مدينة مكسيكية صغيرة تتحول إلى قبلة السياحة الطبية للأميركيين

مكسيكالي تقدم مختلف أشكال الرعاية الطبية بأسعار زهيدة

أصبحت مستشفيات مكسيكالي وجهة للكثير من الأميركيين للعلاج والحصول على الرعاية الصحية
TT

كثيرا ما يأتي السياح إلى البلدات الحدودية بحثا عن نوع من أنواع المغامرة الممنوعة، مثل التنقل ما بين الحانات وأندية التعري واستراحات المسافرين الوضيعة التي تنتشر في الشوارع. ولكن هنا، يبحث الزوار عن شيء آخر أكثر أهمية، وهو إجراء علاج جذور يمكنهم تحمل ثمنه أو جراحة ظلوا يؤجلونها منذ أشهر.

لقد اتخذت مدينة مكسيكالي من الرعاية الطبية وسيلتها الأولى لاستقطاب السياح، وهي تجتذب أعدادا متزايدة من المقبلين بحثا عن الرعاية الصحية من كاليفورنيا وغيرها من الولايات القريبة. وتجري المستشفيات هنا عمليات جراحية، مثل عمليات تحويل مجرى المعدة وشفط الدهون وعلاج آلام الظهر المزمنة، ويتعهد أطباء الأسنان بأنه يمكن إجراء عمليات الخلع والحشو والتبييض بثمن أقل، وينشر أطباء العيون إعلانات تتحدث عن جراحات الليزر والفحوص الروتينية.

ومع بلوغ ذروة الجدل الوطني المحتدم حول قانون الرعاية الصحية الذي تقدمت به إدارة الرئيس أوباما، الذي سيزيد بشكل كبير عدد من يغطيهم نظام التأمين الصحي، يقوم الآلاف بعبور الحدود بحثا عن رعاية صحية إما لا يستطيعون تحمل ثمنها أو يرغبون في الحصول عليها بثمن أقل. وقد ازداد الإقبال باطراد على مدار السنوات القليلة الماضية، حيث جذب المكسيكيين غير المؤمن عليهم الذين استقروا في الولايات المتحدة ولديهم حاجة ماسة إلى الحصول على رعاية صحية في متناولهم، إلا أنه يشمل بشكل متزايد مجموعة أصغر ولكنها متنامية من المرضى من أبناء الطبقة الوسطى من جميع أنحاء البلاد الذين يبحثون عن أسعار مواتية لإجراء الجراحات الاختيارية التي لا تغطيها معظم نظم التأمين الصحي.

وتقول ستيفاني راسكي (26 عاما)، وهي باحثة اجتماعية من مدينة بيركنز بولاية أوكلاهوما دفعت نحو 8 آلاف دولار لشفط بعض الدهون ورفع الثدي وشد البطن، وهو ما كان سيكلفها ضعف هذا المبلغ تقريبا في الولايات المتحدة: «في البداية، لم أكن قد سمعت من قبل بمدينة مكسيكالي، لكنني سألت كل الأسئلة التي قد تخطر في ذهني، وفي النهاية شعرت بالارتياح تجاهها».

وهذا الكلام تطرب له أذن عمر ديب، الذي يشرف على السياحة في المدينة، فيقول: «هناك سوق ضخم لهذا. كل ما علينا هو أن نعد الأمور بالطريقة السليمة. الجميع يستفيدون: الفنادق، والمطاعم، والاقتصاد المحلي. إننا نمنحهم سببا للمجيء، وهم يأتون إلى هنا».

وقد صرح المسؤولون بأن أكثر من 150 ألف مريض جاءوا إلى مكسيكالي العام الماضي، وضخوا ما يزيد على 8 ملايين دولار في اقتصاد المدينة. وهناك أكثر من 12 مستشفى تستقبل الأميركيين بانتظام، والكثير منها به مدير خاص لتنسيق خطط السفر والأمور الطبية. ومع توافر نحو 100 عيادة في محيط 6 بنايات، تأمل المدينة في أن تصبح منطقة طبية خاصة عن طريق رفع مستوى الشوارع والأرصفة وزيادة الخدمات المقدمة للسائحين.

وعلى الجانب الآخر من الحدود في جنوب كاليفورنيا، ظلت مدينة كاليكسيكو الصغيرة تعاني لعقود، حيث توجد في المنطقة أعلى معدلات بطالة في البلاد، كما يعتمد الكثير من الأهالي في وادي «إمبيريال» على العمل في الزراعة الموسمية، ولا يتمتعون بأي تأمين، وبالتالي قد يبدو المجيء إلى مكسيكالي للحصول على الرعاية الطبية أمرا طبيعيا بالنسبة لهم. وقد قام عدد بسيط من شركات التأمين هناك بالتوسع في قاعدة التغطية التأمينية داخل المكسيك، مما يشجع عملاءها على السعي وراء الرعاية الطبية الأرخص ثمنا. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2010 أن نحو 85 في المائة ممن عبروا الحدود سعيا وراء الرعاية الطبية كانوا ناطقين بالإسبانية، لكن ديب يقول إنه يتوقع قدوم المزيد والمزيد من «الأميركيين ذوي العيون الزرقاء» خلال السنوات المقبلة.

