الهنديات يضعن بصماتهن الخاصة على المشهد الداخلي والعالمي

بعضهن صعدن من الحضيض إلى القمة وشكلن مراكز قوة في السياسة الهندية

TT

خلال زيارتها الأخيرة للهند قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بزيارة إلى كالكتا عاصمة الهند البريطانية السابقة للقاء ماماتا بانرجي، حاكمة ولاية غرب البنغال شرقي الهند. وقد أثنت كلينتون على بانرجي البالغة من العمر 57 عاما، واصفة اللقاء بأنه واحد من أهم اللقاءات التي عقدتها، وأمطرت الثناء على السيدة التي تمكنت من تسطير تاريخ جديد في الولاية عبر الإطاحة بالحزب الشيوعي في الولاية والذي استمر يحكم على مدى 34 عاما.

كان اللقاء إشارة واضحة إلى قدرة النساء الهنديات على وضع بصمتهن الخاصة على المشهد السياسي الداخلي والعالمي. فأقوى السيدات في الساحة السياسة الهندية سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر الحاكم. فضلا عن رئيسة الهند وكذلك رئيسة البرلمان وزعيمة المعارضة. وقد حصلت جميع هؤلاء النساء على دعم من عائلاتهن أو أحزابهن السياسية للوصول إلى تلك المناصب الرفيعة.

لكن التجربة الهندية أظهرت أن هناك بعض النساء اللاتي صعدن من الحضيض إلى القمة مثل بانرجي، التي عملت في مصنع للصنادل، والتي تعرضت لكسر في جمجمتها من قبل الشيوعيين الذين عارضتهم صراحة، ثم مايا واتي السيدة التي تنتمي إلى فئة «المنبوذين» التي نشأت في حي شعبي، وكذلك جايالاليثا، نجمة السينما، وأوما بهارتي. ورغم كل المعوقات شكلت هؤلاء النساء مراكز قوى كبيرة في السياسة الهندية. ولم يتوقف الأمر على ذلك وفقط بل تحدت النساء الأربع القيود المفروضة على النساء في السياسة الهندية التي تتسم بالسيطرة الذكورية والمحسوبية، وأثبتن قدرة فاقت رموز الأحزاب التي ينتمون إليها.

تعد ماماتا واحدة من أكثر السياسيات الهنديات نشاطا، فهي تزعم أنها السيدة الوحيدة التي صعدت إلى السلطة السياسية في جنوب آسيا، دون أن تكون أرملة أو ابنة يتيمة أو صديقة سابقة لزعيم معروف. قضت ماماتا حياتها تناضل ضد الشيوعيين على الرغم من قيادتها لحزب إقليمي صغير لكنها تمسك بميزان القوة في الحكومة الائتلافية الهندية واستغلت هذه القوة السياسية في إحداث تأثير كبير. وبين حين وآخر كانت جهود رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ في إدخال إصلاحات اقتصادية في البلاد تصطدم بمعارضة بانرجي. وقد أدرجتها مجلة «تايم» الأميركية بين أكثر 100 شخصية تأثيرا في العالم.

تلقب بانرجي بـ«ديدي» أو الأخت الكبرى. وتدخل الآن عامها الثاني في السلطة بعدما تمكنت في مايو (أيار) الماضي من هزيمة الحكومة الشيوعية التي حكمت ولاية غرب البنغال على مدى 34 عاما. ولدت بانرجي لأب يعمل معلما ولم تتزوج على الإطلاق وتعيش حياة بسيطة للغاية. وفي سن التاسعة والعشرين انفصلت عن حزب المؤتمر الهندي لتشكل حزبها ترينامول كونغرس (المؤتمر الشعبي) الذي تمكن في ظل قيادتها من هزيمة الشيوعيين. وأشارت إلى الندوب التي تظهر على مرفقيها والإصابة على معصميها. وقالت إنها كانت تحاول حماية رأسها من الضربات المتكررة التي تعرضت لها بالعصي والقضبان الحديدية خلال المظاهرات. وغالبا ما كانت تدخل إلى المستشفى وكادت أن تفقد حياتها في إحدى المرات خلال إضرابها عن الطعام الذي استمر 26 يوما.

