علماء: الهواتف الجوالة قد تجعل المستخدم أنانيا وانعزاليا

علم نفس التكنولوجيا يدرس الاضطرابات الناجمة عن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا

80 في المائة من مستخدمي «تويتر» تتركز تغريداتهم حول مفهوم «أنا» أي حول أمورهم الشخصية
TT

في عالم اليوم باتت أجهزة الهواتف الجوالة تستخدم بصورة متزايدة من قبل جميع الأفراد وفي جميع الثقافات حول العالم، وأصبحت تلازمنا لدرجة عدم القدرة على الاستغناء عنها، الأمر الذي دعا علماء النفس وبخاصة في الآونة الأخيرة لدراسة سلوكيات استخدام ومستخدمي الهواتف الجوالة، ودراسة الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تنجم عن الاستخدام اليومي المتزايد للتكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة من أجهزة جوالة مثل الهواتف الذكية والكومبيوترات اللوحية والدفترية، وذلك ضمن فرع جديد في علم النفس يعرف بـ«علم نفس التكنولوجيا» (Psychology of technology)، الذي يدرس العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا وآثارها النفسية عليه. ويجعلنا ذلك أن نتساءل: هل هذه الأجهزة الحديثة الجوالة نستهلكها بالفعل أم تستهلكنا وتهلكنا وسوف تقضي على إنسانيتنا؟

معروف أن الهواتف الجوالة هدفها الأساسي هو الربط والتواصل بين الأفراد، كما أن هناك حاليا الكثير من الاستخدامات للهواتف الذكية، نتيجة لربطها بشبكة الإنترنت وتزويدها بالكثير من البرامج التطبيقية، التي مكنت المستخدمين من تيسير وتسهيل حياتهم الشخصية والمجتمعية، من قبيل الحصول بسهولة على خدمات المعلومات والأنباء والأخبار، والخدمات الترفيهية والتجارية كالإعلانات المجانية وخدمات التسوق عبر الإنترنت، وإجراء المعاملات الشرائية والبنكية من دفع وتحويل للأموال، بالإضافة إلى الكثير من التطبيقات الأخرى، ويتنبأ البعض بأنه خلال السنوات القليلة المقبلة يمكن أن يحل الهاتف الجوال محل المحفظة وسلسلة المفاتيح، ويقوم بأداء مهامها ليصبح بطاقة الهوية الخاصة بالتعريف بالأشخاص وحفظ خصوصياتهم، كما أن الهواتف الذكية ستعمل كأجهزة وأدوات لمساعدة الطبيب، فسوف تقوم بمهام أجهزة وأدوات القياس الطبية في المستشفيات والمعامل، مثل أجهزة التحليل والكشف والسماعات الطبية والترمومترات والميكروسكوبات، فسوف تمكن المرضى من إجراء جميع التحاليل والقياسات في المنزل ومن دون إنفاق للكثير من الأموال، مثل قياس معدل ضربات القلب ومعدل التنفس ونسبة الأكسجين في الدم.

رغم كل هذه الاستخدامات الواعدة للهواتف الجوالة الذكية فإن هناك حاليا الكثير من البحوث والدراسات حول سلوكيات مستخدميها وكيفية استخدامها التي تحذر من الاستخدام المفرط والمتزايد فيها. ففي دراسة حديثة أجراها باحثون بجامعة مريلاند الأميركية، وأعلنت نتائجها في شهر فبراير (شباط) الماضي، وجدت أن الهواتف الجوالة قد تجعل المستخدم أنانيا وانعزاليا وأقل ميلا اجتماعيا لمساعدة الآخرين وممارسة الأنشطة والخدمات العامة الاجتماعية والأعمال التطوعية. فقد أجرى كل من البروفسورة أناستاسيا بوشيبتسوفا، وروسيلينا فيرارو، وأجاي أبراهام طالب الدراسات العليا بكلية روبرت سميث لإدارة الأعمال بجامعة ماريلاند، سلسلة من التجارب على مجموعات اختبار كثيرة من مستخدمي الهواتف الجوالة من طلبة الجامعات في العشرينات من العمر، وذلك بهدف التعرف على تأثير استخدام الهاتف الجوال على السلوك الاجتماعي البناء (Prosocial behavior)، وتم تحديده في الدراسة بأنه كل عمل طوعي يهدف إلى تقديم الفائدة إلى شخص آخر أو إلى المجتمع ككل. وقد وجد الباحثون أنه بعد فترة قصيرة من استخدام مجموعات الشباب للهواتف الجوالة، أصبحوا أقل ميلا إلى التطوع للمشاركة في نشاط خدمة المجتمع عندما طلب منهم ذلك، كما قل اهتمامهم بالآخرين وانخفض تركيزهم عندما طلب منهم رسم صورة لهواتفهم الجوالة والتفكير في طريقة وكيفية استخدامها، بالمقارنة مع نظرائهم من المجموعة الضابطة الذين لم يرتبطوا بالهاتف الجوال، فقد وافقوا على القيام بتلك الأعمال التطوعية. ويفسر القائمون على هذه الدراسة النتائج بقولهم إن استخدام الهواتف الجوالة بصورة مستمرة ومتزايدة يحد من رغبة المرء للتواصل مع الآخرين، وبالتالي العزوف عن الانخراط في السلوك الاجتماعي الإيجابي البناء والتعاطف مع الآخرين.

