جورج شقرا.. بشرى جرار.. كريستوفر جوس.. كل يغني على الـ«هوت كوتير»

أوراق التاروت تؤكد أن مستقبل «اتولييه فرساتشي» وردي

TT

في موسم الـ«هوت كوتير» الماضي خرج الكل بنتيجة واحدة وهي أنه كان صاخبا بالأحداث. ففيه قدم شقي الموضة الفرنسية جون بول غوتييه مجموعة أراد من خلالها إلقاء تحية خاصة للمغنية الراحلة إيمي واينهاوس، لكنها في المقابل أثارت حفيظة والدها وانتقاداته، وقدم بيل غايتون تشكيلة رومانسية لم يكن يعرف هو نفسه وقتها أنها ستكون آخر ما سيقدمه لدار «ديور»، كما قدمت دوناتيلا فيرساتشي أول تشكيلة من خط «أتولييه فرساتشي» الذي توقف منذ قرابة الـ8 سنوات وغيرها من الأحداث. ما لم يكن يتوقعه أي من هؤلاء أن هذا الموسم سيكون أكثر صخبا وإثارة، ففيه قدم البلجيكي راف سيمونز يوم أمس أول تشكيلة له لدار «ديور» بعد تعيينه خلفا لجون غاليانو الذي ترك الدار في العام الماضي مغضوبا عليه بسبب تفوهه بكلمات معادية للسامية.

دراما خروجه من الدار التي قدم لها تشكيلات أيقونية لا يمكن أن تنسى لم يضاهها إلا دراما بحث طويل عن خليفة له، لهذا ترقب الجميع عرض راف سيمنز بلهفة. لكن إذا كان أمس الاثنين يوم «ديور» ومصممها الجديد، فإن يوم الأحد كان يوم «فرساتشي» بلا منازع. ففيه تسلطنت دوناتيلا في فندق الريتز قبل أن يغلق أبوابه في آخر الشهر لمدة عامين سيخضع فيها لترميمات وعمليات تجميل. ولم تكتف بتقديم تشكيلة تحمل كل جينات الدار الوراثية، بل أيضا طرحت أول مجموعة لها من المجوهرات الراقية، والتي يبدو أنها كانت على بالها عند تصميم هذه التشكيلة التي غلبت عليها ألوان المجوهرات والأحجار مثل الاكوامارين، الماس، السيترين وغيرها.

تجدر الإشارة إلى أن العادة جرت بأن ينطلق أسبوع الأزياء الراقية الباريسي يوم الاثنين، لكن عودة دوناتيلا إلى خطها الراقي «اتولييه فرساتشي» في الموسم الماضي غير لائحة البرنامج. ويبدو واضحا أن دوناتيلا لم ترد أن يُحشر عرضها ضمن الأيام الأربعة للأسبوع وفضلت أن تستحوذ على الحضور، من زبونات ووسائل الإعلام، قبل أن يصاب بالتعب أو عمى الألوان الناتجين عن الجري من مكان إلى آخر ومتابعة العروض المتتالية.

اختيارها لمكان العرض كان أيضا محسوبا. فإلى جانب أن فخامة القاعة الواقعة أسفل «الريتز» والتي قيل إنها كانت المسبح التابع للفندق وغطيت لكي تتحول إلى منصة، كانت خلفية رائعة لتشكيلة الدار الإيطالية سقفها المغطى برسومات جذابة، فإن الفندق الفرنسي الشهير يحمل الكثير من الذكريات الشخصية الحميمة بالنسبة لدوناتيلا. فقد كان المكان الذي قدم فيه الراحل، جياني، آخر عرض له في عام 1997 قبل مقتله، وظل المكان المفضل للدار إلى 2004، العام الذي توقف فيه إنتاج خط «الهوت كوتير». وجاء اختياره مناسبا لتسجيل مرحلة جديدة في تاريخ الدار. مرحلة أكثر ثقة وأكثر قوة، وهذا ما عبرت به دوناتيلا أول من أمس من خلال تشكيلة مفعمة بالتفاؤل وكل ما فيها يقول بأن المستقبل وردي.

هذا على الأقل ما قالته أوراق التاروت، المستعملة في التبصير، التي ألهمت دوناتيلا، وتجسدت في أشكال الشمس والقمر والأحبة وغيرها من الأشكال التي زينت فساتين سهرة طويلة بتنورات منسابة من الشيفون وطبعا بفتحات جانبية عالية، وأخرى قصيرة جدا تشد الجسد وتتلاعب على انحناءاته وتضاريسه بشكل أنثوي يستحضر أسلوب الدار المثير. بالإضافة إلى الفتحات الجانبية عند الساق، كان هناك تركيز واضح على منطقة الظهر التي جاءت مفتوحة في بعض الأحيان بشكل مبتكر وجديد، ومنطقة الخصر التي تم تحديدها تارة بأحزمة عريضة وكأنها كورسيهات وتارة بنقوشات توحي بأنها أحزمة. في كل الحالات كان الغرض منها الاحتفال أو خلق انطباع بخصر نحيل. وطبعا لا يمكن أن يكتمل أي عرض من عروض الدار من دون بريق، بحيث طرزت الكثير من الفساتين بالترتر والخرز وأحجار الكريستال بينما خرمت تلك المصنوعة من الجلد لتبدو وكأنها دانتيل لتضفي عليها نعومة.

