«متحف النسيج» بالقاهرة يروي تاريخ صناعة الملابس في مصر

يعد الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط.. والرابع عالميا

واجهة المتحف وجماليات طرازه المعماري العتيق تنعكس في لقطة ليلية و بعض مقتنيات المتحف التي تعكس تطور صناعة المنسوجات في مصر .. وجانب من حكاية النسيج بمصر
TT

يعكس «متحف النسيج» بموقعه العريق وسط القاهرة الفاطمية تاريخ صناعة المنسوجات في مصر، التي اشتهرت بها منذ عصورها القديمة، فكانت المنسوجات الكتانية والقطنية أحد المظاهر الحضارية في العصر الفرعوني، وكانت على رأس الهدايا المتبادلة بين فراعنة مصر وملوك العالم القديم. ويوضح المتحف كيف برع المصريون القدماء في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان بالإضافة إلى براعتهم في تطريز منسوجاتهم، خصوصا الملكية منها، وكان للملابس والمنسوجات أهمية كبيرة في حياتهم ابتداء من الميلاد إلى الممات، وظهرت هذه الأهمية بقوة في الحياة اليومية وفي الطقوس التي تؤدى في المعابد، حيث كان الكهنة يتميزون بزي معين وهم يؤدونها، وكان الملك يرتدي أغلى وأفخم أنواع المنسوجات. كما كان للمنسوجات دور مؤثر في المعاملات الاقتصادية، تعمقت حيويته على مر العصور بتنوع أشكال المنسوجات والملابس، التي أصبحت تعكس روح كل عصر.

ويقع متحف النسيج، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، والرابع على مستوى العالم، وسط شارع المعز بالقرب من حي «بين القصرين»، ويسترعي انتباهك مبناه العتيق ذو الواجهة الرخامية البيضاء المقوسة، ومنذ عدة سنوات كان يعرف هذا الأثر التاريخي باسم «سبيل محمد علي»، حيث بناه محمد علي الكبير كوقف خيري على روح ابنه «إسماعيل باشا» الذي توفي في السودان عام 1822، ولكنه تحول بعد عملية تجديد شارع المعز إلى متحف للنسيج المصري، يضم نماذج وقطع نسيج من مختلف العصور.

تم افتتاحه في فبراير (شباط) 2010 ليمنح زائريه عبر جولة واحدة تلخيصا شاملا عن تاريخ المنسوجات في مصر، وذلك من خلال مشاهدة المعروضات التي تتوزع في جميع غرف المبنى المكون من طابقين، وتقدر بـ450 ألف قطعة يبلغ عمرها قرونا، وتنتمي إلى عدة عصور متعاقبة: الفرعونية، والقبطية، واليونانية، والرومانية، والإسلامية، والعثمانية، وحتى العصر الحديث.

مصطفى خالد المدير المسؤول عن المتحف يوضح أنه عند إعداد المتحف تم تقسيمه إلى قاعات لتتوزع معروضاته في 11 قاعة على طابقين خصص كل منها لعصر بعينة، ويعد أكبر الأقسام الفرعوني الذي يضم تماثيل خشبية تم تلبيسها أنسجة قديمة، وتم إعداد عدد من اللوحات تبين ملامح صناعة النسيج والطرق التي كان ينظف بها المصري القديم ملابسه، بالإضافة إلى واجهة زجاجية طريفة تحتوي على عدد من غيارات الأطفال الفرعونية مصنوعة من الكتان على شكل مثلث وبجوارها الحقيبة التي كانت تحتفظ فيها الأمهات بالغيارات، وهذه القطع تم اكتشافها داخل مقبرة عائلية بمقابر العمال في دير المدينة بالأقصر وترجع إلى عصر الملكة حتشبسوت، بالإضافة إلى عرض للسرير الفرعوني القديم وبعض المفروشات المنزلية المختلفة المصنوعة من الكتان، إلى جانب لفائف من الكتان على تمثال لكاهن وأجزاء من أكفان فرعونية، وجميعها عليها كتابات باللغة الهيروغليفية.

يضيف مدير المتحف: «هذا بالإضافة إلى قاعات العصر الروماني الذي يجسد مصانع النسيج الملكية بمدينة الإسكندرية وقتها، وكانت النساء يقمن بالنسج والتطريز لإنتاج ما يحتاج إليه البلاط الملكي من أقمشة، وهناك قاعة العصر اليوناني وتحتوي على تماثيل وعينات من منسوجات قبطية مصرية تمثل القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، وهي ذات ألوان مبهجة من الأحمر والأزرق، ثم قاعة العصر الإسلامي التي تتنوع بقطع من أنسجة كتبت بالخط الكوفي وتحتوي على بعض الآيات القرآنية. وتتميز القاعة بوجود تماثيل من الشمع لتوضح صورا من مراحل إعداد النسيج. وحول ما يميز المتحف يقول مديره مصطفى خالد: «يتميز المتحف بوجود أندر قطع النسيج التي تم اختيارها بعناية من المتاحف والمواقع المصرية المختلفة، وعندما تم تحويل المكان من سبيل (محمد علي) إلى متحف للنسيج، تم استخدام أحدث وسائل العرض المتحفي التي تتضمن (شاشات عرض باللمس) لجميع العناصر التي يضمها المتحف، ابتداء بالتعريف بالسبيل سابقا حتى لا تندثر هذه المعلومة التاريخية الهامة مع الزمن، ثم خطوات الترميم، مع عرض شامل لقاعات المعرض ومحتوياتها. هذا بالإضافة إلى عرض لكل قطعة مع التعريف بها ووصف دقيق لطرق تنفيذ النسيج والأدوات المستخدمة عبر العصور مع وجود نماذج كاملة لورش صناعة النسيج وطرق الصناعة.

داخل المتحف ستلحظ الضوء الخافت بجميع قاعات العرض، وذلك لحماية المنسوجات، بالإضافة إلى أن القاعات مكيفة صيفا وشتاء بدرجة حرارة معينة لحماية المحتويات من الحرارة والرطوبة، ويعد هذا المتحف من أكثر المتاحف المجهزة حديثا في القاهرة، فقد صمم «متحف النسيج» ليكون مؤسسة علمية للنسيج، وعلى الرغم من أنه حديث عهد بالإنشاء ولم يأخذ الوقت الكافي للإعلان والتعريف عنه فإنه حرص على زيارته مجموعة من الشخصيات العالمية الشهيرة، فقد زارته السيدة بوكوفا مدير عام اليونيسكو وعدد من مديري المتاحف العالمية الذين أشادوا بالتنظيم البسيط والأنيق للمتحف، وغيرهم من شخصيات هامة في مجال الثقافة والسياسة.