وفي تصريح لوكالة الأخبار الدولية الآسيوية (ANI) في 19 يونيو (حزيران) الحالي، يقول البروفسور لاري روزين أستاذ علم النفس بجامعة ولاية كاليفورنيا الأميركية، والمتخصص في دراسة العلاقة بين علم النفس والتكنولوجيا، ومؤلف كتاب بعنوان «فهم هوسنا بالتكنولوجيا والتغلب على قبضتها علينا»، صادر في مارس (آذار) الماضي، إن هوس الأفراد بالأجهزة الجوالة اللاسلكية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر اللوحية، والجري واللهاث وراء كل ما هو جديد فيها، قد يتسبب في وقوعهم فريسة لمجموعة من الاضطرابات في الشخصية، فقد تتسبب في تشويه وتشتت فكرهم وانتباههم، وأيضا في تغيير في شخصياتهم.

ويحذر روزين من أن استخدام التكنولوجيا لدرجة الهوس قد يتسبب في ظهور أعراض اضطرابات في الشخصية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الوسواس القهري. واضطراب الشخصية النرجسية، أو مرض الأنا أو حب الذات أو عشق النفس، يقترن بالأنانية وبالشخصية المتعالية المتكبرة، والمدللة التي لا تتحمل المسؤولية التي تأخذ دائما ولا تعطي، والتي لديها نقص في التعاطف تجاه الآخرين، وعندما تزيد النرجسية في شدتها ودرجتها تصبح ضارة ومؤذية بالفرد والمجتمع. واضطراب الوسواس القهري هو مرض يتميز بأفعال أو سلوكيات أو أفكار قهرية إجبارية إلزامية ملحة متكررة بصورة غير معقولة وغير منطقية تتسلط على الشخص المريض بها ولا يستطيع منع نفسه منها، وتستهلك منه وقتا طويلا، وتختلف هذه الوساوس من مجتمع إلى آخر، مثل وساوس في النظافة وتكرار الأعمال المتعلقة بها، مثل تكرار غسل الأيدي وتنظيف أماكن الجلوس.

ويشير روزين إلى دراسة جامعة روتجرز الأميركية على 3 آلاف من مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»، حيث تم تصنيفهم إلى نوعين: مرسلون ومستقبلون، وتوصلت الدراسة إلى أن 80 في المائة منهم تتركز تغريداتهم حول مفهوم «أنا»، أي حول أمورهم الشخصية. ويعترف روزين بأن هناك ظهورا لعلامات عن سلوك الهوس حول العالم في تواصل الأفراد مع الأصدقاء عبر هذه الأجهزة الجوالة، من قبيل فحص الفرد مرارا وتكرارا للبريد الإلكتروني الوارد إليه أو الدخول المستمر على صفحته على «فيس بوك» أو «تويتر». ويلقي روزين باللوم على هذا النوع من الهوس في السلوك على مسحة من القلق تنتاب الفرد بأنه إذا لم يراجع ويفحص بريده الإلكتروني أو يتابع باستمرار صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي فإنه قد يكون من المفقودين، حيث إن قلق الفرد من قطع الاتصال والانفصال يؤدي به إلى الضيق والكرب الجسدي. والكرب الجسدي (Physical distress) هو اضطراب يصيب الجسم ويكون سلبيا دائما وناجما عن أحداث غير مرغوبة وسيئة، ويصاحبه مجموعة من الأعراض الجسدية تشمل عضلات الهيكل العظمي والنظام العصبي اللاإرادي، بالإضافة إلى مجموعة من الأعراض السلوكية.

وفي دراسة حديثة بعنوان «الخصائص النفسية لمستخدمي الهاتف الجوال والهاتف الأرضي أو الثابت (Landline)»، قامت بها مجموعة «your morals» البحثية الأميركية، التي تهتم بدراسة القيم والأخلاق والأخلاقيات، وتضم مجموعة من أساتذة وطلبة الدراسات العليا المهتمين بعلم النفس الاجتماعي، من 3 جامعات أميركية، هي: فرجينيا، وكاليفورنيا إيرفين، وجامعة كاليفورنيا الجنوبية، ونشرت نتائجها على الموقع الإلكتروني للمجموعة (www.yourmorals.org)، في 29 مايو (أيار) الماضي، حيث أجاب مجموعة من مستخدمي الهاتف الجوال والأرضي من زوار الموقع الإلكتروني للمجموعة البحثية على أسئلة تدور حول عدد من الأبعاد النفسية حول استخدامات الهاتف (الجوال والأرضي)، وذلك للتعرف على الخصائص النفسية المرتبطة بذلك. وتوصلت نتائج الدراسة إلى أن هناك شعورا مشتركا إلى حد ما بين مستخدمي الهاتف الجوال والأرضي في ما يتعلق بالأبعاد والمتغيرات النفسية موضع الدراسة، ولكن القيم المرتبطة باستخدام الهاتف الجوال كانت مرتفعة في جوانب: الإثارة والتنشيط، والإنجاز، والمتعة، والسعي إلى كل ما هو جديد. وقليلة في جانب الاهتمام بالضمير، وعدم الاهتمام بالتقاليد، وأكثر تحررا في القضايا الاجتماعية، وبخاصة لدى صغار السن. ويشير القائمون على هذه الدراسة إلى أنها مثل كل العلوم الاجتماعية، في حاجة إلى تكرارها من قبل الآخرين ومع مجموعات أخرى للحصول على مزيد من الثقة في النتائج، وبخاصة مع اختلاف نوع الجنس والعمر والآيديولوجيات (الأفكار) والخصائص الديموغرافية (الخصائص السكانية للمجتمع).