«مسرح المقهورين» يبدأ أول عروضه في مصر بمشاركة المشاهدين

مخرجته قالت لــ«الشرق الأوسط» إنه يفتح المجال للنقاش مع الجمهور

«مسرح المقهورين» يتيح لأي شخص أن يمارسه وليس الفنانون فقط
TT

بمبادرة من المخرجة والكاتبة والممثلة نورا أمين، يخطو «مسرح المقهورين» أولى خطواته في مصر، كتجربة هي الأولى في البلاد والثانية في الوطن العربي بعد فلسطين.

ويعد هذا المسرح حالة فنية إبداعية، تهدف إلى التغيير من خلال التدريب على المواجهة وإدارة الصراع وتقبل الآخر، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بمسرح الشارع، من حيث بساطة المشاهد وارتباطها بالثقافة والحياة اليومية، بالإضافة إلى أنه يمكن إقامته في أي مكان ولكنه يختلف عن مسرح الشارع في المنهجية.

وانطلقت تجربة مسرح المقهورين في منتصف الستينات من القرن العشرين، حيث نشأ نشأة سياسية فنية على يد المخرج البرازيلي «أوجوستو بوال»، الذي تأثر في ذلك الوقت بتداعيات الوضع السياسي في أميركا الجنوبية، وامتلاك الديكتاتورية العسكرية زمام الأمور وممارستها كل أشكال القمع السياسي ضد السكان، حيث يعد نمطا لطرح المشاكل ومواجهتها من أجل الوصول لحل يضع حدا للصراع.

ويحسب للمخرجة نورا أمين تبني هذا المسرح في مصر، حيث شهدت القاهرة مؤخرا أول ورشة عمل لتدريب طلاب جامعيين على مسرح المقهورين، بالتعاون مع نموذج محاكاة جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بجامعة القاهرة التي تشمل 18 طالبا، ويأتي مشروعها بدعم من «الصندوق العربي للثقافة والفنون»، والهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر ومؤسسة مبادرون للتنمية الثقافية والإعلام والمؤسسة الوطنية للتنمية المدنية ومنتدى التحرير لإرساء قواعده بين المصريين، حيث يتم عقد ورش عمل تطوعية للتدريب على منهجية المسرح.

حول الورشة، تقول نورا أمين لـ«الشرق الأوسط» إن هذا النوع من المسرح ليس حكرا على الفنانين أو الممثلين فحسب، ولكن أي شخص يستطيع أن يمارس هذا العمل الإبداعي من ربات البيوت والمدرسين والعمال.

وبالحديث عن كيفية عمل المسرح، أوضحت نورا أن بناء المشاهد وتكوينها يكون قائما على وجود حالة من القهر وقاهر ومقهور، وبعد عرض المشهد يفتح المجال للنقاش مع الجمهور حول حالة القهر، ويتطوع أحد المشاهدين ليكون جزءا من المشهد بتقمص شخصية أحد المقهورين، لكي يصل إلى حل أو مخرج لإنهاء المشكلة وللتعامل مع القاهر شريطة ألا يستخدم العنف أو يتطرق إلى حل خرافي أو لأسلوب غير أخلاقي، وبالتالي يعتبر هذا النوع من المسرح تدريبا على مواجهة المشكلة بدلا من الهروب منها، وهو أيضا تدريب على إدارة الصراع وتقبل الآخر والاختلاف من خلال بناء حوار واستخدام التفكير الإبداعي واتخاذ موقف إيجابي من المشكلة.

وتؤكد نورا أن فكرة التفاعل لها أهمية تكمن في أن عقل الإنسان أكثر استيعابا وانفتاحا لاكتساب وتقبل حلول غير عنيفة وواقعية لحل المشاكل القائمة، ولبناء نمط جديد من العلاقة لا يقوم على القهر، وكلما تدرب الإنسان على ذلك كلما أصبح أكثر إبداعا وأكثر قدرة على التحكم في عاطفته وانفعالاته وغضبه وخوفه الذي يزيد من حدة الصراعات الاجتماعية، ولكي يتم ذلك بنجاح لا يسمح منهج المسرح للمشاهد بأن يتقمص دور القاهر في المشهد.

ويرى القائمون على العمل الفني أن الظروف الثقافية والسياسية التي تشهدها مصر حاليا تشبه كثيرا تلك التي نشأ خلالها هذا النوع من المسرح في البرازيل، وأن هذا التوقيت هو التوقيت المناسب لكي يدرك المواطن القهر الواقع عليه ليستطيع أن يتعامل معه، بعدما أثبت أنه قادر على التغيير بإرادته الحرة وأنه قادر على كسر حاجز الخوف الذي يراه «أوجوستو بوال» الحليف الأول للظلم. وتؤكد نورا أن هذا النوع من المسرح قد ظهر للمساهمة في إعادة التربية السياسية والذهنية للمواطن بعد انهيار الحكم الديكتاتوري في البرازيل من خلال إعادة بناء الوعي والثقافة السياسية بعدما اكتشفوا أن انهيار النظام الديكتاتوري القاهر لا يعني بالضرورة نهاية ثقافة القهر التي أنتجها هذا النظام مما يعني إمكانية إعادة إنتاج النظام القاهر بصورة مختلفة فالقهر كما أوضحت نورا أمين ما هو إلا حالة من التواطؤ بين القاهر والمقهور.

ويأمل القائمون على هذا المشروع أن يتمكنوا من خلاله من إعادة المسرح إلى مكانته كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي في الوقت الذي ينظر إليه كنوع من أنواع الترفيه والتسلية، بالإضافة إلى إعادة بناء وعي المواطن العادي ليصبح فاعلا سياسيا إيجابيا قادرا على التغيير من خلال الحوار وبناء مجتمعه والتصدي للظلم وحل الصراعات بشكل إبداعي خال من العنف والانفعال اللذين يكرسان الصراع.