رحيل الأديب الأميركي راي برادبري عن عمر يناهز الـ 91 عاما

صاحب «التواريخ المريخية» ورواية «فهرنهايت 451

برادبري خلال مناسبة توقيعه على كتابه «أسرع من العين» في كاليفورنيا عام 1997 (أ.ب)
TT

رحل راي برادبري الأديب الأميركي رائد الخيال العلمي عن عالمنا يوم أول من أمس، الثلاثاء، في مدينة لوس أنجليس عن عمر يناهز 91 عاما، حسب ما أكده أقاربه ووكيل أعماله، مايكل كونغدون. اشتهر برادبري بكتابة روايات وقصص متعددة في مجال الخيال العلمي، كما أثرى الحياة الفنية والأدبية بالكثير من روايات الفانتازيا التي كانت تتنبأ بالمستقبل وتعكس مشاعر التفاؤل والقلق التي سيطرت على الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية.

ولد راي برادبري يوم 22 أغسطس (آب) عام 1920 في مدينة واكيغان بولاية إيلينوي الأميركية، وانتقلت عائلته إلى لوس أنجليس عام 1934 أثناء الكساد الكبير.

نشر برادبري أول قصة له عام 1941، واعتبارا من خمسينات القرن الماضي أصبحت مؤلفاته تظهر على صفحات المجلات المعنية بأدب الخيال العلمي. ومن بين أشهر أعماله الأدبية سلسلة قصص «التواريخ المريخية» (1947) ورواية «451 فهرنهايت» (1953) التي منحت المؤلف الشهرة العالمية، التي اعتبرها المؤلف العمل الأدبي الوحيد الذي يجب إدراجه في خانة الخيال العلمي لأنه مبني على حقائق، وأنه كتبه ليبين امتعاضه من الذين يحرقون الكتب، وهذا ما قاله في مقابله مع «أسوشييتد برس» عام 2002. وقال إن كتبه الأخرى يجب أن تصنف في خانة كتب الفانتازيا.

وعلى الرغم من أن كل هذه الأعمال قد فشلت في الحصول على جائزة «بوليتزر» الشهيرة، إلا أن برادبري قد حصل على إشادة كبيرة من القائمين على تلك الجائرة «لمسيرته المميزة والوفيرة وذات التأثير العميق ككاتب لا مثيل له في مجال الخيال العلمي».

كما ألف برادبري أكثر من 400 قصة قصيرة و13 رواية، وتم تحويل بعضها إلى أفلام روائية وأفلام رسوم متحركة. إلا أنه يبقى من أبرز الأدباء في مجال الفانتازيا والخيال العلمي. كما أنه حصل على الكثير من الجوائز الأدبية منها جائزة أكاديمية العلوم والفنون الأميركية وجائزة أو هنري وجائزة بنجامين فرانكلين وميدالية صندوق الجائزة الأدبية الوطنية عن إسهاماته الكبيرة في الأدب الأميركي.

البعض يراه رائد كتب الخيال العلمي، إلا أنه قال يجب تصنيف كتبه في خانة «الفانتازيا» باستثناء أشهر كتبه «451 فهرنهايت» الذي وصفه في مقابلة مع «أسوشييتد برس» بأنه كتابه الوحيد الذي ينضوي تحت خانة الخيال العلمي لأنه يتعامل مع حقائق، مضيفا: «أنا كنت وما زلت مؤلفا هجينا. أعشق السينما وأعشق المسرح وأعشق المكتبات». ويرى كثيرون أن برادبري هو أول من نجح في مزج الخيال العلمي الحديث بالتيار الأدبي، ويعد واحدا من أفضل كتاب الخيال العلمي في القرن العشرين، جنبا إلى جنب مع لفيف من الأدباء العظماء من أمثال إسحاق أسيموف وآرثر كلارك وروبرت هيينلين، والكاتب البولندي ستانيسلاف ليم.

وخلال تاريخه الحافل، حققت كتبه مبيعات وصلت على أكثر من 8 ملايين نسخة مترجمة بـ36 لغة مختلفة، ومن أشهر رواياته أيضا «الرجل الموشى» و«التفاح الذهبي للشمس» و«شيء شرير يأتي بهذه الطريقة».

وكان برادبري قد باع أول رواية له لمجلة «سوبر سينس ستوريز» وهو لم يتجاوز الحادية والعشرين بعد، وعندما بلغ الـ30 من عمره ذاع صيته بعد نشر رواية «التواريخ المريخية» عام 1950.

وتثني هذه الرواية على رومانسية السفر إلى الفضاء، في حين تدين الانتهاكات الاجتماعية التي جلبتها التكنولوجيا الحديثة، وتأثيرها الفوري والدائم. ونالت تلك الرواية على إشادة كبيرة للغاية من قبل النقاد، الذين كانوا في السابق يصفون قصص الخيال العلمي بأنها لا تعدو كونها ثرثرة مراهقين. ووصف النقاد تلك الرواية بأنها عبارة عن حكايات أخلاقية مكتوبة بشكل أنيق وتدور أحداثها في المستقبل القريب.

وكان برادبري هو أول كاتب يقدم العلوم والتكنولوجيا في إطار جديد يبرز السلبيات والإيجابيات في نفس الوقت. وكانت القنبلة النووية التي ألقيت على اليابان عام 1945 قد جعلت هناك شعورا متناقضا للغاية لدى الكثير من الأميركيين في ما يتعلق بالعلم، الذي يمكن استخدامه في تقدم البشرية وفي تدميرها على حد سواء، حيث بدا «العلم المتقدم» الذي استطاع وضع حد للحرب العالمية الثانية، وكأنه التهديد الأكبر لوجود الحضارات. وتحول كتاب الخيال العلمي، الذين كانوا معتادين على التفكير في دور العلم في المجتمع، إلى الحديث عن الجوانب المريرة لهذا التهديد.

وكان جمهور قصص الخيال العلمي صغيرا آنذاك، ولكن برادبري نجح في استقطاب عدد أكبر من الجمهور وقراء المجلات الواسعة الانتشار مثل مجلة «مودموازيل» ومجلة «ذي ساترداي إيفننغ بوست». ولم يكن قراء هذه المجلات لديهم الصبر لقراءة المصطلحات العلمية لقصص الخيال العلمي التقليدية التي كانت تنشر حينئذ، ولذا تخلص برادبري من تلك المصطلحات ونجح في التعبير عن قلقه من المستقبل من خلال مزيج من اللغة العامية الجذابة والمريحة والاستعارات الشعرية.