«كتارا».. ثقافة وفن وموسيقى

الحي الثقافي في قطر يضم مسرحا رومانيا مكشوفا ومسرحا للدراما وعروض الأوركسترا ومركزا للفنون البصرية

جانب من العروض في الهواء الطلق على شاطئ البحر في «كتارا»
TT

على مساحة تزيد على مليون متر مربع يمتد الحي الثقافي في العاصمة القطرية الدوحة، والذي أصبح يعرف باسم «كتارا»، ليمثل حاضنة لمختلف أنشطة الثقافة والفن والمسرح وبيئة معرفية ومعلما حضاريا لدولة تسعى لجعل الثقافة والتراث والفن جزءا من هويتها ورسالتها نحو العالم.

تقع كتارا في الساحل الشرقي من الدوحة، ويعتبر الحي الثقافي معلما ثقافيا يمتلك الطابع التاريخي ومكانا خصبا للإلهام الفنّي والثقافي في قطر. وقد بني الحي الثقافي على مساحة مليون متر مربع وبنيت ممرّاته وأبنيته الفريدة بشكل يشبه «الفريج» التقليدي، وهو ما تتميز به المباني التقليدية القديمة في قطر. وصمّمت ممرّاته المترابطة ومواقع بناياته المبدعة لتشبه الفريج الشوارع القطرية القديمة.

يمثل الحي مزيجا من الهويات المتداخلة عبر أنماط العمران، ومكونات الإنتاج الثقافي، ومع التصاميم التي تستثير الإبداع، وتعطي الزائر دافعا للتواصل الثقافي والتعرف على ثقافات الشعوب. ويمكن اعتبار الحي الذي بني بأعلى معايير التطور العمراني معيارا رئيسيا على قيمة الثقافة ومكانتها في مجتمع متعدد يحتضن نحو 140 جنسية عالمية.

ويضم الحي الثقافي الكثير من المرافق الفنية كمسرح مفتوح، ودار أوبرا، وسينما يمكن تخصيصها وتصميمها لتصبح مسرحا كبيرا، وقاعة متعددة الاستعمالات، وسوق للحرف اليدوية، وكشك الكتب، وشاطئ بالإضافة إلى مجموعة متنوّعة من المطاعم العالمية.

يضم الحي الثقافي، 36 مبنى، وتضم: المدرج الروماني، مسرح الدراما، دار الأوبرا، قاعة المناسبات العامة المتعددة الأغراض. ويحتضن عددا من المؤسسات الثقافية القطرية، وغيرها، من بينها: جمعية القناص، المتحف العربي للطوابع البريدية، المركز الثقافي للطفولة، معهد الدوحة للأفلام، مؤسسة «أنا أحب قطر»، مركز كتارا للفنون، مجلس الشعر، الجمعية القطرية للتصوير الضوئي، أكاديمية قطر للموسيقى، جمعية المهندسين القطريين، جمعية قطر للفنون التشكيلية، مركز الشفلح للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إذاعة صوت الخليج. وبالنسبة للمسرح والدراما، يضم الحي: مركز الفنون البصرية القناص. وفيه عدد من المطاعم والمقاهي العالمية، لكي يمثل مقصدا رئيسيا للأسر القطرية والجاليات المقيمة هناك.

وتمثل المرحلة الثالثة، التي يجري العمل على استكمالها حاليا الجزء المكمل للحي، حيث يجري إنشاء حي سكني راقٍ يطل على البحر وعلى الحي الثقافي ويتكون من 250 فيللا تسمح باحتضان أشهر المبدعين، وتكون بيئة ثقافية لصيقة بالحي، وقادرة على تقديم المزيد من العطاء فيه.

وتعمل «كتارا» على إبراز دور قطر الثقافي، ومكانة عاصمتها الدوحة، من خلال استضافة المهرجانات المبدعة المفيدة، والمعارض، والمنتديات، والفعاليات الثقافية الأخرى. وهي تمثل أيضا رسالة قطر نحو العالم ومنصة لحوار الثقافات والحضارات.

