عمر صبير يستوحي من الثورات العربية 36 لوحة فنية

ربط بينها وبين ثورة 1964 في السودان

من أعمال المعرض
TT

حرك «الربيع العربي» وما حفل به من أحداث مشاعر الفنان السوداني، عمر صبير، مستعيدا من ذاكرته البصرية والتاريخية أحداث ثورة أكتوبر في السودان عام 1964م، وقال صبير لـ«الشرق الأوسط»: «إن من أشد حالات السودانيين خصوصية تقع في علاقتهم الدائمة ببلادهم، وأنهم إذا هاجروا يحملون السودان في أسفارهم. وجاءت أعماله التي بلغت 36 عملا متنوعة في حضور الذاكرة التاريخية والمكانية والبصرية عند الفنان والمؤثرات التي حرضته على الإنتاج الإبداعي».

يقول صبير عندما اندلع «الربيع العربي» في المنطقة لم تبارح صورة الشهيد أحمد طه القرشي ذاكرته وهو شاب أوقد ثورة أكتوبر عام 1964م مع العسكر في السودان، وقال إن مشهد أو صورة القرشي واللحظة الراهنة حرضت ذاكرته البصرية على التعاطي مع كثير من الجماليات لم تكن في حساباته من قبل.. «لقد وجدت نفسي أمام متتاليات بصرية من الوجوه والملامح وعتاد من الوحدات الزخرفية والنباتية والأشكال الجمالية وطقوس من الألوان المثيرة، كما في حلم»، وأوضح أنه اختار من هذه الثورة اسمها كاستعارة يستعيد من خلالها طفولته وإنسانيته التي تركها هناك، معتبرا أن ما يحدث في البلاد العربية يصيب الإنسان بخيبة أمل.

يتناول صبير في مجموعة القرشي الوجوه وزخما من الدلالات والرموز والمعطيات التي تزخر بها ثقافته، مثل نقش الوشم الذي تزخرف به المرأة جبهتها، وهي علامات تجدها عند المرأة الأفريقية أكثر من غيرها، تشبه الحناء في طقوسها فيما تبدو العيون شاخصة وحالمة عليها بصمات من الألوان المهترئة وبقايا أحبار معتقة وداكنة تحتفي بها إلى ما لا نهاية كما تكشف هذه المجموعة استلهامه للعناصر الزخرفية؛ كالمثلث والخطوط الدائرية والموتيفات الشعبية، التي تحتل أماكن تعكس المناخ الذي تعيش فيه.

يحلو لعمر صبير، مثله مثل أغلب الفنانين في بلاده، أن يعزز صورة الرياديين، أمثال إبراهيم الصلحي وأحمد شبرين، الذين أسسوا مدرسة الخرطوم باعتبارهم أستاذة رسموا الخطوة الأولى للفنون البصرية في السودان، وتأثر بهم، لكنه على جانب آخر أكد أن تجربته في هذا المعرض تحاول أن تستكشف طقوسا مغايرة، وتجسد حساسية جمالية تميزه عن أقرانه الذين سبقوه.

لقد استفاد صبير من خبراته ومكتسباته التقنية، ومن معلميه في مجموعة أعماله، التي استلهم من خلالها الموتيفات الزخرفية مستخدما فيها اللونين الأبيض والأسود، مثل محفورات غرافيكية تباينت فيها الخطوط بدرجات بالغة الرهافة لعل أشد ما يميزها أنها تتسم بطابع أفريقي.

لقد كشفت شفافية هذه المجموعة براعة استخدامه للأحبار بعفوية وتلقائية مثيرة للمشاهدة. كما قدم صبير مجموعة جديدة هي الأكثر حضورا في تنامي تجربته البصرية بدت من خلال مجموعته التجريدية الغنائية والبنائية الملونة، تمحورت قوتها في اختياره للألوان المتناسلة والمتراشحة من أفريقيته، التي أبرز من خلالها جرأة ضربات الفرشاة على سطوح اللوحة وتكلس طبقات الألوان المتراكمة على جدار اللوحة. لقد استفاد من حيوية الألوان الشرقية الدافئة، خاصة اللون الأصفر الذي يعج به الفراغ كما في صحراء شاسعة تكتسي رمالها بطبقات من الضوء، يمتد على جسد الصحراء إلى ما لا نهاية.

وتبدو التكوينات والأشكال التي استثمرها مشبعة بمتون من الخدوش والخطوط، مثلما هو حال جدران متآكلة مكحوتة أو مر عليها طفل يخدش على سطوحها بعفوية مطلقة.

يذكر أن عمر صبير من عائلة فنية، فقد كان والده جواهرجيا ماهر وشيخ الصاغة في واد مدني بالسودان، وله أخ أستاذ للفنون رسام وباحث. قصة وآلام غوغان هي التي حرضته على اعتناق الفن. يقول صبير: «حدث ذلك من خلال قراءتي لرواية (القمر وستة بنسات) للروائي سومرست موآم التي جسدت حياة ومعاناة الفرنسي غوغان. وعندما اختار منفاه في تاهيتي مجتازا نصف العالم ليجد في النهاية أعماله في اللوفر، وجدت نفسي بعد هذه الأحداث أسيرا لهذه الروح المناكفة من أجل الانتصار للفن، ومنذ تلك اللحظة أصبحت مدينا لغوغان وللراوية التي قادتني إلى عالم الفن».