معدلات الجرائم الجنسية ضد الأطفال تتصاعد في ألمانيا

12 ألف حالة اعتداء عام 2011 نصفها من الأهالي والأقرباء

معدلات الجرائم الجنسية ضد الأطفال ارتفعت بنسبة 4,8% عام 2011 عن العام الذي سبقه
TT

بينما كان يورغ تسيركة، رئيس الشرطة الجنائية الاتحادية، يستعرض تقريره عن العنف ضد الأطفال في العاصمة برلين، صباح يوم الثلاثاء الماضي، اقتحمت شرطة روستوك (شمال) مكاتب راديو «بحر الشرق» واعتقلت الصحافي ماركوس يابكه (39 سنة) بتهمة الاعتداء جنسيا على طفل. كان يابكه على البث مباشرة وهو يقدم «برنامج الصباح»، الذي يستمع إليه الآلاف، حينما وضع رجال الشرطة القيود في يديه. ووجهت النيابة العامة إليه تهمة الاعتداء على طفلة عمرها 12 سنة عام 2005 في مدينة روستوك. ويبدو أن الفتاة الصغيرة التي سكتت خوفا حينها، والتي أصبحت بالغة الآن، قررت الخروج عن صمتها ومعاقبة الفاعل.

واقع الحال أن عدد ضحايا العنف من الأطفال في ألمانيا لم يتفاقم، بل ربما قل قليلا، لكن عدد الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال، وباستخدام العنف الذي قد يؤدي إلى الموت، قد تفاقم، وهو ما يقلق دوائر الشرطة الألمانية، ويقلق دوائر الشباب التي تهتم بتربية الأطفال. الواضح في الموضوع أيضا هو تزايد عدد الاعتداءات الجنسية مع ارتفاع عدد حالات التحقيق مع جناة مجال تصوير وتوزيع أفلام الجنس مع الأطفال.

البروفسورة كاتينكا بيكمان، المتخصصة في علم الاجتماع، ذكرت أن الأرقام، التي طرحها رئيس الشرطة الألمانية «مفزعة»، لأنها لا تكشف فقط تقصير السلطات الألمانية وتقصير دوائر الشباب، وإنما تكشف أن «العدو» يكمن داخل المجتمع «السليم» الذي نعيش فيه، وليس في المجتمع «المريض» السائد بين المجرمين ودهاليز السجون. إذ يتبين من الإحصائية بوضوح أن معظم المعتدين على الأطفال هم من أفراد العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء المقربين.

وكان رئيس شرطة الجنايات تسيركة قد طرح في تقريره أن 11 طفلا يتعرضون للعنف يوميا في ألمانيا، و39 طفلا يتعرضون للتحرش أو الاعتداء الجنسي في نفس الفترة، وتكشف الشرطة، بشكل متوازٍ، عن 17 خرقا للقانون في قضايا أفلام جنس الأطفال. وهذا ما تكشفه سجلات الشرطة، ولا شك أن هناك الكثير من الحالات «المسكوت عنها»، لأسباب تتعلق بالخوف أو الخشية من الانتقام، أو الخجل.

المفزع هو أن ثلاثة أطفال يموتون أسبوعيا في بلد مثل ألمانيا بسبب العنف أو الجنس أو الإهمال. عموما سجلت الشرطة عام 2011 مقتل 146 طفلا بعد تعرضهم للعنف أو الإهمال، وهذا يزيد بـ63 حالة عن العام الذي سبقه. وكان 4 أطفال من كل 5 يقل عمرهم عن 6 سنوات لحظة تعرضهم للعنف القاتل. ونجا 72 طفلا من الموت في آخر لحظة، وأحيانا بالصدفة، وإلا لكانت حصيلة القتلى قد ارتفعت.