ويستلهم الحي، الذي يعانق مياه البحر من مختلف الجهات، تصميم مبانيه وقاعاته من المعمار القطري، مع إضفاء لمسة عالمية، في حين نجح المصممون في توزيع المباني لتكون فعلا حيا مترابطا بحميمية بين وحداته المعمارية.

وبالنسبة للشاطئ البحري، فيمثل هو الآخر ملاذا للأسر الراغبة في قضاء وقت للاستجمام على البحر، أو ممارسة الألعاب المائية، مع وجود شاطئ خاص بالسيدات يجري إعداده حاليا ومن المتوقع افتتاحه قريبا.

وفي لقائه مع «الشرق الأوسط» يقول عبد الرحمن الخليفي، رئيس المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» إن المشروع برمته يسعى لتكوين «بيئة ثقافية قطرية منفتحة على العالم».

ويسترجع الخليفي أبرز التجارب العالمية في إنشاء حواضن للثقافة والمسرح والسينما والأوبرا والفن التشكيلي، وهو يقول إن المتابع للنشاط الثقافي في العواصم العالمية يتنقل من مكان لآخر، للوصول إلى مقصده في أماكن متعددة، ويضيف: «هنا نحن استطعنا أن نجمع جميع الأنشطة الثقافية في مكان واحد».

ويقول الخليفي إن مشروع الحي الثقافي يؤكد «التزام (كتارا) برعاية المواهب المحلية، وتوفير منبر لهم ليس لإظهار قدراتهم الفنية فقط بل بتوفير الأدوات اللازمة لتنمية مواهبهم أيضا».

ومنذ يوليو (تموز) 2011 يتولى عبد الرحمن الخليفي مسؤولية القيادة في القرية الثقافية، التي صممت لاحتضان الإبداع الثقافي في قطر، كما يقود الخليفي حملة «كتارا» لتأكيد دورها كمركز ثقافي في المنطقة، ويعمل لتقديم الكثير من التسهيلات ذات المستوى العالمي، واستضافة الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية. والخليفي حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة بيروت العربية، ويمتلك أكثر من 20 عاما من الخبرة في الأعمال التجارية في السوق القطرية.

* المسرح المكشوف

* يتسع المسرح المكشوف، وهو شبيه إلى حدٍ كبير بالمسرح الروماني، لـ6000 متفرج وهو يتوسط مشروع الحي قطر، ويعتبر أحد أهم مكونات القرية الثقافية في «كتارا»، وافتتح «المسرح المكشوف» وسط حضور واهتمام محلي وإقليمي وعالمي كبير في ديسمبر (كانون الأول) 2011، وشهد المسرح في حفل افتتاحه عرضا موسيقيا متميزا قدمه الموسيقار العالمي الشهير فانجيليس الذي يعتبر من أبرز المؤلفين الموسيقيين للموسيقي الإلكترونية في العالم على مر العصور.

وتكريما لمنتدى الأمم المتحدة الرابع لتحالفات الحضارات، فقد كان حفل الافتتاح الذي قاده الحائز على جائزة الأوسكار جيريمي آيرونز، فريدا من نوعه مع عروض فانجيليس الموسيقية المستوحاة من رسالة الأمل، وقد سحر فنان الإضاءة العالمي جيرت هوف الحفل بلوحات مضيئة رائعة لونت سماء الدوحة مع إيقاعات فانجيليس.

وضم الحفل ثلاثة أجزاء: العرض الأول قدمته أوركسترا قطر الفلهارمونية مع الاوركسترا الأوروبية الكلاسيكية، وعرضا آخر قدمته السبرانو الشهيرة أنجيلا جيورجيو برفقة أوركسترا قطر الفلهارمونية وفرقة أكاديمية «يورف» في موسكو، في حين جمع العرض الثالث بين النجم روبيرتو الانغا مع جيورجيو في دويتو مشترك، واختتم الحفل بظهور كبير لـ«فانجيليس». ورافق الحفل عروض نارية متميزة لمزيد من الإبهار.

