مشروع «بلوسومز» في التربية العلمية.. ومعلمون بلا حدود

تشارك فيه السعودية وأنتجت بموجبه 20 فيديو تعليميا مرئيا تفاعليا

لم تعد النظرة العالمية للتربية العلمية وتدريس العلوم، قاصرة على حفظ وتلقين المعارف العلمية والتكنولوجية، للأفراد والطلبة، بل إظهار الدور الوظيفي للعلوم والتكنولوجيا في حياة الفرد والمجتمع
TT

تعد التربية العلمية، من بين القضايا التربوية العالمية الملحة، التي تحظى حاليا باهتمامات وأولويات متزايدة من الحكومات والمؤسسات في الكثير من دول العالم، ضمن برامج الإصلاح والتطوير التربوي، وبخاصة مع التغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، وذلك لإدراك هذه الدول، لأهمية تربية وإعداد الطلبة والمواطنين، إعدادا علميا مناسبا، لملاحقة هذه التطورات والتغيرات، التي أصبحت تدخل الآن في جميع مجالات الحياة اليومية لكل فرد.

والتربية العلمية (Science Education) تعني في أبسط معانيها، فهم الفرد حقائق ومبادئ ومفاهيم ونظريات العلم الأساسية المهمة والحيوية التي تغطي نطاقا واسعا من الخبرات البشرية، فهما وظيفيا يساعده على التعامل مع البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه، وإيجاد حلول للمشكلات التي تعترضه، أي فهم العلاقات المتبادلة والمتداخلة بين العلوم والتكنولوجيا وآثارها على حياتنا والمجتمع، وكذلك إمكانية متابعة الفرد وفهمه للتطورات العلمية الحادثة والقضايا العلمية المثارة على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، وبذلك تؤكد التربية العلمية على أهمية إتاحة العلم للجميع (Science for all)، وبالقدر الذي يتناسب مع مستوياتهم العمرية والتعليمية، بهدف إعداد الفرد المتنور علميا الذي يتصف بالكفاءة والفاعلية في المجتمع.

ويرتبط بمصطلح التربية العلمية الكثير من المفاهيم ذات الأهمية، من قبيل: التنوير العلمي، والثقافة العلمية، والوعي العلمي. ويعد «التنوير أو التنور العلمي» (Scientific Literacy)، أحد الأهداف المهمة للتربية العلمية، ويعني أن يمتلك كل فرد قدرا مناسبا وأساسيا من المعارف والمهارات العلمية، التي تمكنه من التعامل والتفاعل جيدا مع أنشطة ومجالات الحياة اليومية، فالفرد والطالب المتنور علميا، لديه القدرة على استخدام وتوظيف المعرفة العلمية واستخلاص النتائج القائمة على الأدلة والبراهين، من أجل المساعدة على تقييم القضايا والمشكلات الناشئة واتخاذ القرارات وفهم التغيرات الحادثة في مختلف أنماط الحياة اليومية والأنشطة البشرية، بهدف تحسين نوعية الحياة، فالتنور العلمي يتضمن: قدرة الفرد على معرفة وفهم المفاهيم والعمليات العلمية اللازمة للمشاركة الفاعلة في المجتمع، والقدرة على طرح الأسئلة وتحديد الأجوبة عليها من خلال حب استطلاعه وفضوله العلمي، وأيضا وصف وشرح والتنبؤ بالظواهر الطبيعية، والقدرة على قراءة وفهم المواد العلمية التي تطرح في الصحافة الشعبية الموجهة لعامة الجمهور والدخول في حوارات مجتمعية جادة حول صحة الاستنتاجات والتقييم النقدي حول الادعاءات والقضايا الواردة في العلم، وتحديد القضايا العلمية الكامنة وراء القرارات المحلية والوطنية، والتعبير عن مواقفه الصريحة تجاه القضايا العلمية والتكنولوجية المعلنة، وكذلك قدرة الفرد على تقييم نوعية وجودة المعلومات العلمية على أساس مصدرها والأساليب المستخدمة لإنتاجها.

ولهذا، لم تعد النظرة العالمية للتربية العلمية وتدريس العلوم، قاصرة على حفظ وتلقين المعارف العلمية والتكنولوجية، للأفراد والطلبة، بل إظهار الدور الوظيفي للعلوم والتكنولوجيا في حياة الفرد والمجتمع، بهدف توظيفها في إيجاد حلول واتخاذ قرارات سليمة في مواجهة ما قد يعترضهم من مواقف ومشكلات في أنشطة الحياة اليومية، وكذلك للمشاركة الفعالة للفرد في المجتمع ومتابعة التطورات والتغيرات العلمية الحادثة محليا ووطنيا وعالميا.

ولأهمية مجال التربية العلمية، فقد صدر الكثير من التقارير العالمية حول تشخيص الأسباب والصعوبات التي تحول دون إكساب الأفراد للحد الأدنى من المعارف والمهارات العلمية اللازمة والضرورية لحياتهم الشخصية والمجتمعية، في محاولة لتغيير النظرة السطحية للأفراد والطلبة نحو العلوم والتكنولوجيا، التي أدت بهم إلى العزوف عن الاهتمام بها وبدراستها، حيث يحاول حاليا العلماء والخبراء والمهتمون بمجال التربية العلمية وتدريس العلوم، اقتراح السبل والمداخل غير التقليدية، الجمالية والجذابة والتفاعلية، الممتعة والملائمة والفعالة، نحو الاهتمام والاستمتاع بدراسة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، وربطها وظيفيا بحياة الأفراد والطلبة، للاستفادة منها في مختلف مواقف ومجالات حياتهم اليومية والمجتمعية، حتى يتم في النهاية، إعداد المواطن المتنور علميا المزود بالمهارات والمعارف العلمية الأساسية والوظيفية، التي تمكنه من خدمة نفسه وبيئته ومجتمعه.

