جدة والخبر تشهدان «من بريطانيا وعنها».. 100 عام من المناظر الطبيعية

بعد أن بدأ رحلته في بهو المتحف الوطني في الرياض

روجيه هيلتون و ماثيو سميث
TT

احتفل المجلس الثقافي البريطاني هذا الأسبوع بافتتاح أول معرض «من بريطانيا وعنها.. 100 عام من المناظر الطبيعية البريطانية» في جدة والخبر بالمنطقة الشرقية، وقد حضر افتتاح المعرض في جدة القنصل العام البريطاني في جدة محمد شوكت ومدير المجلس الثقافي البريطاني في السعودية إدريان تشادويك.

وفي جدة، حل المعرض على غاليري آثر بعد أن بدأ رحلته في بهو المتحف الوطني في الرياض وحظي بإقبال واسع إبان افتتاحه من قبل وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجه. جاء في مقدمة كراس المعرض أن الأعمال المختارة تنطوي في مضمونها البصري على المشاهد الطبيعية البريطانية، بدءا من المدينة، مرورا بالأرياف وصولا إلى الخط الساحلي المحيط بالمملكة المتحدة من كل جانب، بينما تعكس أعمال المعرض الطرق التي تناول الفنانون من خلالها موضوع المشاهد الطبيعية وطرحوا حولها أسئلة أزلية ومركزية حول مكان الإنسان في هذا العالم، في محاولة فردية منهم لإيجاد مكانهم الطبيعي في بيئة لا تنفك تتغير غالبا، فضلا عن ما يعتبره الفنانون آنذاك تحديا للطرق التقليدية في تفسير المشهد الطبيعي وتأطيره.

المبادرة التي تعتبر الأولى من نوعها جاءت نتيجة شراكة مباشرة بين المتحف الوطني السعودي والمجلس الثقافي البريطاني، حيث تم اختيار الأعمال المشاركة من قبل فريق مكون من الجانبين بلغت 52 عملا فنيا لأهم الفنانين البريطانيين من القرن العشرين، وتمنى آدريان شادويك أن يساهم هذا المعرض والأنشطة المتصلة به في تنامي التعاون الفني بين المملكتين وأن يتعرف متذوقو الفنون والعامة في السعودية على تنوع الفن البريطاني المعاصر وبلاغة حيويته، متطلعا إلى مزيد من المشاركة في مجال الفنون البصرية.

تبدو بلاغة الأعمال المعروضة في تنوع متغيراتها وطقوسها الجمالية، ولقد جسدت أعمال سبنسر غور وماثيو سميث تنوعا في تقارب إنتاجهما بالمدرسة الانطباعية وما بعدها وفي الدراما التي حلت بهما معا، فالأول حظي بحياة مسالمة، درس الفنون في موطنه وتمترست رهافة حساسيته الجمالية عندما تعرف على أعمال الانطباعيين في فرنسا وتأثر بنظرياتهم واشتد عوده على الإيقاعات الجمالية التي سهلت عليه الانضمام إلى معسكرهم على الرغم من نزعته إلى الزخرفة والتصميم التي لم يأخذ بها الانطباعيون أثناء ممارسة طقوسهم، بينما سميث لم يحظ بذلك إلا عندما بلغ سن الثلاثين وأعلن أن حياته الحقيقية بدأت رسميا.

لا تخلو أعمال غور من بلاغة الانطباعيين، فقد استلهم في مرحلة لاحقة المناظر الطبيعية والريف والشوارع وحديقة الغزلان في ريتشموند التي انتقل للإقامة فيها، وبسبب عاصفة قوية هبت على الحديقة أصيب بالتهاب رئوي لم يمهله طويلا ففارق الحياة، قد يكون من المصادفة أن يعرض له عمل يصور مشهدا كان يطل عليه من نافذة مرسمه الخاص في مورنينغتون كريسنت يمثل أشجار حدائق مورقة وأغصانا تساقطت أوراقها ومروج طرق ممتدة إلى ما لا نهاية بالنتيجة برع في وصفه أحد أصدقائه.