تتقاسم ماماتا بانرجي وجايالاليثا - الحاكمتين اللتين تهيمنان على السياسة الهندية - صفتين هامتين وهما النوع والسلطة. واللذان اشتركا وعززا من بعضهما البعض، وقد أسهم هذان العاملان في تدعيم شخصية كل منهما بصورة أثارت الدهشة والاستغراب. فقبل عام صعدت هاتان السيدتان إلى السلطة إثر بعضهما البعض في ولايتي غرب البنغال وتاميل نادو بعد هزيمة خصومهما السياسيين الأقوياء.

وعلى الرغم من تحول ماماتا من مقاتل شوارع شرس ومتقلب إلى رئيس للحكومة في كالكوتا، كان سيناريو نظيرتها جايا لاليثا حاكمة ولاية تاميل نادو جنوب الهند مختلفا إلى حد ما.

ترأس جايالاليثا، التي تقود حزبا سياسيا إقليميا، إيادمك، الحكومة للمرة الثالثة في تاريخها السياسي الطويل، لكنها على عكس ماماتا، لم تكن غريبة على السلطة في الولاية ومميزات استغلال السلطة.

تحظى جايالاليثا الممثلة التي تحولت إلى ممثلة علاقة قوية مع أيقونة أخرى هي إم جي راماتشاندران. وإلى جانب كونها النصف الأفضل في ثنائي سينمائي شهير، كانت جايالاليثا ربيبة إم جي راماتشاندران في السياسة. وعلى الرغم من إنكارها ذلك، تسبب لها هذا التحالف غير التقليدي في الكثير من الانتقادات والتوبيخ من خصومها السياسيين، نتيجة أسلوبها الاستبدادي في السياسات التجارية كوسيلة لتعزيز موقعها في السلطة، عندما تمكنت من الفوز بها في النهاية.

وقد شهدت الهند على مدى عمرها عددا من السياسيات اللاتي ارتقين إلى السلطة بفضل التميز والإنجاز الشخصي - ولا يزال هذا العدد آخذا في الزيادة - فمايا واتي، من طائفة المنبوذين التي حكمت ولاية أوتار باراديش الأكثر سكانا وأهمية من الناحية السياسية للمرة الرابعة واستقالت من منصبها هذا العام هي واحدة من هؤلاء.

وعندما كانت مايا واتي طفلة كانت تتعرض للتمييز لأنها تنتمي إلى طائفة المنبوذين (أدنى الطوائف في المجتمع الهندي). مثل ذلك آلاما لها لكنه كان دافعا لها. فاجتهدت في الدراسة طمعا في أن تصبح حاكمة مقاطعة. ثم طلب منها قائد حزب طائفة الأطهار السياسي، باهوجان ساماج، الانضمام إلى الحزب، وبدءا في العمل والعيش سويا، ومن خلال دعم معلمها وخطاباتها النارية أصبحت ماياواتي أصغر حاكمة ولاية لأوتار باراديش، وهي الآن واحدة من أقوى وأغنى النساء في الهند.

يأتي بين هؤلاء أيضا الراهبة أوما بهارتي، ذات الرداء الزعفراني، والتي تعد واحدة من أكثر الشخصيات السياسية الهندية اليمينية قوة وإثارة للجدل. وتعتبر الراهبة التي كانت تقضي يومها تنتقل من منزل إلى آخر طلبا للمساعدة واحدة من أبرز قادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي وكانت وزيرة اتحادية إضافية إلى كونها حاكمة ولاية ماذايا باراديش.

قبل أكثر من 17 عاما كانت تراقب الغوغاء الهندوس وهم يهدمون المسجد في مدينة إيوذيا الذي يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر والذي يعتقد أنه بني فوق المكان الذي ولد فيه الإله الهندوسي رام. ويتهمها خصومها السياسيون بأنها تعتنق عقيدة هندوسية طبقية، عقيدة لا تحظى فيها الأقليات بأهمية كبيرة. لكنها دافعت عن نفسها ضد هذه التهمة مشيرة إلى أنها تنتمي إلى واحدة من أفقر الطبقات في المجتمع الهندوسي، وتقول عن ذلك: «أنا أيضا سيدة في عالم يهيمن عليه الرجال، أنا أعلم أكثر من أي شخص آخر ما يعنيه أن تكون من بين الأقلية».

