ما الذي يؤدي إلى النجاح في الحياة؟

الذكاء الأكاديمي لم يعد كافيا بمفرده لصناعته ولا بد من الذكاء العاطفي والاجتماعي

الذكاء الاجتماعي
TT

ما الذي يؤدي إلى النجاح في الحياة ويسهم في صناعته؟ سؤال قد يجيب عنه الكثير بالقول إن الذكاء الأكاديمي هو العامل الأساسي المسؤول عن صناعة النجاح، لكن هناك كثير من الدراسات والأبحاث في الآونة الأخيرة، تؤكد على أن هذا النوع من الذكاء لا يسهم بمفرده وليس كافيا في صناعة النجاح، وإنما أيضا توافر عوامل أخرى ذات أهمية.

في مقال بمجلة «علم النفس اليوم» عدد 5 مارس (آذار) الماضي، للبروفسور الأميركي رونالد ريجيو، أستاذ القيادة وعلم النفس التنظيمي، بعنوان «لماذا لا يؤدي الذكاء بمفرده إلى النجاح؟»، يقول فيه إن هناك في الحياة الكثير من الأشخاص الأذكياء جدا، اللامعين والبارزين، إلا أن هذا الذكاء قد يروغ ويتملص منهم ويخونهم في كثير من الأحيان.

ويشير إلى مفهوم «الذكاء الناجح» الذي ناقشه عالم النفس الأميركي، روبرت ستيرنبورغ، في كتابه بعنوان «الذكاء الناجح» عام 1997، الذي قال فيه إن وجود ارتفاع في معدل الذكاء العقلي لدى الفرد (IQ)، ليس كافيا للنجاح، فالأفراد الناجحون ليسوا فقط بحاجة إلى الاعتراف والاستفادة من نقاط القوة لديهم، وإنما أيضا بحاجة إلى تصحيح أو تعويض نقاط ضعفهم، فهناك كثير من القادة البارزين، فشلوا بسبب عدم قدرتهم على الاعتراف بأخطائهم وتغيير مسار عملهم، أو لأنهم غير قادرين على كسب ثقة الآخرين وطلب المساعدة أو تفويض المهام للآخرين، فالذكاء الأكاديمي ليس كافيا للنجاح، وإنما هناك شكلان آخران للذكاء مهمان للنجاح، هما: الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي، فهناك الكثير من أصحاب البرامج التلفزيونية الجماهيرية الشهيرة وكذلك علماء لامعون، ممن لديهم نسبة ذكاء مرتفعة (IQ)، ولكن تقريبا لا يتوافر لديهم الذكاء الاجتماعي والمهارات الاجتماعية، أو لديهم نقص في الذكاء العاطفي الذي يتيح السيطرة على انفعالاتهم ومشاعرهم.

ويشير ستيرنبورغ، إلى أن الذكاء الخلاق المبدع، الذي يجعل الأفراد ناجحين، يتمثل في القدرة على ابتكار أو خلق شيء جديد من التفكير خارج الصندوق (outside the box) أو القدرة على تبني فكرة جيدة وتحويلها إلى فكرة عظيمة. ويخلص رونالد ريجيو بالقول إن هناك أشكالا كثيرة من الذكاء، ولكن واحدة بمفردها قد لا تؤدي إلى النجاح، فالمفتاح الرئيسي للنجاح هو معرفة نقاط القوة لديك، وأيضا إدراك نقاط الضعف ومعرفة كيفية تعويضها.

يقول علماء النفس إن الذكاء العاطفي أو الوجداني أو الانفعالي (Emotional Intelligence)، يمكن أن يساعد في إدارة تفكيرنا وتحسين سلوكياتنا في العمل وفي حياتنا الشخصية اليومية، وإن معدل الذكاء العاطفي(EQ) أكثر أهمية من الذكاء العقلي (IQ).

يقول عالم النفس الأميركي دانييل غولمان، مؤلف كتابه الشهير «الذكاء العاطفي» عام 1995، إن الذكاء الأكاديمي ليس له سوى علاقة قليلة ومحدودة بالحياة الانفعالية. فالشخص اللامع صاحب مستوى الذكاء المرتفع، قد يفشل ويخفق في حياته بسبب عدم قدرته على السيطرة على انفعالاته واندفاعاته الجامحة، وقد يفتقر إلى القدرة على تسيير حياته الشخصية.

ويشير غولمان إلى أنه، من بين الأمور المعروفة في مجال علم النفس، ذلك القصور النسبي في مقاييس درجات معامل الذكاء (IQ) أو اختبار الاستعداد الدراسي (سات) (Scholastic Aptitude Test/SAT)، فعلى الرغم من شعبيتها وشهرتها، فإنها تعجز عن التنبؤ من دون خطأ بمن سوف ينجح في الحياة. هناك بالتأكيد علاقة بين معامل الذكاء وظروف الحياة بالنسبة لمجموعة كبيرة من الأفراد عموما، ذلك لأن كثيرا من الأفراد أصحاب معامل الذكاء المنخفض، ينتهي بهم المطاف إلى شغل وظائف متواضعة، بينما الأفراد أصحاب معدل الذكاء المرتفع، يميلون للحصول على وظائف ذات أجور مرتفعة، لكن هذه الأوضاع لا تظل ثابتة على الدوام.

