لأول مرة.. إعادة برمجة خلايا جلد وتحويلها إلى خلايا دماغ

يمكن أن يؤدي للتوصل لعلاج الأمراض العصبية الانتكاسية مثل ألزهايمر

شبكة خلايا عصبية
TT

أعلن علماء في معاهد غلادستون بولاية كاليفورنيا الأميركية، عن تمكنهم ولأول مرة، من تحويل خلايا الجلد، باستخدام عامل وراثي واحد فقط، إلى خلايا تطورت من تلقاء نفسها إلى شبكة وظيفية مترابطة من خلايا الدماغ. وقد نشرت نتائج دراستهم على الموقع الإلكتروني لمجلة «سيل ستيم سيل» (Cell StemCell)، في 7 يونيو (حزيران) الحالي. ويقدم هذا البحث، أملا جديدا واعدا في مكافحة الكثير من الأمراض العصبية، حيث يتوقع العلماء أن يؤدي مثل هذا التحول أو إعادة البرمجة للخلايا، إلى التوصل إلى أفضل النماذج لاختبارات الأدوية للأمراض العصبية الانتكاسية والمدمرة مثل مرض ألزهايمر، الذي يصيب حاليا ملايين الأشخاص حول العالم، ففي أميركا وحدها يصيب حاليا نحو 5.4 مليون شخص، وقد يصل إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050. ومع هذا لا توجد حتى الآن أدوية معتمدة لمنع أو عكس تطور هذا المرض المنهك.

وأوضح الدكتور يادونغ هوانغ، الباحث المحقق في معمل غلادستون في سان فرانسيسكو وأستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا الأميركية، أن الفريق البحثي قام بتحويل جين واحد يعرف باسم «سوكس 2» (SOX2)، إلى خلايا فئران وكذلك خلايا بشرية، وفي غضون أيام تحولت الخلايا إلى خلايا جذعية دماغية في مراحلها الأولى، التي يطلق عليها خلايا جذعية عصبية مستحثة أو محفزة (induced Neural StemCells/iNSCs)، ثم ما لبثت هذه الخلايا الجذعية العصبية المستحثة أن بدأت في التجدد الذاتي، لتنضج بسرعة إلى عصبونات «خلايا عصبية» (neurons)، قادرة على نقل الإشارات الكهربائية، وفي غضون شهر تتطور هذه العصبونات إلى شبكات عصبية.

يذكر أن الخلايا الجذعية هي الخلايا التي تتخصص لتنتج الخلايا الخاصة بمختلف الأعضاء، وتتميز بعدة خصائص، أهمهما: القدرة على الانقسام المتكرر، أي الزيادة في العدد حسب الحاجة، والخاصية الأخرى هي القدرة على التخصص أو التمايز أي تنقسم لتعطي أختا مكافئة لها في نفس الصفة. والخلايا الجذعية تكون بأكبر عدد لها في مرحلة الجنين، ويقل مخزون الخلايا الجذعية في العدد كلما تقدمنا في السن، ويصبح محدودا في بعض أعضاء الجسم مقارنة بأعضاء أخرى. وهناك عدة أنواع من الخلايا الجذعية، منها: الخلايا الجذعية الجنينية وتؤخذ من الأجنة، والخلايا الجذعية البالغة وتؤخذ من الأنسجة البالغة، والخلايا الجذعية المحفزة أو المستحثة الفائقة القدرة (induced Pluripotent Stem cells/iPSCs) يتم الحصول عليها عن طريق إعادة برمجة الخلايا البالغة لجعلها تتصرف مثل الخلايا الجذعية الجنينية. وتختلف الخلايا الجذعية المحفزة عن الخلايا الجذعية البالغة في قدرتها على التعدد والتمايز بشكل غير محدود إلى أنواع مختلفة من خلايا الجسم، وهي بذلك تشبه في عملها الخلايا الجذعية الجنينية لحد كبير، بينما الخلايا البالغة تتعدد وتتمايز بشكل محدود. والخلايا الجذعية المحفزة يتم الحصول عليها باستخدام العلاج الجيني.

يقول الدكتور هوانغ، إن «العديد من الأدوية المرشحة وبخاصة تلك التي تطورت خصيصا لأمراض الانتكاسات العصببية، قد فشلت في التجارب السريرية، لأن النماذج الحالية لا تتنبأ بدقة بتأثير الأدوية على الدماغ البشري»، ويستطرد قائلا إن «العصبونات البشرية المشتقة من خلايا الجلد المهندسة، يمكن أن تساعد في تقييم فاعلية وأمان هذه الأدوية، وبالتالي تؤدي إلى تقليل المخاطر والمصادر المرتبطة بالتجارب على الإنسان».

