زجاج قوي للبناء من ألمانيا

يتحمل وزن 750 كيلوغراما ويصمد أمام الهزات الأرضية

قبة مبنى البرلمان الألماني الزجاجية من الداخل
TT

منذ 3 عقود أو أكثر يميل المهندسون في الولايات المتحدة والغرب، إلى استبدال الزجاج والألمنيوم بالإسمنت الثقيل، في بناء العمارات العالية. وعلى هذا الأساس يمكن لنوع جديد من الزجاج، من إنتاج شركة «سانت – غوبين» الألمانية، أن يكون بديلا حديثا ومتينا للإسمنت بحكم خواصه الفيزيائية المتميزة.

وتقول مصادر الشركة إنها نجحت في إنتاج زجاج قوي جدا، غير قابل للخدش بسهولة، ويقل وزنه عن الزجاج التقليدي بنسبة 20 في المائة. ويبدو أن تركيبة الزجاج الجديدة اقترحها مهندسون أميركيون، استخدموا فيها تقنيات هندية قديمة مستمدة من جنوب أميركا، وتولى فرع الشركة في ألمانيا تنفيذ المشروع.

ويفترض أن يكون المتر المربع الواحد من اللوح الاعتيادي من الزجاجي الجديد قادرا على تحمل ثقل 750 كيلوغراما دون أن ينكسر. والمهم أيضا أنه يصلح لبناء ناطحات السحاب والمباني العالية، لأن هزة أرضية بقوة 7 درجات بمقياس ريختر غير قادرة على تحطيمه، حسب مصادر شركة «سانت غوبين». فضلا عن ذلك فقد تمت في المختبر تجربته ضد قوة الريح فأثبت أنه يتحمل تيارات هواء تبلغ سرعتها 160 كيلومترا/ ساعة.

تمكن العلماء الألمان أيضا من إنتاج نوع من هذا الزجاج يتحمل الإشعاعات فوق البنفسجية، ناهيكم من إنتاجه بمختلف القياسات والسمك، وبمختلف الألوان، وهذا يجعله صالحا أيضا لبناء الممرات والسطوح الزجاجية العالية للأغراض السياحية كما هو الحال مع ما يسمى الـ«سكاي ووك». وأشارت الشركة إلى أن مبنى «كولون تراينغل»، الذي يرتفع إلى 102 متر، تم بناؤه من الجيل الأول من هذا الزجاج عام 2006. مع ملاحظة أنه كان من المقرر أن ترتفع هذه البناية إلى نحو 150 مترا، إلا أن منظمة اليونيسكو رفضت بناء عمارة في المدينة ترتفع إلى مستوى كاتدرائية كولون الشهيرة (الدوم)، التي ترتفع 157.50 متر.

الفارق بين الزجاج الجديد وزجاج مبنى «كولون تراينغل» هو أنه أخف وزنا بنسبة 20 في المائة، وأكثر متانة ومرونة. ويعود سر الزجاج القوي، والخفيف في آن، إلى بنيته التي تتخللها الفقاعات الهوائية الصغيرة. ويتوقع مهندسو الشركة الألمانية مستقبلا كبيرا للزجاج الجديد في البناء كمادة بديلة عن الإسمنت والحديد. كما أن تحضيره أسهل وتحت درجات حرارة أقل، وهذا يعني الاقتصاد بالطاقة وفي انبعاث المواد المضرة بالبيئة. علما بأن آخر تقرير لاتحاد منتجي الزجاج في ألمانيا عام 2010 يكشف أن ألمانيا أنتجت 2.2 مليون طن من الزجاج التقليدي في ذلك العام، ويستخدم غالبيته في صناعة الشبابيك وزجاج السيارات.

بيرنهارد فيللر، من معهد البناء التركيبي في جامعة دريسدن التقنية (شرق)، يرى أن إنتاج مثل هذا الزجاج سيجعل الحياة في المدن الكبيرة أجمل وأكثر شفافية. وأشار إلى تقنيات جديدة يمكن أن تضيف إلى هذا الزجاج الكثير من عناصر الحداثة المعمارية. فهناك اليوم زجاج لا تستقر عليه الأوساخ ولا ذرات السخام والغبار، وهناك زجاج مطلي بطبقة شفافة من بوليمرات الفضة تسمح بمرور أشعة الشمس، لكنها تمنع تسرب الحرارة من الأبنية. هذا فضلا عن الزجاج الذي يحمي من الحريق بفضل شرائح دقيقة من المواد العازلة للنار في داخله.

الباحثون من معهد فراونهوفر الألماني لأبحاث المواد تمكنوا قبل سنة من إنتاج زجاج مضبب يمكن أن يتحول إلى زجاج شفاف بلمسة زر. ويجري حاليا تزويد قطارات «إنتر سيتي إكسبريس»، من الجيل الثالث، بمثل هذا الزجاج في أماكن محددة، بينها الجدار الفاصل بين عربة القيادة وعربات الضيوف. والزجاج عبارة عن ساندويتش من شريحتين زجاجيتين بينهما مادة كريستالية مضببة. يرتبط الزجاج بسلك كهربائي مخفي يستخدم تيارا كهربائيا ضعيفا جدا، لكنه كفيل، بلمسة زر واحدة، بتحويل المادة الكريستالية المضببة إلى طبقة سائلة شفافة.

على مسار متواز يعمل علماء معهد ماكس بلانك الألماني من مدينة لايبزغ (شرق) منذ عدة سنوات على إنتاج زجاج يبتلع الضجيج. ويركز علماء «ماكس بلانك» على تطوير كريستال ملتهم للضجيج في محاولة لتجنيب الإنسان مضاعفات التعرض إلى الضجيج، التي تمتد بين ضعف السمع وأمراض القلب والدورة الدموية والصداع. ويطلق العلماء على الكريستال الخاص اسم «الفوتونوكريستال»، بالعلاقة مع الفوتونات التي تعتبر أصغر وحدات الصوت المتنقل بالترددات. وذكر علماء ماكس بلانك أن الكريستال الجديد يمنع دخول ضجيج الآلات، لكنه يسمح بدخول الأصوات اللطيفة مثل تغريد الطيور.

ويتمتع الكريستال الفوتوني بخاصية أخرى هامة للإنسان وهي قدرته العالية على امتصاص الحرارة. وقد يفكر العلماء في هذا الاتجاه أيضا لولا أن سعر هذا النوع من المادة لا يزال عاليا جدا. ويعتقد العلماء في البداية بإمكانية إنتاج شرائح لاصقة، أو زجاج خفيف، من الكريستال الفوتوني بغية حماية المنازل من الضجيج.

جدير بالذكر أن عملية تحضير الزجاج الأساسية ما زالت نفسها منذ آلاف السنين. وهناك لوح طيني يعود إلى عصر آشور بانيبال (670 قبل الميلاد)، في نينوى، يسرد طريقة تحضير الزجاج من 60 جزءا من رمل الكوارتز، 180 جزئا من رماد أعشاب البحر و5 أجزاء من الطباشير.