85 عملا معاصرا يغازل برج بابل في احتفالية فرنسية

عندما تعيد كوارث العالم طرح سؤال: إلى أين يمضي الإنسان؟

TT

«بابل».. هكذا التمعت الأحرف الخمسة المكتوبة بالفرنسية على ملصق المعرض الذي يستضيفه، حاليا، قصر الفنون الجميلة في مدينة «ليل»، شمال فرنسا، ويستمر حتى أوائل العام المقبل. إنها احتفالية كبيرة تتضمن عروضا موسيقية وندوات وأفلاما وتجهيزات فنية واللوحات الأصلية لبعض أفلام الرسوم المتحركة.

و«ليل»، المدينة الجامعية الواقعة على بعد ساعة ونيف بالسيارة إلى الشمال من باريس، نجحت في تنظيم أول معرض معاصر من نوعه للاحتفاء ببابل، المدينة التاريخية التي ورد اسمها في رُقم طينية تعود إلى ما قبل الميلاد بقرنين، وعرفت عصرها الذهبي في زمن ملكها نبوخذ نصر، وما زالت آثارها شاهدة على ضفاف الفرات في العراق، إلى الجنوب من بغداد.

وعلى مدى 5 قرون، ظل برج بابل يلهم المعماريين والمخرجين والنحاتين ويثير مخيلات الفلاسفة والمؤرخين وكتاب الروايات. ومن الغريب أن الأعمال المعاصرة ما زالت تستعيد أوصاف المدينة الرافدينية التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة. وهو ما اشتغل القائمون على هذا المعرض من أجل تجميعه لتقديمه للزوار، بالتعاون مع مؤسسات ثقافية عالمية، حتى بلغ عدد المعروضات 85 قطعة.

إن بابل الراهنة والمستقبلية، التي نراها في صروح معمارية تتوزع في الشرق والغرب، هي مرايا تعكس غرور الإنسان، كما يشير دليل المعرض، وكبرياء تصرفاته والجانب المضمر من طموحه. أليس في هذا البرج المؤلف من طبقات متعددة نزعة واضحة للتسامي وبلوغ قمم أعلى؟! وتبعا لهذا التفسير، يتأمل الزائر أعمال الفنانين البريطانيين جايك ودينوس شابمان واللوحتين الكبيرتين للرسام الألماني آنسيلم كييفر، من مجموعته المسماة «الهلال الخصيب». إنها الزقورات السومرية التي أصابها الخراب وعششت فيها الخفافيش.. ماذا فعل الزمن بمهد الحضارات؟! وهناك أعمال تحاول استعادة ما ورد في «سفر التكوين» من زاوية حياتنا المعاصرة، وترصد مراحل تشييد البرج والجزاء الإلهي الواقع عليه وتبلبل ألسنة ساكنيه ثم تشتتهم ودمار برجهم. ألا يواصل التاريخ إعادة نفسه؟ وكيف النجاة بأبراجنا ومدننا الحديثة من لعنات الحروب والزلازل والتلوث والتسرب النووي؟ هل يمكن لهذه الأبراج السكنية الآمنة في بلجيكا، بنوافذها الملونة وشرفاتها المزهرة، أن تتعرض لجنون الطبيعة أو شرور البشر؟

يأتي المعرض في سياق برنامج متكامل يشرف عليه ريجيس كوتنتان ويتركز حول سؤال: «إلى أين تمضي البشرية؟».. إنه سؤال قديم لكن الكوارث المتتالية في بقاع هذا العالم تجعل من المناسب الإلحاح في طرحه. ومن هنا تنبع أسطورة بابل، المدينة التي جمعت بين المجد والكارثة. ولهذا فإن من المستحيل أن يتجاوز القائمون على المعرض موضوع العولمة، واللغة شبه الموحدة التي فرضها ظهور «الإنترنت»، كما أن من المتوقع أن تقفز صور تدمير برجي مركز التجارة في نيويورك، إلى أذهان الزوار.

ولأن مملكة بابل كانت، أيضا، صرحا للمعرفة في عصرها، يلفت النظر التجهيز الذي قدمه الفنان الألماني المقيم في باريس جاكوب غاوتل وبنى فيه برجا ملويا، على غرار ملوية سامراء، استخدم في 1500 كتاب.