروف حرجة وإزالة العقبات من طريقهم التي قد تمنعهم من التحرك بحرية، ودفعهم إلى مركباتهم الفضائية في حالة ابتعادهم عنها، وكذلك لالتقاط عن بعد جسيمات من الغلاف الجوي أو التي تدور في مدار الكواكب، مثل سحب الحطام أو الخردة الفضائية التي تحلق في مدارات حول الأرض. فوفقا لما نشر في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي 2011، بمجلة «نيو ساينتست» العلمية البريطانية الأسبوعية الشهيرة، فإن تعرض رواد الفضاء للخطر وابتعادهم عن مركبتهم أثناء القيام بمهمة علمية خارج كوكب الأرض، يعد من أسوأ ما يمكن أن يواجهوه، لأنهم يبقون على هذا الوضع دون أن يملكوا القدرة على التصرف بمبادرة ذاتية ودون أمل في الإنقاذ. إلا أن علماء أميركيين تمكنوا من ابتكار شعاع ليزر جرار، يقوم بتبخير الدفاعات الفضائية الصغيرة على ظهر مركبة فضائية بهدف دفع رواد الفضاء التائهين إلى بر الأمان، وقد ظهرت هذه الفكرة لأول مرة على يد المهندس الأميركي جون سينكو في جامعة ولاية أوهايو في نيوارك، الذي اقترحها كوسيلة لإخراج الخردة أو الحطام الفضائي من مدار الأرض باستخدام شعاع الليزر في الفضاء، وحاليا يعكف المهندس سينكو بالتعاون مع زميله كليفورد شليخت بمعهد علوم المواد والطاقة في غرينفيل بولاية ساوث كارولينا الأميركية، على تطوير نموذج لجهاز يمكن أن ينقذ رواد الفضاء من الضياع، وتقوم خطته الأصلية على أن تقوم المركبة الفضائية بحمل نظام دفاعات (thrusters) ذات نوعين من وقود الدفع (propellant) يستجيب كل منها لطول موجي مختلف من أشعة الليزر، ولتشغيل الدافع، يتم إشعال شعاع الليزر عليه من خلال تبخير وقود الدفع، لتكوين قوة دافعة، ومن ثم دفع المركبة الفضائية إلى مسار جديد، ويتم إشعال وقود الدفع في اتجاهات مختلفة لتوجيه المركبة الفضائية.

ويقول سينكو وشليخت، بأنه إذا تم تقليص نظم الدفاعات الفضائية هذه، وتركيبها داخل البدلة الفضائية وتزويدها بأنابيب لدفع الوقود بعيدا، فإنها ستوفر وسيلة لاسترداد رائد الفضاء أو الشخص من الفراغ الخارجي، ذلك لأن أنظمة الإنقاذ الحالية مثل الحبال المحملة بالنابضات أو الزنبركات (النابض هو جهاز مرن يستخدم لتخزين الطاقة الميكانيكية ومصنوع عادة من الفولاذ) أو التي يتم تحريكها بالغاز، والتي تطلق نحو رائد الفضاء، هذه الأنظمة لا يمكنها أن تصل إلى أكثر من 100 متر، ويتعين على رواد الفضاء الذين ينطلقون في رحلة خارج محطة الفضاء الدولية أن يرتدوا «حزمة طائرة» (Jet pack) على الظهر، تعتمد في وقودها على الغازات، ولكن لا يمكن لأي من إجراءات السلامة هذه أن تساعد رائد الفضاء المصاب بالإعياء، لكن الشعاع الجرار يمكنه القيام بذلك، إذ تشير الحسابات التي أجراها سينكو وشليخت إلى أن تقنيتهم المبتكرة ستكون قابلة للعمل، فمن خلال ضخ «ليزر ثاني أكسيد الكربون» (carbon - dioxide laser) داخل نظام دفع (دافع) يزن واحد كيلوغرام، لمدة 200 ثانية، بإمكانه أن يحرك رائد الفضاء إلى الوراء سالما بسرعة متر واحد في الثانية.