إمبراطورة الليل الباريسي تبيع ثيابها الاستعراضية في المزاد العلني

هيلين مارتيني ربحت في اليانصيب وتزوجت جاسوسا سوريا واشترت الـ«فولي بيرجير»

القطع المعروضة للبيع من مقتنيات هيلين مارتيني إمبراطورة الليل في باريس والذهاب إلى الـ«فولي بيرجير» والاستماع إلى الأغنيات الهامسة القديمة ومشاهدة رقصة «الكانكان» التي تحولت إلى مجرد تراث أشياء يطلبها السياح الأميركيون المسنون
TT

تلقى مرتادو الليالي الباريسية بشيء من الأسى خبر المزاد الذي يقام اليوم وغدا على 6 آلاف ثوب من ثياب مسرح الـ«فولي بيرجير»، أحد أبرز عناوين السهر في عاصمة النور التي لا يُعرف ليلها من نهارها. إنه تاريخ عمره قرن من الزمان يتبعثر بين المزايدين في ساعات قلائل، بعد أن اكتظت المخازن بأكوام منها.

يجري المزاد في قصر برونيار في باريس، وبإشراف وكيل متخصص في هذا النوع من التصفيات. وتأتي القطع المعروضة للبيع من مقتنيات هيلين مارتيني «إمبراطورة الليل». فهذه المديرة المتقاعدة أشرفت منذ أواسط سبعينات القرن الماضي على الملهى ذي الشهرة العالمية الذي يقدم استعراضا ليليا يشترك فيه أكثر من 170 شخصا. وهي كانت تحتفظ في قصرها التاريخي الذي تملكه في «سارفون»، غير بعيد عن باريس، بصناديق لا تحصى من الأزياء المسرحية والقبعات والأحذية وأوشحة الريش الملون التي تسترت بها «عصفورات الفولي بيرجير» وهن يؤدين، آلاف المرات، وليلة بعد ليلة، رقصة «الكانكان» الفرنسية التي يأتي سياح من كل بقاع الدنيا للفرجة عليها واستعادة أجواء السنوات الباريسية المجنونة، بين الحربين.

وكانت مخزونات غيرها قد تكدست في المسكن الذي تقيم فيه مارتيني في حي «بيغال» والملاصق لمسرحها. ولم يعد في مقدور السيدة العجوز الرقاد فوق أكداس الذكريات. لذلك جاءت فكرة بيعها في مزاد علني يسمح لكل من يريد باقتناء قطعة من ذلك التاريخ الراقص والملون الذي نسجته أيدي خياطات وطرازات وعمال مهرة شابت رؤوسهم وما عاد هناك من يتقن مهنتهم. إن الذوق الفني كله تغير، ومن الصعب إقناع شباب اليوم بالذهاب إلى الـ«فولي بيرجير» والاستماع إلى الأغنيات الهامسة القديمة أو التمتع برقصة «الكانكان» التي تحولت إلى مجرد تراث يطلبه السياح الأميركيون المسنون.

ومن يطالع دليل المزاد ويقرأ الأسعار التقديرية يجد أن في إمكان هواة العاديات اقتناء مروحة من ريش الطاووس مقابل 20 يورو، لا غير. أما الفساتين التي تشبه ثياب «سندريلا» فتحتاج إلى شابات رشيقات مثل أعواد القصب لكي ينحشرن فيها. وهناك لوحات رسمها لتزيين المسرح الفنان «آرتيه» المولود في القرن التاسع عشر والمتوفى عام 1990، وهذه يمكن أن تباع بمبالغ تتراوح بين 500 و2000 يورو.

تقول الحكاية إن بول درفال، الذي تسلم إدارة المسرح في عام 1918، وضع قاعدة تقضي بأن يتألف اسم كل استعراض يقدم فيه من 13 حرفا مع ضرورة وجود لفظة «فولي» في العنوان، وتعني الهوس أو الجنون. لقد استمر درفال في منصبه لنصف قرن من الزمان، وفي صيف 1974 جاءت هيلين مارتيني، التي يتألف اسمها من 13 حرفا حين يكتب بالفرنسية، لتتولى إدارة المكان. وهي فرنسية هاجر والدها إلى بولونيا وفقدت كل أقاربها أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب عادت إلى باريس وعملت في حرف يدوية كالخياطة والرسم لحين العثور على عمل بسيط في الـ«فولي بيرجير».

وفي ضربة حظ، ربحت العاملة الفقيرة 3 ملايين فرنك في اليانصيب الوطني. وفي تلك الفترة تعرفت على زوجها نشأت مارتيني، وهو محام سوري وأستاذ في القانون، ويقال إنه كان جاسوسا، أيضا، اضطر للهرب إلى فرنسا أواخر أربعينات القرن الماضي حيث اشترى أكثر من ملهى في «بيغال». وقد طلب من هيلين الاهتمام بأزياء الاستعراضات وتصاميم الرقصات في الملاهي التي كان يملكها. وبعد وفاته عام 1960 توجت الأرملة الطروب إمبراطورة للسهر في باريس، واشترت الـ«فولي بيرجير» ولم تبعه حتى العام الماضي، حيث تحول إلى ملكية مجموعة «لاغاردير» الاستثمارية.