ويقول الخليفي: «منذ البداية لم توفّر (كتارا) منبرا للفنانين والموسيقيين الطموحين فحسب، بل عرّفت الموسيقيين والفنانين العالميين بدولة قطر. ولأنّ (كتارا) تضم واحدا من أكبر مسارح الهواء الطلق في الشرق الأوسط، فإنّها جعلت مهمتها عرض الثقافات المتنوعة في العالم، ويوفّر المسرح الدائري المنصّة المثالية للفنانين المحليين والدوليين».

* مركز الفن كتارا

* كما مثل انضمام «مركز الفن كتارا» إلى «كتارا» إضافة نوعية لقدرته على احتضان الأنشطة الفنية، ويسعى مركز الفن إلى توفير مساحات للعروض الفنية وأماكن مخصّصة للأداء الفنّي، ومناطق لورشات الأعمال للفنّانين المحليين، الإقليميين والدوليين بهدف تعزيز وتشجيع الأعمال الفنية الإبداعية.

وبغرض دعم المواهب المحلية والإقليمية، يعرض «مركز الفنّ كتارا» وحدات بيع التجزئة المختلفة بما في ذلك تصميم متجر تخزين المصنفات الفنية والقادمة من الفنانين والمصممين، بالإضافة إلى ورشة التصوير الفوتوغرافي مع استوديو الفنون البصرية ومحلات بيع الهدايا. ويحتوي المركز على محل أزياء يعرض أحدث مجموعة لمصممي الأزياء الموجودين في قطر، ومحل للحرف اليدوية يبيع المصنوعات اليدوية والتحف المحلية. أما العنصر الأبرز، فيتمثل في عرض المركز لمكتبة الفن التي تعدّ الأولى من نوعها في الدوحة، التي تقدّم مواد أدبية حصرية في مجال الفنون والأزياء والتصميم باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية.

ويقول سيدونيو كوستا، المدير الفني والمسؤول المنسق لمركز الفن كتارا: «لدينا جدول فعاليات متوافق مع البرامج الثقافية والفنّية لمدينة الدوحة، وقطر عموما، وطموحنا هو العمل بشكل متناسق مع فعاليات أخرى خارج جدول مركز الفن كتارا، وشركاء ثقافيين في الدوحة أو دوليا».

ويعمل المركز بشكل مقرّب مع متحف الفن الإسلامي، وجامعة فيرجينيا كومنولث في قطر، وجامعة قطر وآخرين لتقديم أفضل البرامج التعليمية، ويقدم المركز عددا من الفعاليات والأنشطة؛ منها المعارض الفنية الكلاسيكية والحديثة.

* فعاليات عالمية

* تمثل الفعاليات التي يحتضنها الحي مزيجا من الفن العالمي، والآخر الذي يجري إنتاجه في قطر، فهناك عروض للأوركسترا مرتين أسبوعيا، وعروض مسرحية شهريا، ومن بين الفعاليات الأخيرة معرض «بين البنائية والجيستالت»، الذي دشن في قاعة «كتارا» للفن بالحي الثقافي في الثامن من مايو (أيار) الماضي، ويستمر حتى 9 يونيو (حزيران) الجاري. ويعرض مجموعة من الرسومات للفنانة العراقية - الأرمنية/ شذا فرج عبو النعمان.