وعلى الرغم من الاختلافات الآيديولوجية والأسلوبية، هناك الكثير من المقومات التي تجمع بين هؤلاء النساء، وهو أنهن لا يزلن دون زواج ويرفضن أي إشارة إلى الأنوثة بأن يكن زوجات وأمهات. كما يتمتعن بشهرة عالمية ويحملن ألقابا شهيرة، مثل «بيهينجي» (الأخت المبجلة) و«ديدي» (الأخت الأكبر) و«آما» (الأم).

وتشير بهاسكارا راو التي أجرت دراسة على أنماط التصويت والسياسات النساء لصالح مركز الدراسات الإعلامية في نيودلهي إلى أن الناخبين يتحدثون عن عدد من الأسباب لاختيار النساء تتمثل في الاعتقاد بأنهن سيكن أقل فسادا من الرجال وأنهم يبدين اهتماما كبيرا بشأن عدم المساواة ويتمتعن بفهم أكبر للحياة واحتياجات المواطن البسيط.

ربما يكون تبوء أرفع المناصب في نظام سياسي يهيمن عليه الرجال الذين تربوا في مدرسة الطبقية شهادة قوية على شجاعة هؤلاء النساء، اللاتي وجدن دون شك صعوبة في الولوج إلى عالم الرجال.

وعلى الرغم من الشهرة والشعبية التي تتمتع بها أولئك النساء، فإن الأمور لا تجري على نحو جيد في معسكر النساء الأربع القوي.

فتتصدر حاكمة ولاية أوتارا باراديش الأخبار لما ترتكبه من أخطاء. فمنذ عام 2007 صنعت آلاف التماثيل الضخمة لنفسها ولمعلمها ولشعار حزبها الفيل، وأنفقت مليارات الروبيات من خزينة الولاية.

أما ماياواتي فتواجه اتهامات بامتلاك أصول بقيمة ملايين الدولارات إضافة إلى العديد من العقارات التي تمتلكها. وقد أجري تحقيق في امتلاكها أصولا لا تتلاءم ومصادر دخلها، وقائمة طويلة من الاتهامات الأخرى.

في الوقت ذاته تواجه جايالاليثا العديد من القضايا بامتلاك أصول تفوق دخلها في العديد من المحاكم، وخلال مداهمة لمسكنها قبل عدة سنوات، وجدت سلطات مكافحة الفساد أكثر من 10,000 ساري و750 زوجا من الأحذية، إضافة إلى كيلو من الذهب والألماس، ناهيك عن الأصول الأخرى.

إذا كانت الاتهامات ضد ماياواتي وجايالاليثا صحيحة إلى حد ما، فإنهن أظهرن للعالم أن النساء يمكن أن يدخلن دائرة الفساد كنظائرهن من الرجال. ورغم قسوتهن وتعطشهن للسلطة فإنهن يحملن حب الفتيات للملابس الجميلة والحقائب والمجوهرات.

على صعيد المنافسة السياسية كانت هذه المجموعة من النساء الأربع يهاجمن خصومهن ويتمتعن بشخصية قوية تؤكد على أنهن يحملن الكلمة الفصل في الشؤون السياسية. ولعل غضب ماماتا الأخير بشأن الرسوم الهزلية وسجن معارضيها ومداهمات منتصف الليل التي أمرت بها جايالاليثا على منازل قادة حزب دي إم كيه المعارض أمثلة على عدم قبولهن المعارضة.

بيد أن الكيفية التي تمكنت بها هذه المجموعة من النساء من العودة مرة أخرى واكتساب المصداقية في العقلية الشعبية ستكون مثار بحث دقيق. ولعل ما يلخص ذلك هو أن النساء - حتى السياسيات منهن - يملن إلى تحقيق عنصر المفاجأة في خطواتهن، أليس كذلك؟