داميان هيرست في «تايت مودرن».. بين البساطة وتجسيد الطابع الغرائبي

ماذا سيكون رأي القطريين في المعرض عند انتقاله إلى الدوحة.. وهل سيرضي أذواقهم؟

TT

يشار إلى داميان هيرست على أنه فنان بارع ورجل أعمال ناجح، وتشتهر أعماله بأنها مفرطة في البساطة وتافهة ومثيرة للاشمئزاز. فاستخدامه المتكرر للحيوانات الميتة أو المحتضرة جذب انتباه الجمهور من كل حدب وصوب. لقد أثار معرض أعماله المختارة الحالي المقام في متحف «تايت مودرن» بلندن عددا من الآراء المتباينة عبر أنحاء هذه المدينة.

وبالمثل فإن رعاية المعرض من قبل هيئة متاحف قطر أثار وجهات نظر مختلفة، وربما لأسباب مختلفة.

كان هيرست معروفا منذ صعوده من حركة «الفنانين البريطانيين الشباب» في أواخر الثمانينات من القرن العشرين. وقد حظيت حركة «الفنانين البريطانيين الشباب»، التي التقى أفرادها أثناء سنوات دراسة الفن في كلية غولدسميث في جنوب لندن، بالتقدير لإحيائها المشهد البريطاني للفنانين والمعارض. غير أنه بقدر ما قدرت هذه الحركة، تم انتقادها لكونها متكاسلة وبعيدة عن مفهوم الفن.

ويعتبر المعرض هو أول معرض يعرض الأعمال الكاملة لهيرست منذ بدء اشتغاله بالفن، وهو شيء نادرا ما يحدث مع فنانين أحياء. وفي المعرض الذي يجسد مسيرة حياته العملية التي تمتد إلى 25 سنة مضت، تعرض بعض القطع الأيقونية المصنوعة من الفراشات الميتة والفراشات الحية والذباب الميت والذباب الحي، وغير ذلك من الأعمال الغرائبية في صناديق زجاجية. لكنه يضم أيضا أعماله الأكثر بساطة، مثل مجموعته التكرارية من البقع الملونة. ومن خلال أعمال تحمل أسماء مثل «في الحب وللحب» و«المحرقة» وغير ذلك، تتجلى مواضيع الحياة والموت والحب والعلم بشكل صادم مخيف، حتى لو كان ذلك بطريقة مثيرة للفضول. فقد أثارت قطعته الفنية الغريبة الممثلة في سمكة قرش عائمة في محلول الفورمالدهايد في صندوق زجاجي كثيرا من الجدل عن معنى الفن في هذه الأيام.

من ثم، لم يكن من المفاجئ أن يطرح سؤال عن سبب اهتمام هيئة متاحف قطر بدعم مثل هذا المعرض، مع أن ذلك يبدو منطقيا حين نعرف أن المعرض سوف ينتقل إلى الدوحة بعد فترة إقامته في لندن، يتبع ذلك السؤال تساؤل حول ما يمكن أن يكون رأي القطريين بشأن المعرض، الذي من المفترض أن تكون الأعمال المعروضة فيه موجهة لإرضاء أذواقهم.

لسوء الحظ، تعذر الوصول إلى أي مسؤول من هيئة متاحف قطر للحصول على تعليق على أي من تلك الأسئلة بشكل مباشر.

تضم المعارض السابقة التي أقيمت تحت رعاية قطر معرض الفنان الصيني تساي غو تسيانغ، يتبعه معرض الفنان الياباني تاكاشي موريكاما. وسيكون هذا ثالث معرض، على الرغم من أنه يمكن القول إنه أكثر المعارض تجسيدا لتطرف الفن «الأجنبي» المعاصر يقام في قطر. وبوصفه قطاعا ناشئا حديثا، ليس فقط في قطر ولكن بمختلف أنحاء دول الخليج، أشار البعض إلى أن التركيز على الفن الإقليمي وتاريخ الفن والحركات الفنية ربما يكون أكثر ملاءمة. وقد قيل أيضا إن المبالغ التي تم إنفاقها في رعاية معرض داميان هيرست المقام في «تايت مودرن» ربما يكون من الأفضل إنفاقها محليا على مجالات مثل تعليم وتطوير هذا القطاع الجديد.

