«مهرجان القراصنة» يقدم الفرجة للناس في أي وقت وفي أي مكان

المسرح ينتشل «أطفال الشوارع» في مدينة سلا المغربية من الضياع

من عروض مهرجان القراصنة («الشرق الأوسط»)
TT

ابتداء من الأسبوع المقبل سيفاجأ زوار مدينة سلا المغربية بين الحين والآخر بظهور مفاجئ لفرق بهلوانية وفناني ألعاب السيرك، يختلطون بالمارة في زحام شوارع وساحات المدينة، أو في بهو المطار أو محطة القطار أو محطات الحافلات، ثم يبادرون لأداء ألعاب وعروض مثيرة. إنها طلائع «مهرجان القراصنة» الذي ستحتضنه المدينة العريقة، والمجاورة للرباط خلال الفترة ما بين 30 يونيو (حزيران) الحالي والثامن من يوليو (تموز) تحت عنوان «جني الأمكنة»، وسيشارك في هذه العروض فنانون مشهورون من داخل المغرب وخارجه، كما سيشارك فيه أبناء مدينة سلا، خاصة الأطفال المشردين والمتخلى عنهم، والذين نجح المشروع في إنقاذهم من وضعية «أطفال شوارع » ليحولهم إلى فنانين يصفق لهم الجمهور بإعجاب كبير.

هذه العروض الفجائية ستستمر مدة المهرجان وبالموازاة مع برنامجه الرسمي، الذي يتضمن عروضا متنوعة وأنشطة وسهرات ستقام في أهم الأماكن التاريخية والمواقع السياحية بالمدينة. وفضل المنظمون ترك المبادرة في هذه العروض المفاجئة للفنانين أنفسهم ليختاروا بكل حرية الأماكن التي سيقومون فيها بأداء عروضهم ونوعية الأعمال الفنية التي سيقدمونها. انبثقت فكرة مهرجان القراصنة كامتداد لعمل خيري، ثم ارتقى ليصبح مهرجانا لمدينة سلا. كانت الفكرة في البداية إنشاء ورشة لتدريب الأطفال على بعض ألعاب السيرك في إطار الأنشطة التي تنظمها «الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة» من أجل مساعدة الأطفال المشردين والمتخلى عنهم على استرجاع بوصلة الاندماج الاجتماعي، واسترجاع الثقة بالنفس والاعتبار الشخصي. وكان يمكن أن يبقى المشروع، الذي انطلق في 1999، ضمن حدود المراكز التي فتحتها الجمعية في مختلف مدن المغرب منذ انطلاقها في عام 1996، والتي يمارس فيها الأطفال مجموعة من الأنشطة الحرفية والرياضية والتعليمية كوسيلة لمساعدتهم على الاندماج، إلا أن القدرات التي أبان عنها الشباب وانخراط سكان مدينة سلا، أعطيا المشروع أبعادا لم تكن متوقعة.

تقول ثريا بوعبيد رئيسة الجمعية: «المشروع نفض الغبار عن جوانب منسية من تاريخ مدينة سلا. ومن الطبيعي أن يتملكه سكان هذه المدينة التي عانت طويلا من التهميش على الرغم من مجاورتها لمدينة الرباط العاصمة، وعلى الرغم من عراقتها وثرائها التاريخي الزاخر».

بدأ المشروع بترميم قصبة كناوة التاريخية، وهي قلعة يعود تاريخ بنائها إلى عهد السلطان المولى إسماعيل، قبل نحو 350 سنة. أخرج المشروع القصبة التاريخية من النسيان والإهمال ليحولها إلى مركز لإعادة التأهيل الاجتماعي للأطفال المتخلى عنهم عبر فنون السيرك. شيئا فشيئا تحولت القصبة إلى مدرسة حقيقية لفنون السيرك، بفضل دعم مؤسسات حكومية مغربية وربط شراكات مع معاهد ومراكز دولية، وصولا إلى حصول المدرسة على الاعتراف الرسمي من طرف الدولة، لتصبح «المدرسة الوطنية لفنون السيرك»، التي باتت تستقطب الطلبة من كل مدن المغرب، وأصبح ولوجها يخضع لانتقاء وإجراء مباراة، والدراسة فيها تنتهي بالحصول على شهادة معترف بها.

تقول بوعبيد: «حاليا هناك مساران في المدرسة. المسار الأصلي المتعلق باسترجاع أطفال الشوارع، والذي يضم حاليا 120 طالبا. والهدف من هذا المسار هو مساعدة هؤلاء الأطفال على العودة إلى المجتمع من خلال اكتساب العديد من المهارات، كالقراءة والكتابة ومفهوم التوازن وتقدير المخاطر والقدرة على العمل كفريق واسترجاع الكرامة وتقدير الذات. هؤلاء الأطفال بعضهم يتم توجيهه بعد ذلك إلى المدرسة أو التكوين المهني، فيما يواصل البعض الآخر الذي تبرز لديه ميول ومواهب لممارسة العمل الفني والإبداعي مساره الدراسي داخل المدرسة. أما المسار الثاني فهو موجه للعموم، لكل الطلبة الراغبين في التدرج في مهنة السيرك ومهنة الفرجة، ويتم الولوج لهذا المسار عن طريق مسابقة ولدينا حاليا 40 طالبا تحت التكوين في هذا المجال». تفخر المدرسة بالعديد من الفنانين والأبطال، مثل جمال بوحسيني، البطل العالمي في رياضة ركوب الأمواج، الذي يدين لقصبة كناوة بانتشاله من وضعية طفل شوارع. وفرقة الأربعين التي أصبحت من أبرز العروض السياحية بمراكش، لفنانين التحقوا مؤخرا بسيرك تركيا. وعلى مدى الدورات الماضية للمهرجان الذي ينظم مرة كل سنتين تمكنت مدينة سلا من استرجاع جزء من تاريخها كمدينة «قراصنة» في القرون الوسطى، من خلال عروض فنية تمزج المسرح بألعاب وفنون السيرك والموسيقى لتروي حكايات القراصنة، ومن خلال عادة تملك المآثر والمواقع التاريخية للمدينة.