تدشين مسجد سان أتيان في جنوب شرقي فرنسا

ستتبعه مساجد أخرى في النورماندي وشمال باريس وستراسبورغ

جهود حثيثة من مسلمي فرنسا لتشييد المساجد («الشرق الأوسط»)
TT

دشن أمس في مدينة سان أتيان (جنوب شرقي فرنسا) مسجد محمد السادس الكبير بحضور وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي محمد توفيق ممثلا ملك المغرب محمد السادس وعمدة المدينة موريس فانسان ورئيس المجلس الإقليمي جان جاك كيران ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موساوي ورئيس جمعية المسجد العربي مرشيش وممثلين عن الديانتين المسيحية واليهودية والهيئات الحكومية والمجالس المحلية ومئات من المسلين من المدينة والمناطق. ويعيش في سان أتيان ومنطقتها 50 ألف مسلم غالبيتهم العظمى من دول المغرب العربي.

وجاء احتفال الأمس تتويجا لمشروع انطلق منذ عشرين عاما فيما بدأت الأشغال الفعلية منذ سبع سنوات. وتأخر إنجازه بسبب نقص التمويل ما حمل الجمعية للتوجه إلى ملك المغرب الذي تبرع بمبلغ 5 ملايين يورو.

ويأتي هذا الإنجاز في إطار جهود المسلمين الحثيثة لتشييد أماكن العبادة اللائقة. وسيدشن الأسبوع القادم مسجد في مدينة ألونسون (منطقة النورماندي) يليه تدشين مسجد في مدينة سيرجي بونتواز (شمال باريس) في شهر يوليو (تموز).

أما الحدث الأهم فسيتم في شهر سبتمبر (أيلول) حيث سيتم تدشين مسجد ستراسبورغ (شرق فرنسا) الكبير. كذلك، فإن محكمة الاستئناف في مدينة مرسيليا أعطت، أمس، الضوء الأخضر للبدء ببناء مسجد مرسيليا الكبير. غير أن المسؤولين عن المشروع يتخوفون من عزم معارضيه من التوجه إلى محكمة التمييز ما سيفضي إلى تأخير إضافي للمباشرة به.

وكان الإسلام أحد المواضيع «الساخنة» التي أثارت جدلا واسعا إبان الحملة الانتخابية الرئاسية لجهة موقع الإسلام في المجتمع الفرنسي والتقاليد الإسلامية مثل استهلاك اللحم الحلال والعلاقة بالهوية الفرنسية.... ولفت الأنظار تبني الرئيس ساركوزي ومعه اليمين التقليدي بعض طروحات اليمين المتطرف الذي جعل من الإسلام أحد مواد دعايته الانتخابية.

وفي الكلمة التي ألقاها والتصريحات اللاحقة، دافع الوزير المغربي عن رؤيته للإسلام المعتدل «الوسطي» الذي «يحترم المعايير في البلد الذي يعيش فيه» فضلا عن «تواؤمه» مع القيم السائدة. وشدد أحمد توفيق على أن المسجد هو «لكل المسلمين لا بل إنه مكان عبادة لكل المؤمنين إلى أي ديانة انتموا».

وتمثل كلمات الوزير المغربي ردا على من يحذر في فرنسا من الإسلام الراديكالي لا بل من الإرهاب الإسلامي عبر الترويج لإسلام هادئ ومنسجم مع المحيط الذي يعيش فيه.

من جانبه، رأى محمد موساوي في حدث الأمس إنجازا ما كان ليتم لولا التعاون الوثيق بين السلطات المحلية ومروجي المشروع وترجمة للحوار البناء والصافي بين الجالية الإسلامية والسلطات العامة الفرنسية. ولم يفته التنويه بأنه انعكاس لاستمرار العلاقات الوثيقة بين مسلمي فرنسا وبلدانهم الأصلية خصوصا البلدان المغاربية مشيدا بدور ملك المغرب في إتمام الإنجاز ورعايته.

وعرض رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية حالة أماكن العبادة الإسلامية في فرنسا محصيا 2300 منها لما مجموعه خمسة ملايين مسلم. وبحسب موساوي، فإن 4% فقط منها تزيد مساحته على ألف متر مربع فيما تبلغ المساحة الإجمالية 300 ألف متر مربع بينما الحد الأدنى المطلوب للمؤمنين الذين يرتادون أماكن العبادة للصلاة يجب أن يكون بحدود 850 ألف متر مربع.

وجاءت كلمة محافظة منطقة اللوار فابيان بوكيو صدى لما قاله مسؤولو الجالية الإسلامية حيث رأت في إنجاز المسجد «ليس فقط مفخرة للمسلمين وإنما أيضا لمدينة سان أتيان ولتراثها المعماري وانعكاسا لصورتها كمدينة جامعة متعددة الثقافات وعالمية القيم». وأكدت ممثلة الحكومة، ردا على مخاوف المسلمين الذين يشتكون دوريا من صعوبة عثورهم على الموقع الذي يستحقونه في المجتمع الفرنسي على أن للإسلام «المكان الذي يستحقه في الحوار المؤسساتي الذي تقيمه الدولة مع الديانات» المتواجدة في فرنسا.

وفي حديثه عن المبادئ «الجمهورية» التي تحكم العلاقة بين المواطن والدولة، أشار موريس فانسان، عمدة مدينة سان أتيان وعضو مجلس الشيوخ إلى الأخوة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المصدر وإلى مبدأ العلمانية الذي يحكم العلاقة بين الدولة والأديان ويفصل بين ما هو خاص وما هو عام. كذلك أشار العمدة إلى محاربة مدينته لكل أشكال التمييز العنصري أو الطائفي، مذكرا مع ذلك بأن حرية العبادة يجب أن تتوافق مع المحافظة على النظام العام واحترام الآخرين.

غير أن هذه التصريحات على أهميتها تبقى، بشكل عام، على صعيد المبادئ، بينما الممارسة اليومية تختلف كثيرا عن ذلك إذ يعاني المهاجرون على اختلاف مشاربهم من معاملات تمييزية إن على صعيد المدرسة أو العمل أو السكن، فضلا عن استهدافهم كمجموعة من قبل اليمين المتطرف وبعض اليمين التقليدي كما حصل في الأشهر، لا بل السنوات، الأخيرة.