واختتم قبل أيام بمعرض كتارا للفن، وبشكل حصري معرض الأزياء الخاص بالعباءات العربية للمصممة الإيطالية إنريك بي بي، ويأتي ذلك كجزء من التزام الحي الثقافي «كتارا» بتوفير أرضية مناسبة للمبدعين والفنانين الواعدين. وقدم المعرض 15 تصميما للعباءات، والتي صممت خصيصا لمعرض كتارا للفن، وأقيم المعرض في الفترة ما بين 11 - 31 مايو 2012.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، استضاف الحي الثقافي «كتارا» جوقة فتيان فيينا وهي واحدة من أفضل الجوقات في العالم، وبالتعاون مع أوركسترا فيلهارمونية أقيم حفل موسيقي، كما أقيمت حفلات أخرى في دار الأوبرا بكتارا، وقدمت أعمال معروفة ليوهان شتراوس وفيردي، وبيزيت، شومان، سيوب، جوزيف شتراوس، ماسكايني وموزارت، والتذاكر تتوفر لدى محلات فيرجن ميغاستور.

وفي فبراير (شباط) الماضي ولمدة شهر، عرضت المجموعة الفنيّة للفنّانة السعودية الشهيرة منال الضويان، وذلك في صالات العرض بكتارا، المبنى 19، وقدم المعرض أعمالا فنية بما في ذلك الصور الفوتوغرافية، وأعمال فنية مركّبة من عدة وسائل إعلامية، وأعمال فنيّة مجسّمة ضخمة. كما ضم المعرض قطعا من الأعمال الفنية التي تعكس هوية المرأة السعودية.

ومن بين الفعاليات هناك، نظمت دار كريستيز العالمية للمزادات معرضا لمجموعة من أهم الأعمال الفنية العربية والإيرانية والتركية الحديثة والمعاصرة والتي تضم تسعة عشر عملا وذلك يومي 23 و24 مارس 2012.

وضمن الأنشطة التراثية والشعبية، أقيمت في أغسطس (آب) 2011 وبمناسبة شهر رمضان احتفالات «القرنقعوه» والذي قدم لزوار المهرجان الرمضاني نحو 39 فعالية تراثية وشعبية.

وفي الفترة من 16 ديسمبر 2011 حتى 7 يناير 2012 استضاف الحي الثقافي «كتارا» معرض المصور العالمي براين بيترسون، وقدم بيترسون الحائز على جوائز عالمية في التصوير تجربته الاحترافية الطويلة من خلال عرض 40 من أفضل أعماله التي تشمل اللوحات والمناظر الطبيعية والصور الصناعية.

كما نظّمت كتارا معرضا عن القوارب الشراعية التقليدية في 15 نوفمبر 2011، وتعتبر هذه المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة، حيث تمّ عرض أكثر من 60 نوعا من القوارب الشراعية التقليدية الموجودة في منطقة الخليج. وكذلك مسابقة الغوص لصيد اللؤلؤ في 16 نوفمبر 2011 شارك فيها 13 عضوا لفريقين، شرعوا في رحلة لثلاثة أيّام لجمع أكبر عدد ممكن من اللؤلؤ باستخدام الطرق التقليدية للغوص.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2011 احتضنت «كتارا» المهرجان الأول للثقافة الأميركية اللاتينية والذي حفل بعروض متميزة لفن التانغو الذي صنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي، ودعت لحمايته. أقيمت الطبعة الأوّلى من المهرجان ابتداء من 6 إلى 15 أكتوبر، وشارك فيها 230 فنّانا من الأرجنتين، البرازيل، كوستاريكا، كوبا، جمهورية الدومينيكان، السلفادور، البيرو، أوروغواي، فنزويلا.

وقد أقيمت العروض على مسرح الدراما بـ«كتارا»، وقدم العرض الموسيقي فرقتا تونغو فيفو من الأوروغواي إلى جانب تونغو ميتروبوليس الأرجنتيني. وتميّزت العروض بالحضور الجماهيري المذهل وأداء رائع لجورجي بن جور الشهير الذي انبهر الجمهور بمواهبه الموسيقية، لقد كان المهرجان الذي دام عشرة أيام مسرحا لعرض أفضل أنواع الرقص، الموسيقى والسينما اللاتينية حيث شاركت فيه تسع دول من أميركا الجنوبية، وحضره أكثر من 5000 زائر.