معدلات الجرائم الجنسية ضد الأطفال ارتفعت بنسبة 4,8 في المائة عام 2011 عن العام الذي سبقه، وسجلت الشرطة 12444 حادث اعتداء جنسي على الأطفال، وكان المعتدي في نصف الحالات تقريبا من الأهل والأقارب والأصدقاء المقربين من العائلة. ويمكن للرقم أن يرتفع إذا أضيف عدد الاعتداءات على القاصرين من سن 14 سنة، لأن عدد الحالات يقفز حينها إلى 15212 حالة. واعتبر تسيركة الإحصائية «ضوءا أحمر» ينبغي العمل على قطع التيار الكهربائي عنه في أقصى سرعة.

المجال الوحيد الذي شهد تراجعا في عدد حالاته كان الضرب وإلحاق الضرر الجسدي بالأطفال، وهي تجاوزات يرتكبها الوالدان على الأغلب. هنا انخفض عدد الحالات بنسبة 6 في المائة وكان عدد الشكاوى المسجلة 2896 حالة فقط. إلى جانب ذلك ارتفع عدد أفلام جنس الأطفال التي تم الكشف عنها بنسبة 23 في المائة، وترافق ذلك مع «ذكاء جرمي تقني» عالٍ، لأن الشرطة تعجز عن تخريب أو مسح ربع هذه الأفلام على الإنترنت.

رئيس الشرطة تسيركة، ورئيس اتحاد حماية الأطفال هاينتز هيلغرن اتفقا على تحميل دوائر الشباب المسؤولية عن بعض التقصير في حماية الأطفال المعرضين للعنف. وأشار تسيركة إلى ثلاث حالات على الأقل، كانت دوائر الشباب فيها على معرفة بميول الوالدين العنيفة وإدمانهم على الكحول والمخدرات، مع ذلك لم يتدخل الموظفون بشكل حاسم لحماية الأطفال. وأدى هذا التقصير إلى مقتل الأطفال كيفن في بريمن، وشانتال في هامبورغ (كلاهما غرب)، وليا صوفيا في شفيرين (شرق)، على أيدي أهاليهم، وهي حالات كان من الممكن تجنبها.

البروفسورة بيكمان، من جامعة كوبلنز، طالبت بتوحيد أنظمة رعاية الشباب في دوائر الدولة، وزيادة المخصصات السنوية لها، وتطوير وتوحيد نظام إنذار مبكر ضد حالات العنف ضد الأطفال. فهناك نظام إنذار مبكر وفعال للكشف عن العنف ضد الأطفال في ولاية بافاريا، في حين أن الأنظمة السائدة في برلين وهامبورغ ضعيفة، ولهذا نشاهد أن عدد الجرائم ضد الأطفال في بافاريا منخفض.

جورج ايرمان، من منظمة «عون الأطفال»، قال إن 600 موظف لمتابعة شؤون الأطفال في كل ألمانيا قليل، وطالب برفع هذا العدد. كما طالب بتوحيد أنظمة المراقبة على ممارسات العائلات غير ذات الكفاءة بتربية الأطفال، لأسباب قد تتعلق بالسن أو الإدمان. وحسب رأيه فإن حياة هذا الطفل أو ذاك صارت تتعلق، في الكثير من الحالات، بنشاط وكفاءة الموظف العامل في دائرة الشباب، أو بمحل ولادته (الطفل)، لأن الرعاية تختلف من مدينة إلى أخرى، ومن بلدة إلى غيرها.

لم يتحدث أحد عن العامل الاقتصادي في الموضوع على أهميته، لكن تقارير منظمة اليونيسيف (الأمم المتحدة) لا تدَع أي مجال للشك في دور هذا العامل. فالوضع الاجتماعي في ألمانيا يتدهور رغم معدلات الإنتاج والتصدير المرتفعة، وتحدثت اليونيسيف عن 2,5 مليون طفل فقير في ألمانيا. وقالت إن معظم هؤلاء الأطفال فقراء أو محرومون من الرعاية الكافية، كما يفتقد الكثير منهم إلى الطعام الساخن وإمكانية التمتع باللعب والترفيه، وإمكانية العيش في شقق تتسع لهم. ومن بين 23 أمة صناعية متقدمة في العالم تهتم برعاية أطفالها وضعت اليونيسيف ألمانيا في وسط القائمة، رغم أنها تحتل المرتبة الثالثة عالميا من ناحية القدرات الاقتصادية.