ومن بين المشاريع العلمية العالمية الفريدة والمتميزة التي تهتم ببرامج التربية العلمية وتدريس العلوم، وتحفيز اهتمام الطلبة بدراسة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندسة، برنامج «بلوسومز» (Blossoms) الإلكتروني العالمي، والمجاني على شبكة الإنترنت، والذي يديره «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» الأميركي الشهير(MIT)، وموقعه الإلكتروني: «http://blossoms.mit.edu»، والذي يعرف بمشروع «المصادر المفتوحة للتعلم المدمج لدراسات العلوم أو الرياضيات» (Blended Learning Open Source Science Or Math Studies - Blossoms)، وترعاه مجموعة من التربويين من مختلف أنحاء العالم، الذين يرغبون في استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني عن بعد، لمساعدة بلدانهم على زيادة فرص الحصول على التعليم الجيد لأكبر عدد من الأفراد، ويتضمن المشروع مكتبة علمية مرئية تفاعلية تتضمن أكثر من 50 فيديو تعليميا مجانيا في مادة العلوم والرياضيات والهندسة، بهدف مساعدة جميع الأفراد والطلبة حول العالم، وبخاصة طلبة المرحلة الثانوية، على زيادة فرصة تعلمهم المعارف والمفاهيم والمهارات العلمية اللازمة والضرورية للنجاح والتواصل مع المجتمعات المتقدمة القائمة على المعرفة، وكذلك لتدريبهم وتحفيزهم وإكسابهم، بطريقة تفاعلية مثيرة، لمهارات التفكير العليا والمتقدمة مثل القدرة على حل المشكلات والتفكير الناقد والتفكير الإبداعي الخلاق والتفكير التخيلي، ويقوم بإنتاج هذه المواد العلمية والتعليمية نخبة من ألمع وأبرز المعلمين حول العالم. ويشترك في هذا البرنامج مع الولايات المتحدة الأميركية، الكثير من الدول والمؤسسات العلمية والتعليمية حول العالم، من بينها المملكة العربية السعودية والأردن ولبنان وباكستان.

ويعد مشروع «بلوسومز» في السعودية، الذي يدخل ضمن الشبكة الوطنية لمصادر التعلم، من بين البرامج والمبادرات الرائدة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، نحو الاهتمام بالتربية العلمية وتدريس العلوم، فضمن مشروع المصادر المفتوحة للتعليم المدمج لدراسات العلوم والرياضيات (بلوسومزMIT)، تم في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2011، عقد اتفاقية بين كل من معهد «MIT» الأميركي، ومركز الأمير سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية (سايتك - Scitech) بمدينة الخبر، و«أرامكو - السعودية»، لإنتاج 20 فيديو تعليميا مرئيا تفاعليا باللغة العربية ومستوحى من البيئة المحيطة، في مادة الرياضيات والعلوم (فيزياء وكيمياء وأحياء)، ووضعها على الموقع الإلكتروني لمعهد «MIT»، لتوسيع مدارك الطلبة والأفراد وتنمية أنماط التفكير العليا لديهم مثل التفكير النقدي والإبداعي، وكذلك لتطوير مواهبهم وزيادة رغبتهم في التعلم الذاتي والاهتمام بالعلوم والبحث العلمي وإكسابهم بالمهارات اللازمة للمشاركة في مجتمعات الاقتصاد القائم على المعرفة، وأيضا لتدريب 400 معلم ومعلمة على تطوير أساليب وممارسات تدريس العلوم والرياضيات لتحفيز مستويات التفكير العليا لدى الطلبة في أثناء العملية التعليمية.

ومن بين دروس الفيديو العلمية التعليمية الكثيرة التفاعلية المنجزة والمتاحة بالمجان باللغة العربية على الموقع (http://blossoms.mit.edu/videos)، ضمن مشروع «بلوسومز» في السعودية في مادة العلوم (أحياء وكيمياء وفيزياء) والرياضيات والهندسة، ما يلي: في الأحياء.. دروس: الجهاز الهضمي في الطيور، وصناعة البروتين، والنباتات وموارد البيئة، وداء العصر: مرض السكر، وكيف تساعد التكنولوجيا الحيوية (البيوتكنولوجي) على تنظيف البيئة. وفي الكيمياء.. دروس: تحلية المياه وعمل المخللات، والمواد البلاستيكية والروابط الكيميائية. وفي الفيزياء.. دروس: قوة الاحتكاك السكوني (الساكن) والحركي: أوجه الشبه والاختلاف، والحركة الدورانية المنتظمة والقوة الطاردة المركزية، وفيزياء سباق السيارات. وفي الرياضيات.. دروس: زمر الأرابيسك؛ حيث يلتقي الفن والرياضيات، وخوارزميات الترتيب، وهندسة الكثبان الرملية، ومسائل مدهشة: المتتاليات الحسابية والهندسية، وأنظمة العد، والتوصيل في المستوى من دون تقاطعات، وساعي البريد والطرود الـ5: حزم البيانات وسرعة نقلها، والسائقون الأنانيون: مفارقة بريس وتخطيط حركة المرور. وفي الهندسة: الصورة السحرية: التشفير والإخفاء في ملفات الصور النقطية.