بناية المحاكم البغدادية القديمة تتحول إلى أكبر مركز ثقافي ببغداد

مديره لـ«الشرق الأوسط»: نحلم بأن تستوعب «سوق عكاظ العراق» كل النشاطات الثقافية

TT

بناية كبيرة وخربة، لا تحمل إلا الذكريات وأكواما من الأوراق التالفة التي كانت يوما ملفات مهمة لقضايا قضائية، وكتب أوامر عسكرية تعود لمئات السنين، شهدتها بناية (المحاكم البغدادية)، التي تحولت اليوم وبعد إعادة إعمارها وصيانتها إلى أكبر مركز ثقافي يتوسط أهم شارع للثقافة والأدب في بغداد، مؤسسوه يطمحون إلى تحويله لـ«سوق عكاظ العراق» لما يمتاز به من سعة ومكانة تاريخية مهمة - تلك البناية صارت تدعى اليوم بالمركز الثقافي البغدادي.

مدير المركز محمود عبد الجبار عاشور، قال لـ«الشرق الأوسط»: «يعود تاريخ هذه البناية إلى فترة أقدم من اتخاذها مدرسة عسكرية، ففي عهد الولاة المماليك العثمانيين كانت تدعى (الدفترخانة)، أي مقر حفظ السجلات الرسمية وخاصة السجلات العقارية (الطابو)، ثم قام الوالي مدحت باشا عام 1870م بتحويلها إلى المدرسة الرشدية العسكرية بعد أن أعاد بناءها بشكلها الحالي، وأكمل البناء المشير فوزي قائد الفيلق العثماني، وفي عام 1879م افتتحها الوالي عبد الرحمن باشا باعتبارها الإعدادية العسكرية.

ويضيف قائلا إن «أول ترميم لهذه البناية كان سنة 1992م، حيث قامت دائرة الآثار بترميمها، واستغرق العمل ثلاث سنوات إلى عام 1995م، حيث حافظت الآثار على الهيئة التاريخية للبناية وأزالت الأبنية المستحدثة في عهد اتخاذها مقرا للمحاكم المدنية بعد الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى، إذ اتخذها الإنجليز مقرا للمحاكم المدنية سنة 1919، واستمرت الحال كذلك حتى سنة 1978. وعلى الرغم من الصيانة التي قامت بها الجهات العدلية في الثلاثينات والأربعينات، فإن البناية تعرضت لتشويه كبير في تلك المرحلة. وبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تعرضت البناية للسلب والنهب، حيث سرقت الأبواب والشبابيك وأخشاب الأعمدة».

وعن فكرة تحويلها إلى مركز ثقافي، قال عاشور:« فكرت محافظة بغداد بتحويلها إلى مركز ثقافي، قرب شارع المتنبي، أهم شارع للأدب والثقافة في بغداد، وافتتح رسميا في فبراير (شباط) العام الماضي، وأبوابه مفتوحة مجانا لكل الاتحادات والمنظمات والجمعيات والروابط الأدبية لإقامة الفعاليات الفنية والثقافية».

وأضاف «قاعات المركز الثقافي البغدادي، جهزت بكل ما تحتاجه من تبريد وتغذية دائمة بالتيار الكهربائي لتأمين إحياء الأنشطة الثقافية من دون معوقات، والمركز يتكون من أربع قاعات، سميت الأولى قاعة علي الوردي، والثانية باسم الدكتور مصطفى جواد، والثالثة باسم نازك الملائكة، والأخيرة باسم جواد سليم وستخصص للمعارض الفنية والنحت والرسوم واللوحات من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية».

وأوضح عاشور أن «المحافظة تنوي الاستفادة من مبنيي القشلة، وبناية الوالي، في الأيام المقبلة، لتنفيذ مشاريع ثقافية وخدمية، وتمنى على جميع الوزارات القيام بخطوات مماثلة».

وعن أهم محتويات المركز، قال عاشور: «مكتبته الفخمة هي أهم ما فيه، كونها تحوي مصادر تراثية مهمة وإمات الكتب والمجلدات، سميت مكتبة (بغداد)، وهي مكتبة تراثية تعنى بتاريخ وتراث هذه المدينة الخالدة، ونطمح إلى أن تكون مصدرا مهما للباحثين والأساتذة وطلبة الدراسات العليا»، موضحا أن «المركز بادر باقتناء مكتبة العلامة الباحث ميخائيل عواد وهي تحتوي على (3370) كتابا وتعد مصدرا مهما لدراسة الأدب السرياني في العراق، إضافة إلى مقتنيات الدكتور عبد السلام رؤوف، ونقوم الآن بفهرستها وإعدادها لتأخذ موقعها ضمن رفوف وخزائن مكتبة بغداد التراثية».

وحول نشاطات المركز حاليا، قال: «المركز الثقافي يمارس نشاطه صباح كل يوم جمعة، حيث تعقد ندوات ولقاءات أدبية وعلمية وفنية في الاختصاصات المتنوعة، كما تقام فيها مهرجانات أدبية وأخرى تكريمية، من بينها الحفل التكريمي للمؤرخ الكبير سالم الألوسي، والجلسات الاستذكارية للفنان الراحل المخرج المسرحي الكبير عوني كرومي من قبل زملائه ورفاقه في المسرح العراقي، وفي مقدمتهم الفنان الكبير سامي عبد الحميد. وللشاعر الكبير مظفر النواب بعد عودته للبلاد، حيث تحدث في الجلسة عدد من رفاقه في السجن وأصدقائه الذين يحتفظون بذكريات معه».

يذكر أن العاصمة بغداد تعتبر من أهم المدن التي تحتوي على مبان تراثية وأثرية، وتتوزع هذه المباني على مساحات واسعة من المدينة القديمة، وعلى جانبي الكرخ والرصافة، ويعود تاريخ إنشاء بعضها إلى مطلع العصر العباسي، والبعض الآخر إلى العهد العثماني، وكذلك إلى العصر الحديث. وكانت دائرة التراث في الهيئة العامة للآثار والتراث قد أحصت وجود 1600 مبنى في بغداد تتراوح أعمارها بين 200 عام (العهد العثماني في مطلع القرن الماضي)، و50 سنة، (إبان الحكم الملكي في العراق)، وتضم مساجد وكنائس وخانات وقصورا ومنازل تحمل طابعا تاريخيا، ويوجد في عموم العراق، نحو ثمانية آلاف موقع تاريخي ومبنى أثري.