بينما يمثل عمل ماثيو سميث طريقا متعرجا لا يتماثل مع الطبيعة، بل استلهمه من مخيلته الجمالية وهو عبارة عن طريق ريفي متعرج، أفرط في استخدامه للألوان الزهرية التي لا تتحملها الذائقة الإنسانية في مثل هذا المشهد وهو ما عزز قول فرانسيس بيكون عندما وصف العمل بأنه «إهانة مباشرة للجهاز العصبي»، غير أن بيكون قال في مقام آخر عن سميث إنه نجح بالمجمل في إنجاز تشابك كلي بين الصورة واللون، ومن المصادفة أن يعرف المتذوق أن بيكون واحد من أهم الرسامين الذين انتصرت أعمالهم لهذه المسألة، إذ كان يصور كائناته بسريالية تجعل المرء المتذوق حائرا في القبض على خيط ينطلق منه مثل حل عقدة.

وفي عمل روجيه هيلتون، أظهرت بلاغة حساسيته الجمالية احتفاءه باللون الأزرق الفاتح الذي يسطو على جسد اللوحة ويقبع في أكبر حيز تتسع له العين، تنسدل من جوانبه ألوان متفرقة كالأبيض والأصفر وخطوط سوداء متباينة في حضورها الخطي والشكلي الهندسي، تبدو هذه اللوحة التي أنجزها هيلتون أوائل الستينات متفردة بخصوبة انحيازها للتجريدية حتى إن اسمها «أزرق» يوحي بنضج تجربته الجمالية والنظرية، يقول هيلتون عن هذه اللوحة «عندما يتعلق الأمر بتسمية لوحاتي أحدق فيها عادة وأكتب العبارة الأولى التي تمر في ذهني، وعندما لا أجد اسما لها أتركها»، إنه فنان يؤمن بالإثارة وتنوع التأويل، وهي إحدى علامات وقيم الفن التجريدي.

ريتشارد لونغ قدم عمله «دائرة الربيع» الذي ينتمي للتيار المفاهيمي أو فن الأرض، وهو عبارة عن ألواح صخرية مثبتة على الأرض على شكل دائري تتمتع كل قطعة بتقاطيع وملامس طبيعية، بينما يبرز لونها الأخضر العشبي كمادة خام مأخوذة من الطبيعة، بالمحصلة تشكل الدائرة مسارا وعرا وخشنا كما في مخيلة الفنان عند مقارنتها بالطبيعة، تقع فكرة هذا العمل في أنها تمثل تناغما مشتركا بين الطبيعة والإنسان مضافا إليها تعديلات طفيفة، وهو ما يرمي إليه لونغ عندما وصف عمله بأنه من أجل التوازن بين نماذج الطبيعة وتمسك الإنسان بالشكل الخارجي، معتبرا أن حالة التوازن تلك توحد الطاقة البشرية بالقوى والنماذج الطبيعية.

ضم المعرض أعمال لبول ناش وبيل برانت ول.س.لوري وبيتر لانيون وديفيد هيفيز 22، وجيفري كامب وهامفري أوشين وكونرادشوكروس.

وفي الخبر بالمنطقة الشرقية، انطلقت فعاليات المعرض الذي ينظمه المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية «سايتك»، وتوجه المجلس عبر المعرض بدعوة الفنانين السعوديين والمقيمين بالسعودية «المحترفين والهواة» للمشاركة بأعمالهم الفنية الطبيعية في معرض الفن الحديث في لندن عام 2014.

ودشن المعرض الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد الله رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة الشرقية، ورودي دروموند القائم بأعمال السفارة البريطانية في الرياض، وبحضور آدريان تشادويك مدير المجلس الثقافي البريطاني في السعودية في مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية «سايتك».

ويضم المعرض 22 لوحة فنية تشكيلية، و7 صور فوتوغرافية، وأربعة أعمال نحتية، بينما يستمر المعرض في استقبال زواره على مدى شهر كامل، ويرافق برنامج متكامل يشمل محاضرات متاحة يقدمها خبراء في الفنون من بريطانيا، وكذلك ورش عمل يقيمها متخصصون بالفنون موجهة للفنانين والمعلمين السعوديين، بالإضافة إلى المسابقة الفنية التي يجريها المجلس عبر الإنترنت على مستوى السعودية.

وترمي مسابقة «من الجزيرة العربية وعنها»، التي ينظمها المجلس البريطاني بالتوازي مع المعرض إلى حفز الاستكشاف الإبداعي لمكونات المشهد الطبيعي في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وإلى إبراز التنوع والأصالة في الاستقراءات والتفسيرات الفنية المعاصرة للمشهد الطبيعي.