المغنية فرنسواز هاردي تبدأ حملة عصيان ضد دفع الضرائب في فرنسا

بعد مسعى الحكومة الاشتراكية لتشديدها على أصحاب الثروات

فرنسواز هاردي
TT

لم يكن رئيس الوزراء البريطاني يمزح عندما دعا الأثرياء الفرنسيين لنقل مكان سكنهم إلى بريطانيا، بسبب الضرائب الباهظة في بلادهم، قائلا: إن بلاده ستفرش لهم السجادة الحمراء. فقد ارتفعت وتيرة التململ في صفوف الفنانين والرياضيين والمؤلفين الكبار منذ أن كشف الرئيس الفرنسي الجديد، فرنسوا هولاند، عن نواياه في رفع نسبة الضرائب إلى 75% على أصحاب الدخول العالية.

أول من رفع الصوت احتجاجا، كانت المغنية المعتقة فرنسواز هاردي، فهي قد أعلنت في مقابلة نشرتها مجلة «تشالانج» الاقتصادية في عددها الأخير، أنها غير متأكدة من قدرتها على دفع ضرائبها، هذا العام، في ظل الارتفاع المقرر للضريبة المسماة «ISF»، أي «الضريبة على الثروات»، ولا تشمل هذه الضريبة الدخل السنوي فحسب بل تحسب قيمة العقارات التي يمتلكها الفرنسيون وتضع سقفا للإعفاء المقرر لها، وكانت الحكومات اليمينية السابقة قد رفعت هذا السقف في حين من المتوقع أن يراجع الاشتراكيون تلك القرارات.

واتهمت هاردي (68 عاما) الحكومة بأنها تفرض على المواطنين ضريبة موحدة ذات طابع «آيديولوجي»، وهي كانت قد هاجمت، قبل الانتخابات الأخيرة، النسبة العالية التي يسددها الفنانون من ممثلين وموسيقيين إلى الدولة، وقالت في المقابلة إنها منحت صوتها لنيكولا ساركوزي لأنه أقل فئوية وأكثر واقعية من هولاند، وأوضحت المغنية التي تعد من العلامات البارزة في تاريخ الأغنية الفرنسية أنها الضرائب تلاحقها، من دون وجه حق، بعد أن وضع موظفوها تقديرا مرتفعا لشقة كانت قد اشترتها قبل سنوات ولا تزيد مساحتها على 125 مترا مربعا. إنهم يريدون منها، حسب الضريبة على الثروات، دفع 60 ألف يورو، وأضافت: «لقد عرضتها للبيع لكنني لا أجد لها مشتريا» بالسعر الذي قدرته دائرة الضرائب.

بصوتها الدافئ، اقتحمت فرنسواز هاردي المشهد الغنائي في فرنسا وهي في الثامنة عشرة من العمر. كان ذلك في ستينات القرن الماضي، زمن الأغنية الرومانسية والتمرد الشبابي، وقد لفتت الأنظار بشعرها المسترسل الطويل وملامحها التي تبدو كأنها حزينة لأمر ما، وسرعان ما عرفت أغنياتها التي كانت تؤديها وهي تعزف على «الغيتار» نجاحا في أوساط الشبيبة التي انتفضت على حكم الجنرال ديغول وكل القيم البالية، وتحولت هاردي إلى أيقونة فرنسية معاصرة، وعلى مدى عقود، ظلت تنافس زميلتها ميراي ماتيو على عرش الأغنية، رغم اختلاف توجهات إحداهما عن الأخرى والنمط الغنائي لكل منهما.

في تصريحات سابقة، كانت فرنسواز هاردي قد أعربت عن تخوفها من فوز هولاند وقالت: «لو فاز فلن أكون قادرة على دفع ضرائبي»، وهو كلام قد يكون مقدمة لقرار هجر فرنسا والانتقال للعيش في بلد ذي نظام ضرائبي أكثر رحمة، مثل بريطانيا أو سويسرا أو بلجيكا، وبهذا لن تكون المغنية التي قصت شعرها الطويل الذي استحال بياضا، أول من يهرب إلى خارج الحدود من بين المشتغلين بالفن. فقد سبق لزميلها المغني جوني هايداي أن حاول الحصول على الجنسية البلجيكية لكي يتهرب من قسوة الضرائب في فرنسا. بل إن ليليان بيتنكور، وارثة شركات «لوريال» وأغنى امرأة في فرنسا هددت بنقل مسكنها الضريبي إلى خارج البلاد في حال واصل القضاء الفرنسي مضايقتها.

توقفت هاردي، منذ سنوات، عن الغناء على المسرح وفي الحفلات. لكنها ما زالت تكتب أغنياتها وتلحنها بنفسها وتطلق، بين الحين والآخر، أسطوانات تنطوي على شحنة قوية من الحنين. إن صوتها يذكر المستمع بالثورة الجنسية وحركات تحرير المرأة التي كان القرن العشرون مسرحا لها. لكنها، وهي تهمس بنصوصها، لا تصدم الأذن ولا تجرح المخيلة، وفيما عدا مهنتها، فإنها تكرس أوقاتها لشريك حياتها المغني والممثل جاك دوترون الذي ارتبطت به منذ 1967. وتزوجا في عام 1981 في حفل أقيم في جزيرة كورسيكا، وللزوجين ولد وحيد.

تؤكد هاردي أنها لم تفكر بالهجرة من فرنسا، من قبل، لأنها خطوة تتطلب عمرا شابا وثروة كبيرة تسمح لها بالعيش في لندن أو نيويورك. أما هي فلا تحصل على أكثر من 150 ألف يورو في السنة وتحاول بيع شقتها الكبيرة في جادة فوش الراقية (125 مترا تعتبر شقة كبيرة في باريس) والانتقال إلى شقة أصغر لحل مشكلتها مع الضرائب. إنها تشعر بثورة داخلية لأن الضرائب تلاحقها من أجل عقار دفعت فيه جني عمرها، وهي تؤكد أنها باعت منزلها واقترضت من البنك لكي تشتري تلك الشقة وظلت تسدد أقساطها طوال 20 عاما، وهي مسكنها الوحيد مع زوجها وابنها، وترى المغنية أن الضريبة على الثروات هي حالة فرنسية وحيدة وليس هناك ما يشبهها في الدول الأوروبية الأخرى.

وبما أن الهجرة غير واردة فإن العصيان والامتناع عن الدفع هو التصرف الظاهر في الأفق. فهل تكون حالة فرنسواز هاردي مثيرة لسخط عام على غرار ما لاقته فرنسواز أخرى من قبل، هي الروائية الشهيرة فرنسواز ساغان التي باعت ما فوقها وما تحتها دون أن تنجح في تسوية مشاكلها مع الضرائب؟ لقد أورثت ساغان ديونها لولدها الوحيد، وبعد تدخلات من أوساط عليا توصل إلى اتفاق يسمح له بتسديد ما ترتب على والدته من عائدات بيع كتبها، أي بالدفع المؤجل.

«بم تنفع النقود الكثيرة؟»، سؤال ردت عليه هاردي بالقول إن العائدات الجيدة تسمح لصاحبها بأن يكون معتمدا على نفسه في شيخوخته، وفي حال لم تصادر الضرائب نسبة كبيرة منها فإن النقود الكثيرة تسمح بمساعدة أناس آخرين ممن حوله.