وفي جميع المراكز التجارية والبنايات الإدارية هنا، يزيد عدد العيادات على كل ما عداها، وتقدم الفنادق أسعارا خاصة للمرضى، كما بدأت مكاتب السياحة المحلية في تقديم رحلات بأسعار مخفضة من لاس فيغاس لنقل من يفضلون عدم القيادة بأنفسهم. وقد قامت الحكومة هذا العام بفتح ممر خاص كي توفر على السياح الطبيين الانتظار لفترة طويلة على الجانب المكسيكي من الحدود، وهو ما كان يصل في كثير من الأحيان إلى 3 ساعات.

وفي ظل الدعم القوي من جانب الحكومة المحلية، يأمل الأطباء في جذب المزيد من الأميركيين لإجراء الجراحات الاختيارية أو الحصول على مستوى أعلى من الرعاية الطبية الأساسية التي قد لا يكونون قادرين على تحمل تكاليفها في بلادهم. ويرى الكثيرون هنا أن ما سيدفع السوق حتما إلى النمو هو استمرار الارتفاع في تكاليف الرعاية الصحية وتزايد عدد من يتوقون إلى العثور على رعاية صحية في متناولهم، وخصوصا العمال محدودي الدخل بطول الحدود.

وقد قاد جوان سيلز سيارته لمدة 3 ساعات تقريبا من منزله في مدينة ديزرت هوت سبرنغز بولاية كاليفورنيا إلى هنا كي يجري لابنته أبيغيل (11 عاما) عملية تقويم الأسنان. وعلى الرغم من أنه يتمتع بتأمين صحي من عمله متعهد توريد للمطاعم، فإن هذا التأمين لا يغطي علاج الأسنان، مما جعله يتردد على هذا المكان عشرات المرات. وهو يقول إن توفير آلاف الدولارات سوف يعوضه عن رحلة الذهاب والإياب التي تستغرق 5 ساعات على الأقل والتي سيضطر قريبا إلى القيام بها مرتين في الشهر.

ويعلق سيلز، بينما تجلس ابنته على مقعد عيادة تقويم الأسنان الصغيرة، التي أوضح صاحبها أنه يستعمل الأجهزة والمعدات التي يستعملها الأميركيون: «توفير الأموال مهم مثل الوقت تماما». وذكرت زوجة سيلز، أراسيلي، أن أسرتها تأتي إلى هنا للحصول على الرعاية الطبية منذ أن كانت طفلة.

وحينما عانت ابنتهما الكبرى نوبات مرضية، لم يستطع الطبيب المحلي الذي يترددون عليه رؤيتها لمدة أسابيع، وكان الوالدان متلهفين للحصول على تشخيص بسرعة أكبر، مما جعلهما يأتيان إلى هنا لزيارة طبيب لم يعط ابنتهما علاجا جديدا فحسب، بل أعطاهما أيضا رقم هاتفه الجوال حتى يمكنهما الاتصال به من أجل الاستشارة والمتابعة.

وتقول سيلز: «في هذا الظرف، لم يكن دفع ثمن العلاج يهم حقا. كنا نتحدث عن حياة ابنتنا، لذا فقد كنا نريد المساعدة فورا، وقد حصلنا عليها».

وهنا، يتحدث الكثير من المكسيكيين بفخر عن سهولة الوصول إلى أطبائهم، حيث يرسلون إليهم رسائل نصية متتالية بها أسئلة وينتظرون تلقي رد منهم في غضون دقائق. وهناك نادرة ذائعة الصيت تدل على وجود المزيد من الاهتمام في الرعاية، وهي أن الممرضات يقمن بتدفئة كف المريض قبل غرس الإبرة فيها.

ولكن هناك اعتبارات أخرى كثيرة يجب على المرضى المستقبليين مراعاتها، ومنها أنه لا توجد في مكسيكالي مستشفيات معتمدة من أي جهات تصديق طبي أميركية، وعلى الرغم من أن المنشآت والمعدات تبدو نظيفة وحديثة، فإنه لا توجد أي دراسات منشورة تراقب معدلات العدوى أو غيرها من عوامل الخطورة. ولكن مع ذلك، يحتشد الأميركيون هنا لإجراء الجراحات، ويبدو عليهم الارتياح بما لديهم من معلومات.

ويقول كارلو بونفانتي، وهو صاحب مستشفى «هوسبيتال دو لا فاميليا»، التي تلقت راسكي العلاج فيها، إن أكثر العمليات شعبية هي جراحة تحويل مجرى المعدة وتدبيس المعدة «بفضل كل هذه الكميات من البطاطس المقلية التي يتناولونها عبر الحدود»، على حد تعبيره، ولكنه يأمل أن يبدأ المزيد من الناس في المجيء بحثا عن الرعاية الصحية الأساسية. وتابع قائلا: «من يعيشون على بعد أميال قليلة من هنا ولكنهم موجودون في بلد آخر لا يستطيعون تحمل ثمن العلاج، لذا فسوف نوفره لهم بثمن أقل، أيا كان ما يحتاجونه».

ومنذ فتح الممر الطبي الخاص على الحدود نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، أصدر الأطباء نحو 1600 تصريح مرور، وهذه التصريحات ضرورية لاستعمال الممر.

وتقول ديانا كوتا، التي تشرف على الرعاية الدولية في مستشفى «هوسبيتال ألماتر»، التي يأتي نحو 20 في المائة من مرضاها من خارج المكسيك: «نحن نريد أن نجعل الأمر أسهل ما يمكن، بحيث لا يكون هناك أي تردد في المجيء. نريد المريض أن يأتي إلى هنا حتى قبل أن يصل إلى المرحلة التي يقول فيها إنه لن يستطيع دفع ثمن ما يريده في الولايات المتحدة».

* خدمة «نيوريورك تايمز»