لأول مرة.. تحويل خلايا جلد إلى خلايا عضلة قلب

يفيد في علاج مرضى قصور العضلة

عضلة القلب
TT

هناك حاليا تطورات حديثة ومتسارعة في مجالي بيولوجيا الخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة، الأمر الذي مكن الباحثين من النظر في طرق كفيلة باستعادة وإصلاح العضلات التالفة للقلب واستبدال بها خلايا جديدة، ولكن هناك ثمة مشكلة رئيسية وهي الافتقار إلى مصادر جيدة لخلايا عضلات القلب البشري، وكذلك مشكلة رفض جهاز المناعة.

ولكن، في خطوة جديدة تبشر بآفاق واعدة في علاج مرضى قصور عضلة القلب، ووفقا لما نشر مؤخرا على موقع «جمعية القلب الأوروبية»، وفي دراسة حديثة نشرت على الموقع الإلكتروني لمجلة «القلب الأوروبية» في 22 مايو (أيار) الماضي، تمكن باحثون ولأول مرة من إعادة برمجة خلايا جلد أخذت من مرضى مصابين بقصور في عضلة القلب وتحويلها إلى خلايا عضلة قلب (cardiomyocytes) سليمة وقادرة على الاندماج مع خلايا القلب الموجودة، وذلك باستخدام «خلايا جذعية بشرية مستحثة فائقة القدرة» ( human - induced pluripotent stem cells/hiPSCs)، بطريقة العلاج الجيني. وهذه الخلايا الجذعية البشرية المستحثة الفائقة القدرة، سوف تجنب المرضى مشكلات تنجم عن رفض أجهزة المناعة لديهم لهذه الخلايا على أنها أجسام غريبة. ومع ذلك، يحذر الباحثون أن هناك عددا من العقبات التي يجب التغلب عليها قبل أن يصبح من الممكن استخدام خلايا جذعية بشرية مستحثة فائقة القدرة في البشر بهذه الطريقة، وقد يستغرق هذا من خمس إلى عشر سنوات على الأقل قبل بدء التجارب السريرية.

يذكر أن مرض قصور عضلة القلب، يقصد به عدم تمكن القلب من ضخ الدم إلى أجزاء الجسم بالكفاءة اللازمة. والخلايا الجذعية هي الخلايا التي تتخصص لتنتج الخلايا الخاصة بمختلف الأعضاء، وتتميز بعدة خصائص، أهمهما: القدرة على الانقسام المتكرر، أي الزيادة في العدد حسب الحاجة، والخاصية الأخرى هي القدرة على التخصص أو التمايز، أي تنقسم لتعطي أختا مكافئة لها في نفس الصفة. والخلايا الجذعية تكون بأكبر عدد لها في مرحلة الجنين، ويقل مخزون الخلايا الجذعية في العدد كلما تقدمنا في السن، ويصبح محدودا في بعض أعضاء الجسم مقارنة بأعضاء أخرى. وهناك عدة أنواع من الخلايا الجذعية، منها: الخلايا الجذعية الجنينية وتؤخذ من الأجنة، والخلايا الجذعية البالغة وتؤخذ من الأنسجة البالغة، والخلايا الجذعية المحفزة أو المستحثة ويتم الحصول عليها عن طريق إعادة برمجة الخلايا البالغة لجعلها تتصرف مثل الخلايا الجذعية الجنينية. وتختلف الخلايا الجذعية المحفزة عن الخلايا الجذعية البالغة في قدرتها على التعدد والتمايز بشكل غير محدود إلى أنواع مختلفة من خلايا الجسم، وهي بذلك تشبه في عملها الخلايا الجذعية الجنينية لحد كبير، بينما الخلايا البالغة تتعدد وتتمايز بشكل محدود. والخلايا الجذعية المحفزة يتم الحصول عليها باستخدام العلاج الجيني.

ويذكر أن الدراسات الحديثة، قد أظهرت أيضا أنه يمكن استخلاص خلايا جذعية بشرية مستحثة فائقة القدرة من أفراد أصحاء من صغار السن، ولكن لم تبين بعد هذه الدراسات أنه يمكن استخلاص هذا النوع من الخلايا الجذعية من مرضى كبار السن أو المتوفين. هذا بالإضافة إلى أنه لم يتمكن الباحثون حتى الآن من إظهار أن خلايا القلب التي تم الحصول عليها من الخلايا الجذعية المستحثة فائقة القدرة بمقدورها الاندماج مع أنسجة القلب الموجودة.

وقال البروفسور ليور غيبشاتين، قائد فريق البحث وأستاذ أمراض القلب وعلم وظائف الأعضاء في مختبر سونس للأبحاث في مجالي كهرباء القلب وطب التجديد في معهد التقنية ومركز رامبام الطبي في حيفا، إن «الجديد والمثير حول أبحاثنا هو أننا قد أظهرنا أنه من الممكن أخذ خلايا جلد من مريض مسن مصاب بحالة متقدمة من قصور في عضلة القلب، وتحويلها في المختبر إلى خلايا سليمة وصغيرة في السن، تضاهي تماما خلايا قلبه عند مرحلة ولادته»، حيث أخذ الفريق البحثي خلايا جلد من رجلين مريضين بقصور في عضلة القلب، أحدهما عمره 51 عاما، والثاني 61 عاما، ثم تم إعادة برمجتها بنقل ثلاثة من الجينات تسمى بعوامل النسخ (transcription factors)، وجزء صغير يسمى حمض فالبرويك (valproic acid)، إلى نواة الخلية.

