من الصولجان إلى إبريق الشاي.. معرض يقدم تاريخ بريطانيا من خلال الذهب

بريق المعدن النفيس وسطوته عبر 4500 عام

TT

تعج العاصمة البريطانية هذه الأيام بالمعارض والاحتفالات والأنشطة الفنية والثقافية، فالبلاد تحتفل بيوبيل ملكتها وأيضا باستضافتها لدورة الألعاب الأوليمبية ولذلك تحتشد جميع الكيانات الثقافية والفنية لعكس صورة مشرقة عن بريطانيا تضمن لها جذبا سياحيا وأيضا تضمن جوا عاما من التفاؤل تتحدى به أزمتها الاقتصادية الحادة.

وفي مجابهة أزمة مالية قوية تتبدى قيمة معدن الذهب فهو الحل للأزمة ولكنه أيضا يصلح كمادة لمعرض قوي يستعرض تاريخ وجوده في الأراضي البريطانية عبر 4500 عام وهذا أضعف الإيمان.

المعرض الذي تقيمه شركة «غولدسميث» وهي المشهورة بمعارض الذهب والمجوهرات، يقام بمقر الشركة العريق في وسط المدينة المالي.

يبدو المبنى العريق مناسبا لمعرض بمثل هذا البريق وأضاف منظموه بريق الذهب أيضا على مدخل المبنى عبر لصق بساط ورقي مذهب على الدرجات المؤدية له.

وبعيدا عن المدخل فالمعرض ينضح بالقوة والثراء، فكل المعروضات مصنوعة من الذهب وتتراوح ما بين العملات النقدية الأثرية إلى الأسلحة والميداليات الشرفية إلى أدوات المائدة والحلي.

المعرض كما تشرح لنا المؤرخة د. هيلين كليفورد والقيمة عليه، يستعرض علاقة بريطانيا بالمعدن النفيس عبر 400 قطعة ذهبية يعود تاريخ أقدمها إلى 2500 عام قبل الميلاد.

تعلق كليفورد على عنوان المعرض «الذهب.. القوة والسحر» وتقول «إنه يرمز للقوة والسطوة سواء كانت مدنية أو دينية أما السحر والبريق فينبع من الاستخدامات الاجتماعية والشخصية له والمكانة الاجتماعية. فهنا نجد أشياء كثيرة صنعت من الذهب وترتبط بحياتنا فمن الأسنان الصناعية التي صنعت من الذهب إلى المجوهرات إلى الحلي والقطع التي تصنع للاحتفال بالمواليد».

المعرض الذي يمتد على ثلاثة طوابق ينقسم إلى 13 قسما حسب ما تذكر كليفورد ويشمل الاكتشافات الأثرية والقطع التي استخدمت في المراسم الدينية والمراسم الملكية والاحتفالات الرسمية. هناك أيضا القسم الذي يعنى بالميداليات الرياضية والكؤوس ثم القسم الذي يعرض للمقتنيات الشخصية وأخيرا قسم يعنى بالذهب والمنسوجات ويتناول استخدام خيوط الذهب في التطريز والخياطة ويورد نماذج للملبوسات تعود إلى ملوك وأمراء بريطانيا. وهناك أيضا قسم معاصر يقدم تصاميم حديثة للمعدن النفيس.

المعروضات التي تعكس براعة فائقة في الصياغة استعارتها شركة غولدسميث من مؤسسات ومتاحف بريطانية أخرى، تقول كليفورد إن عددها تعدى المائة. وتشرح أنها بدأت الإعداد للمعرض مع فريق من الخبراء منذ نحو خمسة أعوام وتضيف «بدأ الأمر ببطء، فقد بدأنا في السؤال والاستعلام عن القطع الذهبية التي تحمل مكانة تاريخية وتتميز بالتفرد. تحرينا عن كل المجموعات والمقتنيات المعروفة وأيضا عن القطع التي بحوزة أشخاص أو ضمن مجموعات خاصة. كان الهدف الأساسي من ذلك هو معرفة إذا كان هؤلاء الأشخاص على استعداد لإعارتنا تلك القطع. ولكننا الآن نقف أمام كل هذه القطع تتجاور وتتشارك في الفصح بقصص اقتنائها وصناعتها». وصل عدد الجهات التي أقرضت المعرض نحو 100 ما بين الأشخاص والمؤسسات والمتاحف.

وبما أن المعرض أعد للاحتفال باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث في المقام الأول كان لا بد من السؤال حول القطع التي استعارتها الشركة من المجموعة الملكية (رويال كوليكشن). تقول كليفورد: «حصلنا على ميدالية ذهبية خاصة من مقتنيات المجموعة كما حصلنا على تاج جورج أمير ويلز (الذي أصبح الملك جورج الخامس) وارتداه في تتويج والده إدوارد السابع في عام 1902 وهناك أيضا السيف والصولجان.. ولكننا للأسف لم نستطع الحصول على خاتمي الزواج الخاصين بالأمير ويليام وكيت ميدلتون أو حتى على سبيكة الذهب التي استخدم جزء منها في صياغتهما».