وعلى الرغم من ذلك، فإن آخرين يقدرون أهمية تلك الخطوة. وعلق رجل الأعمال وراعي الفنون القطري، طارق الجايدي، من هذا المنظور، قائلا: «إن وضع اسم هيئة متاحف قطر على هذه الأحداث والمؤسسات الفنية العظيمة يولد وعيا بأحداث وأنشطة قطر. نحن نرغب في إظهار أنفسنا بمظهر اللاعبين الرئيسيين في مشهد الفن العالمي. وربط اسم هيئة متاحف قطر بهذه الأحداث يظهرنا في صورة لاعبين رئيسيين مرتبطين بها». وبالتأكيد يجب أن يكون ذلك هو هدف هيئة متاحف قطر. وتستهل قائمة المعروضات في معرض داميان هيرست بمقدمتين؛ إحداهما لكريس ديركون، مدير «تايت مودرن» والثانية لـ«الشيخة مايسة بنت حمد آل ثاني»، رئيسة مجلس أمناء هيئة متاحف قطر. وفي ملاحظتها، تربط بشكل بارع بين الرياضات والفن، وهما كلمتان رئيسيتان في كل من لندن وقطر. تحاكي رؤية دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 الرؤية المستقبلية البعيدة لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 المقرر إقامتها في قطر، فيما تربطها بثاني هدف لقطر، ألا وهو تطوير قطاع الفنون هناك. كتبت الشيخة مايسة: «الفنون المرئية، مثل الرياضات، تلعب دورا عبر الثقافات المختلفة».

ينتقل معرض «تايت مودرن»، الذي يضم أكثر من 12 غرفة، ما بين تجسيد البساطة والطابع الغرائبي. وأشير إلى إحدى الغرف، التي تمثل نسخة طبق الأصل من صيدلية حقيقية، باسم «فن التكرار»، في تنظيمها المتقن. وتصطف فيها أدوية تقوم بدور التأثير على صحتنا، وبالتبعية، على مفهومي الحياة والموت، في مجموعات تضم 20 أو 30 أو 50 دواء، على طول الحوائط المرتفعة للغرفة. وتجسد الزجاجات الصغيرة والحقن، فضلا عن مجموعات أدوية «أدفيل» و«زانتاك» و«بروزاك» وأقراص الصوديوم، وغيرها من الأقراص اليومية الأخرى، بجانب أنواع من غسول الفم.

وفي غرفة أخرى، تحمل اسم «الغرفة الذهبية»، توجد قطعة تحمل اسم «يوم الحساب». وتتلألأ كل المعروضات، والزائرون يكونون إما في حالة من الانبهار أو الصدمة من بريق الرفاهية والفخامة، الممتزج بشكل غريب مع السجائر المطفأة، على نحو يجسد عبارة الحب الشهيرة «إلى أن يفرقنا الموت». وفي وسط الغرفة، تطفو سمكة قرش ميتة في واجهة عرض مملوءة بمحلول الفورمالدهايد، تحمل اسم «الاستحالة المادية للموت في عقل شخص حي، على نحو يستحضر فكرة أخرى عن مفهوم الموت والصورة الخيالية عنه.

أما المعروضات الأخرى، فتبدو أكثر صعوبة في فهمها، مثل واجهة المعرض الكبيرة التي تظهر فيها رأس بقرة ملقاة على الأرض، محاطة بدماء وذباب ويرقات، التي تشكل جميعها جزءا من تلك القطعة الفنية الصادمة. وبالفعل يبدو أنها تنبعث منها رائحة كريهة.

ومع هذه القطع الصادمة التي ولدت ردود أفعال تنم عن صدمة داخل وطن الفنان منذ بدئه العمل لأول مرة في عام 1988، سوف يكون من المثير التعرف على رأي القطريين عند إقامة هذا المعرض الفني المثير للجدل في بلدهم.

يذكر أن معرض داميان هيرست يستمر في متحف «تايت مودرن» في لندن حتى سبتمبر (أيلول) 2012.