ويضيف غيبشاتين قائلا: «إن إحدى العقبات التي تعترض استخدام الخلايا الجذعية البشرية المستحثة فائقة القدرة سريريا في البشر هي احتمال أن تخرج هذه الخلايا عن السيطرة وتتحول إلى أورام» ويستطرد موضحا أن «هذه الخطورة المحتملة قد تنشأ من عدة أسباب، منها عامل الجين المسرطن (oncogenic factor) والاندماج العشوائي بالحامض النووي لخلية الفيروس الذي يحمل عوامل النسخ، وهي عملية تعرف باسم «جينات الغرس المسرطنة» (insertional oncogenesis).

ولقد استخدم الفريق البحثي أيضا استراتيجية بديلة، أمكن بواسطتها استخدام الفيروس لنقل المعلومات المعاد برمجتها إلى نواة الخلية، وكذلك إزالته بعد ذلك لتفادي حدوث عملية «جينات الغرس المسرطنة»، وكانت الخلايا الجذعية البشرية المستحثة فائقة القدرة الناتجة، قادرة على التمايز لتصبح خلايا عضلة قلب لها نفس القدر من الفعالية، مثل تلك التي تم تطويرها من المتطوعين الأصحاء من صغار السن، الذين عملوا كمجموعة ضابطة لهذه الدراسة. ثم تمكن الفريق البحثي من تطوير خلايا عضلة القلب إلى أنسجة عضلة القلب، التي تم استزراعها معمليا جنبا إلى جنب مع أنسجة القلب الموجودة مسبقا.

وفي غضون من 24 إلى 48 ساعة، بدأت الأنسجة تنبض معا. وقال البروفسور غيبشتاين: «كان النسيج يتصرف مثل نسيج قلب مجهري صغير مؤلف من نحو 1000 خلية، في كل مساحة نابضة».

وأخيرا، تم زراعة النسيج القلبي الجديد في قلوب فئران صحيحة، ووجد الباحثون أن الأنسجة المطعمة بدأت في إقامة روابط مع خلايا النسيج المضيف. وأضاف: «لقد أظهرنا في هذه الدراسة للمرة الأولى أنه من الممكن الحصول على خلايا جذعية مستحثة فائقة القدرة من مرضى قصور عضلة القلب، الذين يمثلون الفئة المستهدفة من المرضى لأساليب العلاج بالخلايا في المستقبل، التي تستخدم هذه الخلايا، واستمالتها للتمايز إلى خلايا عضلة القلب، التي بإمكانها الاندماج بنسيج القلب المضيف».

ويستطرد قائلا: «إننا نأمل في أن لا يتم رفض الخلايا الجذعية البشرية المستحثة فائقة القدرة المشتقة من خلايا عضلة القلب عقب زراعتها في نفس المرضى، التي أخذت منهم. ومن بين المعوقات في التعامل مع هذه المسألة، خاصة في هذه المرحلة، هي أننا فقط يمكننا زراعة الخلايا البشرية في نماذج حيوانية، ولهذا علينا علاج الحيوانات بأدوية كابتة للمناعة حتى لا يتم رفض الخلايا، ويجب إجراء الكثير من البحوث قبل إمكانية ترجمة هذه النتائج لعلاج مرضى القلب سريريا».

وقال البروفسور غيبشتاين: «هناك عدة عقبات تعترض التجربة السريرية، منها التوسع والارتقاء لاستخلاص عدد ذي صلة إكلينيكية من الخلايا، وتطوير استراتيجيات لزراعة الأعضاء تساعد على إطالة عمر الخلية المطعمة، والنضج، والاندماج واحتمال التجدد، وتطوير إجراءات آمنة لمنع مخاطر حدوث أورام سرطانية أو مشكلات في الإيقاع العادي للقلب، وكذلك اختبارات أخرى على الحيوانات، وتمويل صناعة كبير، لأنه من المحتمل أن يكون مشروعا مكلفا جدا. وأعتقد أن هذا العمل سوف يستغرق على الأقل من خمس إلى عشر سنوات للقيام بالتجارب السريرية، إذا تمكنا من التغلب على كل هذه المشكلات».

وسيقوم البروفسور غيبشتاين وزملاؤه بإجراء المزيد من البحوث في بعض هذه المجالات، بما في ذلك تقييم استخدام الخلايا الجذعية البشرية المستحثة فائقة القدرة في العلاج بالخلايا وأساليب وتقنيات هندسة الأنسجة لإصلاح القلوب التالفة في نماذج حيوانية مختلفة، وفحص اضطرابات القلب الموروثة، وتطوير واختبار الأدوية.