اختتام الموسم الموسيقي في روما

بمزيج من الألحان الكلاسيكية وموسيقى الجاز

قائد الأوركسترا دانييل هاردينغ يقود الأوركسترا في الحفل الختامي لأكاديمية سانتا شيشيليا بروما («الشرق الأوسط»)
TT

اختتم الموسم الموسيقي في العاصمة الإيطالية بحفلة جمعت بين الموسيقى الألمانية والموسيقى الفرنسية في القرن العشرين، وبمزيج من الألحان الكلاسيكية وموسيقى الجاز، وبيعت البطاقات بالكامل. سمعنا صوت الفيلسوف الحكيم زرادشت يخاطب أتباعه من رأس الجبل عبر موسيقى الملحن الألماني ريتشارد شتراوس في قصيدته السيمفونية «هكذا تكلم زرادشت»، وانتقلنا إلى عالم الأساطير الإغريقية في الباليه الموسيقية للعاشقين «دافني وكلوويه» والحوريات الحسان للموسيقار الفرنسي موريس رافيل. وزيادة على ذلك كانت الهدية في الحفل الختامي لأكاديمية سانتا شيشيليا بروما كونشرتو البيانو الشهير لرافيل أيضا، لكن المفاجأة أن العازف الذي يتبارى مع الفرقة الموسيقية في هذه القطعة البديعة هو عازف البيانو الإيطالي المعروف في عالم موسيقى الجاز ستيفانو بولاني (لا صلة له بوزير الدفاع العراقي السابق جواد البولاني).

ألف شتراوس قطعته التي تروي بالموسيقى المستوحاة فلسفيا من كتاب الفيلسوف الألماني نيتشه عن زرادشت والمتأثرة موسيقيا بأفكار الموسيقار الألماني فاغنر، تعاليم المفكر الفارسي القديم عن الحياة وصراع الخير والشر والوحي الأعلى والسعادة والهوى والانفعال والعلم والغناء وترانيم الليل، وتعرف القطعة بمقدمتها ذات الفخامة والعظمة المستخدمة في عدد من الأفلام السينمائية والبرامج الإذاعية. دعت فلسفة نيتشه إلى الشك وتمجيد القائد الملهم ونظرية السوبرمان التي راقت لهتلر، لكن موسيقى شتراوس تصرفت بكثير من الحرية في أفكار نيتشه وأظهرت الحنين إلى الشرق بمنظار غربي يؤمن بتمجيد الشمس والقوة. كان قائد الأوركسترا الشاب الإنجليزي دانييل هاردينغ ناجحا في تصوير العواطف والانفعالات والهدوء في الليل المظلم ومخلصا في تفسير أسلوب ريتشارد شتراوس المنساب لأنه اكتسب خبرته من عمله مع اثنين من العمالقة، وهما قادة الأوركسترا في برمنغهام وبرلين سيمون راتل وكلاوديو ابادو.

ألف رافيل كونشرتو البيانو عام 1928 بعد زيارته إلى الولايات المتحدة وإعجابه بموسيقى الجاز، فأدخل الجاز إلى الموسيقى الكلاسيكية الحديثة بجرعات خفيفة؛ لأن الأوساط الموسيقية في الماضي لم تكن مغرمة بالجاز، بل البعض كان يعتبره نقيضا للموسيقى الكلاسيكية الراقية. طريقة عزف بولاني للبيانو ومسايرة هاردينغ له في مرافقة الأوركسترا بدلت إلى حد ملموس الطريقة «الأنيقة» التي تعودنا عليها في عزف هذه القطعة الجميلة، لكن بولاني ببراعة العازف الحديث زاد من جرعة الجاز وحول الأناقة إلى لباس الشباب المعاصر في القميص فوق البنطلون والحذاء الأبيض المستخدم في لعب البولينغ، أي مثل لباسه في الحفل. كان الجمهور معجبا بهذا التفسير الحديث، وصفق كثيرا لبولاني، مما استدعاه إلى عزف قطعتين من موسيقى الجاز للموسيقار الأميركي غيرشوين، حيث أثبت براعته الفائقة لأنه شعر وكأنه في داره الطبيعية.

اختتم الحفل بموسيقى باليه «دافني وكلوويه» لرافيل التي طلبها كبار مصممي الباليه في أوائل القرن العشرين المقبلين إلى باريس من روسيا، وهما دياغلييف وفوكين. قصة الباليه الراقصة مستوحاة من حكاية عاطفية خيالية في القرن الثالث الميلادي في بلاد الإغريق، حيث يفترق العاشقان عن بعضهما ويبدأ رقص الحواري اللاتي يحاولن إغراء كلوويه بأن ينال قبلة من الحورية إذا أبدع في الرقص، لكنه على الرغم من براعته الراقصة لم يجد سعادته إلا في حبيبته المفضلة دافني التي كانت تتخفى بين الغيوم والسحاب، وتنتهي الباليه برقصة جماعية فرحة احتفالا بانتصار الحب.

رغم انتهاء الموسم فإن روما لن تنام؛ إذ ستكون برامج الصيف حافلة، وأولها مقدم عازف البيانو الصيني لانغ لانغ، وكبار الفنانين في العالم للموسيقى الكلاسيكية والخفيفة، وعلى رأسهم مادونا.