ولقد بنى الدكتور هوانغ نتائجه على الأبحاث التي قام بها العلماء في معاهد غلادستون، بدءا بالدكتور شينيا ياماناكا، كبير الباحثين المحققين في معهد غلادستون لأمراض الأوعية القلبية وأستاذ التشريح بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. وفي عام 2007، قام ياماناكا باستخدام أربعة عوامل وراثية لتحويل خلايا جلد بشرى إلى خلايا تعمل مثل الخلايا الجذعية الجينية، والتي يطلق عليها «الخلايا الجذعية المستحثة فائقة القدرة» (induced Pluripotent Stem cells/iPSc)، وهذه الخلايا يمكنها أن تصبح تقريبا أي نوع من خلايا الجسم البشري، بالضبط مثل الخلايا الجذعية الجنينية. ثم بعد ذلك وفي عام 2011، أعلن الدكتور شينغ دينغ كبير المحققين البحثيين في معاهد غلادستون، أنه استخدم تركيبة من الجزيئيات الصغيرة وعوامل وراثية لتحويل خلايا جلد مباشرة إلى خلايا جذعية عصبية. واليوم أخذ الدكتور هوانغ مسار جديد باستخدام عامل وراثي واحد فقط (SOX2)، لإعادة برمجة نوع واحد من الخلايا مباشرة إلى آخر دون الرجوع إلى حالة الاستحثاث فائقة القدرة.

وتجنب حالة الاستحثاث فائقة القدرة، مثلما فعل كل من الدكتور دينغ والدكتور هوانغ، يعد طريقة لتجنب الأخطار المحتملة للخلايا الجذعية المستحثة فائقة القدرة المارقة، والتي ربما تنتج إذا تطورت إلى أورام في حال استخدامها لاستبدال أو إصلاح أعضاء أو أنسجة تالفة.

وتقول كارين رينغ، طالبة الدراسات العليا في العلوم الطبية الحيوية بجامعة كاليفورنيا، في سان دياغو والمؤلفة الرئيسية للدراسة، «كنا نريد أن نعرف ما إذا كانت هذه الخلايا العصبية الحديثة الولادة، يمكن أن تؤدي إلى نمو أورام بعد زراعتها في أدمغة الفئران، وبدلا من هذا وجدنا أن الخلايا التي تم إعادة برمجتها قد اندمجت بأدمغة الفئران، ولم يحدث تطور لأي ورم».

ولقد أظهر هذا البحث أيضا، والذي تم إجراؤه في مركز رودينبري لبيولوجيا الخلايا الجذعية والطب في غلادستون، الدور الدقيق الذي يقوم به جين (SOX2) كمنظم رئيسي يتحكم في هوية الخلايا الجذعية العصبية.

وفي المستقبل، يأمل الدكتور هوانغ وفريقه، القيام بتحديد منظمات مشابهة (regulators) والتي ترشد تطوير أسلاف عصبية معينة وأنواع فرعية من الخلايا العصبية في الدماغ. يقول الدكتور هوانغ «إذا تمكنا من تحديد أي الجينات تتحكم في تطوير كل نوع من الخلايا العصبية، فإنه يمكننا تنميتها في المختبر باستخدام عينة واحدة من خلايا الجلد البشري»، ويضيف «وبعد ذلك يمكننا اختبار الأدوية التي تؤثر على الأنواع المختلفة للخلايا العصبية، مثل تلك التي تستخدم لمرض باركنسون (الشلل الرعاش)، وبالتالي تساعدنا على وضع تطوير الأدوية الخاصة بأمراض الانتكاسات العصبية على المسار السريع».

وجدير بالذكر أن معاهد غلادستون الأميركية، هي منظمة مستقلة غير ربحية للبحوث الطبية الحيوية، تتبع جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وهي مكرسة لتسريع الاكتشافات العلمية والابتكار، لمنع ومعالجة الأمراض العصبية والفيروسية وأمراض الأوعية القلبية، وقد تم تمويل الدراسة الحالية من مصادر عديدة، من بينها، معاهد الصحة الوطنية الأميركية، ومؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، ومعاهد كاليفورنيا لطب التجديد.