كيلوغرام من لحم البقر يعادل مسيرة 1600 كلم بالسيارة

طريقة جديدة لحساب الميزان البيئي للبقر

الكيلوغرام الواحد من لحم البقر الألماني يعادل قيادة السيارة لمسافة 111 كلم
TT

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرر غاز الميثان الذي تطلقه البقر على البيئة، وعلى طبقة الأوزون بالتحديد وفي ظاهرة الاحتباس الحراري عموما، بل إن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ذكر في خطاب له أمام علماء البيئة في كيوتو مرة أن البقرة أخطر على البيئة من السيارة.

اليوم اعتمد علماء نمساويون وهولنديون طريقة جديدة لحساب الميزان البيئي للبقر تأخذ بعين الاعتبار ضرر البقر على البيئة، ليس عند إطلاق غاز الميثان فحسب، وإنما عند التغذية أيضا وما يطلقه علف البقر من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأثره على التربة والجو أيضا. وحسب طريقة الحساب الجديدة، فإن إنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر، أي ما يصلنا منه على مائدة الطعام على أنه «ستيك»، يلحق ضررا بالبيئة يعادل ضرر سيارة تمشي مسافة 1600 كم.

وواقع الحال أن هذا الميزان البيئي الخطير يصلح للحم البقر في البرازيل وليس للحم البقر في أوروبا، لكن لحوم البقر البرازيلية والأرجنتينية تنتشر في العالم أكثر من غيرها. فالبقرة الألمانية على سبيل مثال، أو لنقل بقر وسط أوروبا، لا يخل هكذا بالميزان البيئي، وحسب العلماء، فإن الكيلوغرام الواحد من لحم البقر الألماني يعادل قيادة السيارة مسافة 111 كم. والسبب هو أن الأوروبيين يربون أبقارهم داخل إسطبلات ولا يطلقونها في المروج، وهو ما يقلل خطرها على البيئة النباتية والحيوانية المجاورة.

ونشر العلماء في «المجلة الدولية لتخمين دورات الحياة» تقريرا يقول إن ضرر البقر خارج الإسطبلات هو أنه يأتي على البيئة النباتية المحيطة ويحطم بالتالي عنصرا مهما من عناصر امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو (النبات). هذا لا يعني أن الإسطبل أفضل، ولكنه يقلل ضرر تربية البقر على البيئة من ناحية تقليل المساحات التي يتغذى عليها البقر. ثم إن تربية البقر في المساحات المكشوفة أكثر «طبيعية» من الإسطبل، لكنه يجعل من البقرة جهازا بيولوجيا لإطلاق غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون معا.

الباحث كورت شميدنغر، رئيس مجموعة العمل من جامعة فيينا، قال إن إنتاج لحم البقر في الإسطبلات وصل إلى عنق الزجاجة أيضا. فتربية البقر في الإسطبلات تعني أيضا زراعة مساحات شاسعة بالعلف، واستخدام أسمدة ومضادات حيوية.. إلخ، ويحمل معه مضار تلويث الأرض والمياه الجوفية.

مع ذلك، تبقى المواد النباتية أرحم بالبيئة من المنتجات الحيوانية. وعندما وضع شميدنغر وزملاؤه مادة «توفو» النباتية الصينية في ميزانهم البيئي، توصلوا إلى أن إنتاج كيلوغرام واحد من التوفو لا يطلق غاز الميثان، لكنه يطلق 3.8 كغم من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو يعادل مسافة 19 كم بسيارة متوسطة الحجم. وهنا حسب العلماء أيضا كميات الأسمدة المستخدمة، وعمليات الحصاد والنقل ومن ثم التحضير والإنتاج.

الدواجن، خصوصا الدجاج، لا يطلق الكثير من الميثان كناتج لعملية التغذية لدى الحيوان، لكنه يؤدي إلى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون. وحسب العلماء، فإن وصول كيلو من لحم الدجاج إلى مائدة الطعام يطلق 6.4 كغم من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل مسيرة 31 كم بالسيارة. ومن جديد، فإن طريقة تربية الدجاج في المزارع المفتوحة، وليس في الأقفاص الضيقة، هي طريقة أكثر طبيعية وأكثر «إنسانية»، ولكنها تؤدي إلى تلوث بيئي أكبر.