يخرج المرء من هذا العرض بإحساس أنه كان وسيلة أنيقة استعرضت فيه الدار قوتها الجديدة. ولم لا؟ فقد سجلت أرباحا في عام 2011 تقدر بـ8.5 مليون يورو مقارنة بعام 2010 الذي سجلت فيه خسارة تقدر بـ21.7 مليون يورو. بل هي تحقق الأرباح لأول مرة منذ سنوات. والفضل في هذا يعود إلى الأسواق النامية في كل من آسيا وجنوب أميركا وأسواق أميركا وأوروبا المتعطشة لكل ما هو مرفه وفخم. أمر انتبهت له الدار وواكبته بافتتاح محلات جديدة لها في كل من نيويورك ولوس أنجليس، كما في آسيا والشرق الأوسط. بعبارة أخرى فإن «فرساتشي» هذه الأيام لها كل المبررات لكي تحتفل بنفسها وعلى الطريقة التي تعودت عليها قديما وتلتصق بصورتها كدار تحب الحياة اللذيذة وتخاطب بأزيائها زبائن يعيشون هذه الحياة ويتلذذون بمتعها.

من جهته، قدم اللبناني جورج شقرا صباح يوم أمس في «لوباليه دو لاديكوفيرت» بالقرب من جادة شانزيليزيه، عرضا استوحاه من حقبة الخمسينات ومن بطلات أفلام هيتشكوك، وبالتالي فإن امرأته جاءت بعدة وجوه وأقنعة.

المشكلة أن التصاميم تنوعت بشكل كبير، فيما يكون تفسيره بأن المصمم أرادها أن تخاطب عدة أذواق من دون استثناء احد، إلا أنه بذلك ضيع على نفسه فرصة تحديد تيمته وجاءت الرؤية غير واضحة. فالتشكيلة جاءت وكأنها كوكتيل لا شك أنه شهي لكنه غني يصيب بالتخمة، حيث جمع فيه الأسلوب الانسيابي بالأسلوب الهندسي، والرومانسي بالواقعي الذي يناسب امرأة واثقة، من خلال فساتين كوكتيل وأخرى طويلة للسهرات. كما جمع فيه حقبة الخمسينات مع إيحاءات من حقبة الثمانينات تجسدت في الغالب في أحزمة عريضة على شكل كورسيهات بألوان الذهبي أو من الجلد اللماع، إلى جانب إيحاءات لفنانين معاصرين تجلت في ظهور ما يشبه انسياب طلاء على جانب فستان طويل باللون الأبيض. كان هناك أيضا سخاء في استعمال الريش الذي غطى أجزاء كثيرة من الجسم، فهو إن لم يظهر في تنورات، ففي كم واحد أو في الجوانب، فضلا عن التطريزات والتخريمات التي لعبت على الغموض والإثارة في الوقت ذاته، مثل فستان أسود استهل به العرض، يعانق الجسم ويتتبع تضاريسه من خلال اللعب على جوانبه بأقمشة شفافة ساعدت على منحه رشاقة.

المصممة المغربية الأصل بشرى جرار، كعادتها قدمت تشكيلة عملية للغاية، أكدت فيها مرة أخرى أنها تفهم حاجة المرأة لخزانة ملابس تأخذها من النهار إلى المساء بسهولة. ورغم أن المصممة تعرض في موسم الـ«هوت كوتير» منذ عدة مواسم الآن، إلا أن الحقيقة أن أزياءها لحد الآن اقرب إلى الأزياء الجاهزة التي تحاكي الـ«هوت كوتير» منها إلى أي شيء آخر. نعم تعتمد على التفصيل المتقن، ونعم تولي كل صغيرة وكبيرة الكثير من الانتباه، لكنها لا تؤمن بالتفاصيل المبهرة أو البهارات التي يمكن أن تزيد من عنصر الدهشة والحلم فيها.

كل قطعة من، القمصان إلى البنطلونات أو التنورات أو المعاطف الممطرة، يمكن أن تناسب امرأة عاملة تتوخى الأناقة في كل أوقاتها، وربما هذا ما يحسب لبشرى. فهي بهذا تعود إلى جذور الـ«هوت كوتير» ومفهومها في تقديم أزياء لكل المناسبات التي تهم المرأة من الصباح إلى المساء، سواء كانت متوجهة للتسوق أو للسهر. المشكلة الآن، أن الأزياء الجاهزة أصبحت تقوم بهذه المهمة مما يتطلب إدخال عناصر أخرى تميزها وتجعلها فريدة بحيث تبرر أسعارها الصاروخية. قبلها قدم المصمم كريستوف جوس تشكيلة غلب عليها الأسود مع قليل من الأبيض والرصاصي والأزرق المائل إلى الرمادي. رغم قتامة الألوان وحيادتها فإن التصميم كان استثنائيا في هندسيته المحسوبة بشكل لم يجرد أي قطعة من أنوثتها. تشكيلة تحمل كل بصمات الأزياء الراقية وتخاطب امرأة عصرية بكل المقاييس.

من العروض الشيقة الأخرى التي سنتابعها على مدى أربعة أيام، بالإضافة إلى «شانيل»، «فالنتينو»، «جيورجيو أرماني بريفيه»، ستيفان رولان، إيلي صعب، جورج شقرا، جون بول غوتييه، وغيرهم، أول عرض للمصمم الكندي الشاب راد حوارني. أهمية تشكيلته تعود إلى أنها تخاطب الجنسين، مما يجعله أول كندي يشارك في الأسبوع الباريسي وأول مصمم يخاطب الجنسين بتشكيلة واحدة. لكننا سنتوقع منه الكثير من الابتكار وطيات الأوريغامي، إلى جانب أقمشة مثل الكشمير، الحرير والكريب والجلد.

أيضا من بين الأسماء الـ23 المشاركة في الأسبوع، اللبناني ربيع كيروز، الذي وقع مؤخرا عقدا مع شركة «لا رودوت» الفرنسية سيقدم بمقتضاه تشكيلة خاصة لها.