أما عن أكثر القطع غرابة في المعرض فتقول كليفورد: «أعتقد أنها طقم الأسنان الصناعية المصنوعة من الذهب الخالص، هناك أيضا قطعة صغيرة من الذهب تعود للعصر الحديدي وهذه القطعة نستطيع أن نقول إنها تمثل بداية تاريخ الذهب في بريطانيا وما زالت تحير الخبراء في استخدامها وإن كنت أميل إلى أنها كانت توضع في خصلات الشعر كحلية. ومن القطع الأخرى الهامة هنا عقد دائري لا نعرف إن كان بالفعل يستخدم كعقد أم كان يوضع على الرأس».

ومن جانب آخر يقدم المعرض مجموعة متميزة من العملات النقدية الذهبية التي تروي دور شركة غولدسميث في التحكم بنوعية الذهب المستخدم وتحديد معايير الجودة. وتعرض المجموعة المميزة من العملات التاريخية في المعرض والتي تمت استعارتها من متحف الاشموليان في أكسفورد قصة تطور العملات الذهبية في بريطانيا وتعرض بطريقتها قصة صعود بريطانيا إلى قمة السطوة الاقتصادية وقوة الإمبراطورية.

ولا شك أن أحد أهم القاعات في المعرض هي التي تقدم استخدامات الذهب في المنزل، عبر مجموعة من أدوات المائدة والآنية والكؤوس وحتى الأباريق المصنوعة من الذهب. هناك أيضا خزانة خاصة بعلب النشوق التي صنعت للملوك والنبلاء وتبارى الصياغ في زخرفتها وتطعيمها بالألماس والأحجار الكريمة. أدوات المائدة الذهبية تعكس دون شك القوة والثراء فعلية القوم فقط هم من كانوا يستطيعون امتلاك القطع المصنوعة من الذهب الخالص عوضا عن استخدام الفضة المطلية بالذهب. فهنا نرى إناء استخدم لوضع قطع الثلج أهدته دوقة مارلبورو إلى حفيدها في عام 1744، هنا أيضا نرى إبريقا وصحنا من صنع بيير بلاتيل في عام 1701 بناء على طلب ويليام كافينديش دوق ديفونشاير. ويشير المعرض إلى إبريق شاي ذهبي تعود ملكيته إلى ويليام بيكفورد والذي كان أغنى شخص في بريطانيا في زمانه ولكي يؤكد مكانته وثراءه اشترى هذا الإبريق وبعض أدوات المائدة المصنوعة من الذهب ليحملها معها في سفره.

وفي جانب آخر من العرض هناك القطع التي استخدمها الناس للاحتفال بمراحل مختلفة في حياتهم فهي تذكارات لمناسبات خاصة كالميلاد والزواج فهناك على سبيل المثال قطعة من عام 1750 (عضاضة لثة) صممت ليدرب فيها الطفل أسنانه الوليدة أو نظارة من الذهب الخالص، وقطعة مستطيلة من الذهب استخدمت لتنظيف اللسان، هناك أيضا بعض علب مستحضرات التجميل الذهبية. تعلق كليفورد على تلك القطع التي قد تبدو غريبة بعض الشيء «الفكرة هنا هي أي شيء يكتسب مكانة خاصة إذا تم صياغته من الذهب».

أما قسم «الرياضة والذهب» فيضم عددا من الجوائز الرياضية والميداليات المرتبطة بسباقات الخيل التي تعتبر تاريخيا «رياضة الملوك»، وحسب المصادر التاريخية فقد جرت العادة على صناعة الميداليات من الذهب الخالص، ومن تلك الجوائز النادرة يعرض هنا إبريق شاي استخدم كجائزة لسباق ليث للخيل في عام 1730. وبالنسبة للألعاب الأوليمبية فالميداليات المصنوعة من الذهب الخالص تعتبر نادرة جدا واستخدمت في أربع دورات فقط، في باريس عام 1900 وفي سانت لويس 1904 وفي لندن عام 1908 وفي ستوكهولم في عام 1912.

ويختتم المعرض بقسم «الخيوط الذهبية» والذي يقدم نماذج من استخدام الذهب في تطريز وتزيين الملابس وخاصة الملكية منها. فهنا نرى جاكت ارتداه الملك جورج الرابع مشغول بخيوط الذهب وقبعة مصنوعة من خيوط الذهب، الاستخدام في حد ذاته يعكس المكانة العالية والرفعة وأيضا فخامة المناسبات.