وفي مقال لمارتن نيومان، بعنوان «القيادة والذكاء العاطفي: عقد من الاكتشاف والأسئلة الأساسية لمديري الموارد البشرية»، في عدد 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، من المجلة البريطانية للموارد البشرية (Human Resources/HR)، وموقعها الإلكتروني (www.hrmagazine.co.uk)، يقول إندرو همفريز، مستشار الحكومة البريطانية لبرنامج رواد الأعمال، الذي كان متحدثا في قمة «القيادة والذكاء العاطفي» التي عقدت في لندن في 9 مارس (آذار) الماضي، للتعرف على كيف يمكن للمؤسسات تحديد وقياس وتطوير سلوكيات القيادة الناجحة بصورة أكثر فعالية، إن هناك ضرورة إلى بناء مهارات الذكاء العاطفي من أجل المستقبل، وأهمية إدراجها في نظم التعليم، وهو على قناعة بأن الأفراد القادرين اجتماعيا وعاطفيا، هم أكثر إنتاجية ويمكن أن يساعدوا على المنافسة في الاقتصاد العالمي، ويقول همفريز إن «تقديم مهارات الذكاء العاطفي للجيل المقبل، سيكون حاسما بالنسبة لمستقبل العمل».

والسؤال المطروح هو: ما العوامل التي يمكن أن تؤدي لتحقيق النجاح؟

يقول خبير النجاح ريتشارد جون، صاحب الكتاب الأكثر مبيعا الصادر عام 2007، بعنوان «8 صفات لكي تكون عظيما وتؤدي إلى النجاح الكبير»، إن هناك 8 أسرار وعوامل للنجاح، هي: الشغف والحب للشيء الذي تؤديه وتعمله (passion)، والعمل بجدية (work)، وأن تكون جيدا فيما تؤديه وتعمله (good)، والتركيز فيما تقوم به (focus)، وأن تدفع نفسك جسديا وبدنيا فيما تؤديه (push)، وأن تكون خدمة الآخرين لها قيمة لديك (serve)، والحرص على الأفكار (ideas) بما تتضمنه من حسن الاستماع والملاحظة وحب الاستطلاع والتساؤل وحل المشكلات وإيجاد روابط وصلات، والمثابرة والإصرار والاستمرار لتحقيق ما تريد (persist).

وتجدر الإشارة إلى أنه أمضى 10 سنوات في البحث عن النجاح وأسراره، وأجرى أكثر من 500 مقابلة مع كثير من الناجحين والعظماء اللامعين في الكثير من مجالات الحياة المختلفة، كما أنه عندما ألقى محاضرة بعنوان «8 أسرار للنجاح» في عام 2005، ضمن سلسلة مؤتمرات «تيد» الأميركية الشهيرة التي تقام في كاليفورنيا، وتبث مجانا على شبكة الإنترنت (www.ted.com)، وتعنى بنشر الأفكار والإنجازات الخلاقة والمبدعة حول العالم في الكثير من المجالات، والتي تستحق التقدير والاهتمام والانتشار، كانت محاضرته ضمن قائمة أعلى 20 محاضرة أكثر مشاهدة، من أصل 700 محاضرة عظيمة.

في كتاب صادر حديثا، خلال شهر مايو (أيار) الماضي، للصحافي الأميركي ريك نيومان في «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت»، بعنوان «المتحولون: كيف يمكن للفائزين تحويل الانتكاسة إلى نجاح»، يشير فيه إلى أن الانتكاسات والفشل وسوء الحظ من الأمور واردة الحدوث دائما في الحياة اليومية، ويمكن أن تكون منطلقا نحو تحقيق نجاحات وإنجازات رائعة، وذلك من خلال مواجهة هذه الأمور وكيفية الرد عليها.

والكتاب يتناول بالفحص والدراسة صعود وهبوط وصعود مرة أخرى بعض الشخصيات الناجحة بهدف إزالة الجوانب الغامضة في أسباب نجاحهم، وأشار إلى أن أي شخص يمكنه تحسين قدرته على التكيف والوصول إلى الأفضل نحو تحويل محنته وانتكاسته إلى نجاح وإنجاز عظيم،. ويحدد الكتاب قواعد جديدة للنجاح ومؤهلات وأدوات يحتاجها الفرد لتحقيق التقدم والازدهار، حيث حدد نيومان 9 صفات رئيسية موجودة لدى هؤلاء الأشخاص الذين أمكنهم تحويل الانتكاسة إلى خطوة أولى نحو الإنجاز العظيم.

فمن خلال استعراضه لقصص نجاحات ازدهرت في وقت متأخر، يشير نيومان إلى تفاصيل عن الصفات التي سمحت لهم بتحويل الانتكاسات إلى نجاحات وإنجازات، ويقول إن هناك أربع صفات أساسية هي: أن يكون لدى الفرد القدرة على التغلب على الصعاب ومواجهتها، وهي قدرة يمكن بناؤها وتحسينها، وتساعدنا على التعامل بفعالية أكبر مع الانتكاسات التي تحدث والتعافي بشكل أسرع، وأن نكون أكثر راحة عند الأخذ بعنصر المخاطرة. كما أن النجاح الحقيقي قد يستغرق وقتا طويلا، ونحن نحب فكرة الطرق المختصرة، لكن بالنسبة للأشخاص الأكثر طموحا يكون لديهم فكرة التعلم مدى الحياة، حتى تأتي إليهم الأفكار المناسبة التي تمكنهم من التغلب على التحديات وتحقيق ما يريدون، وهناك أهمية للاعتراف بالفشل ووضع العواطف جانبا وتحليل ما حدث من أخطاء وتطبيق ما تم تعلمه عن كيفية التحول من الانتكاسة للوصول إلى الأفضل، كما يجب أن لا نبالغ في التفاؤل ولا نتوقع أن يسير كل شيء على ما يرام، فيجب الاستعداد لإمكانية حدوث أخطاء، وذلك للسيطرة عليها في الوقت المناسب.