العلماء الألمان يرون أن التركيز في السنوات الأخيرة على أضرار البقر، وتصوير البقرة على أنها ملوث البيئة رقم واحد، ليس أكثر من محاولة للتمويه على الملوث الحقيقي للبيئة، وهو الإنسان. إذ حسب علماء دائرة البيئة الاتحادية أن البقر في ألمانيا مسؤول بنسبة 1.82 في المائة من التلوث الذي يجري رصده سنويا. ولا يجوز، من خلال هذه النسبة التي تقل عن 2 في المائة، تحميل البقر ما يرتكبه البشر. وتشير دراسات الأمم المتحدة إلى أن كميات غاز الميثان في الكرة الأرضية تضاعفت خلال الـ800 ألف سنة الماضية، وطبيعي، فإن البقر ليس مسؤولا عن هذه الظاهرة وإنما البشر.

تطلق البقرة الواحدة يوميا 235 لترا من غاز الميثان، وهذا الغاز أخطر من غاز ثاني أكسيد الكربون حسب تقدير العلماء. ويقول الدكتور مارتن هايمان، من معهد «ماكس بلانك» المعروف، إن غاز الميثان أخطر على البيئة 21 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. هذا لأن جزيئة الميثان تمتص الحرارة وتطلقها أكثر وأبطأ من جزيئة ثاني أكسيد الكربون، ولكن الميثان أخطر بكثير لولا أن حياته في الجو أقصر بكثير من حياة الغاز الآخر.

ويضيف هايمان أن رقم 21 أصبح ثابتا في المقاييس البيئية العلمية، وتم تبنيه من قبل العلماء في المؤتمر الدولي حول تلوث البيئة. وهذا يعني أن الطن الواحد من الميثان يعادل ضرر 21 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون. ولهذا يحسب «معهد المصادر الدوليWRI » مسؤولية الميثان بنسبة 14 في المائة عن التلوث البيئي وظاهرة الاحتباس الحراري.

يذكر أن دائرة البيئة في ألمانيا رحبت عام 2006 بمقترح يفرض على المزارعين تزويد أبقارهم بـ«فلترات» لترشيح غاز الميثان كما هي الحال في فلترات السيارات التي ترشح غاز ثاني أكسيد الكربون وجزيئات السخام. وذكرت دائرة البيئة آنذاك أنه إذا كان احتراق اللتر الواحد من بنزين السيارة يطلق 1000 لتر من غاز ثاني أكسيد الكربون، فإن البقرة الواحدة «غير المفلترة» تطلق 150 - 250 لترا من غاز الميثان كل يوم.

وذكر الباحث ديتر آدم أن فكرة المشروع تستند إلى حقيقة أن الأبقار يقل إطلاقها للميثان كلما زاد إنتاجها من الحليب. وهذا يعني أنه سيجري خلط علف الأبقار بمواد مضادة للغازات، وذلك بمثابة «فلتر» ضد الميثان، تعمل في الوقت ذاته على تحسين إنتاج الحليب. وسبق للحكومة الأسترالية أن فرضت «ضريبة الميثان» على مزارعيها عام 2003 بعد دراسة علمية أثبتت أن 50 في المائة من غاز الميثان الذي يوسع ثقب الأوزون يتسرب من «ثقوب» القنوات الهضمية عند البقر. إلا أن الحكومة تراجعت عن «ضريبة الميثان»، ويطلق عليها أيضا «ضريبة الريح»، بعد حركة احتجاجات قادها المزارعون ضد القرار.

وعلى أية حال، يسجل لدائرة البيئة الاتحادية في ألمانيا، أنها نجحت، من خلال جملة تدابير، في خفض إطلاق غاز الميثان في ألمانيا إلى النصف منذ عام 1994. و ينبعث نحو 80 مليون طن من غاز الميثان في الجو كل عام بسبب هضم الحيوانات على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكمية إلى 128 مليون طن بحلول عام 2030.