تونس: الدراسة في الخارج تغري الناجحين الجدد

مكاتب الوساطة تساعدهم في ألمانيا وأوروبا الشرقية وأميركا

TT

بعد أن انتهت السنة الدراسية في تونس وتبين معظم تلاميذ الأقسام النهائية نتائجهم، باتت عمليات الاختيار على الاختصاصات التي ستفتح أبواب الدراسات في الجامعة محل تنافس شديد بين الناجحين في البكالوريا (الثانوية العامة)، فالكثير من العائلات التونسية في أذهانها اختصاصات علمية بعينها على غرار الطب والصيدلة والهندسة، وتسعى بوسائل عدة إلى الظفر بتلك الشُعب العلمية ذات الطلب العالي عند التخرج.

إلا أن ضعف نتائج أبنائها في الامتحانات النهائية وعدم التحصل على معدلات تسمح بالدخول إلى تلك الكليات الجامعية، يجعل الكثير من العائلات التونسية تتخذ القرار بفتح أبواب التعليم والدراسة الجامعية في الخارج. ويتزاحم عدد من البلدان الأوروبية، خاصة من بلدان أوروبا الشرقية، على السوق التونسية، حيث يتوجه الآلاف من الطلبة للدراسة هناك والحصول على شهادات جامعية في اختصاصات علمية دقيقة من العسير عليهم التحصل عليها في تونس.

وأرسى تونسيون وأجانب مكاتب وساطة لهم في تونس، وفتحوا آفاقا أمام الناجحين من ذوي المعدلات المتوسطة لدخول عوالم الطب والصيدلة والهندسة، وهي اختصاصات لا تزال تحافظ على بريقها في الشارع التونسي. وتحظى كندا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وأوكرانيا ورومانيا وروسيا، وانضمت لهم أستراليا خلال السنوات الأخيرة، بإقبال ملحوظ في هذا المجال. وتعلن هذه المكاتب عن الخدمات التي تقدمها بشكل يكاد يكون يوميا في الصحف التونسية المحلية، وتشمل القائمة الترسيم والسكن والاستقبال عند التوجه إلى بلد الدراسة، هذا بالإضافة إلى المتابعة طوال أيام السنة الجامعية.

وافتتحت تلك المكاتب فروعا لها في عدد من المدن التونسية على غرار سوسة والمهدية وتونس، وتؤكد بعض المكاتب أنها حاصلة على الترخيص القانوني من وزارة التعليم العالي التونسية. وتتدخل مكاتب الوساطة للدراسة بالخارج في كل المراحل، وتطلب ما بين 600 و800 دينار تونسي (ما بين 420 و560 دولارا أميركيا) لإتمام الإجراءات، وتشكو بعض المكاتب المرخص لها من قبل وزارة التعليم العالي من منافسة شرسة من بعض المكاتب الفوضوية.

ويتم سنويا في تونس معادلة أكثر من 2400 شهادة أجنبية معظم أصحابها أتموا دراسات المرحلة الثالثة أو الدكتوراه بالخارج. ويوجد بالجامعات الفرنسية وحدها أكثر من 10 آلاف طالب تونسي، ولا تقبل الجامعات والكليات التونسية الطلبة في تلك الاختصاصات العلمية الدقيقة إلا لمن تجاوزت معدلاتهم 17 من 20، في حين أن المقبلين على الجامعات الأجنبية غالبا ما تكون معدلاتهم أقل من ذلك بكثير وهم مصرون على مزاولة تعليمهم في تلك الاختصاصات لدوافع عدة، من بينها مواصلة مهنة الأب والأم، وكذلك الإصرار على مواصلة تعليم جامعي يسمح بافتتاح عيادات أو مكاتب خاصة بعد الحصول على الشهادات العلمية.

وتهتم العائلات التونسية بلغة الدراسة وتكلفة الدراسة، وكذلك مستوى المعيشة، ولا تقل تكلفة الدراسة سنويا عن سبعة آلاف دينار تونسي (قرابة خمسة آلاف دولار أميركي) في أوكرانيا، وهي أقل تكلفة مقارنة ببقية بلدان أوروبا الشرقية والغربية، تليها روسيا بنحو 10 آلاف دينار تونسي في السنة، وترتفع الكلفة إلى ما بين 15 و20 ألف دينار في رومانيا. أما بالنسبة لبلدان أميركا الشمالية، فإن تكلفة الدراسة سنويا ترتفع إلى مستويات قياسية، وهي تتراوح بين 30 و35 ألف دينار تونسي. ويدرس الطلبة التونسيون الهندسة والصيدلة والطب في ألمانيا، وكذلك الطب وطب الأسنان والصيدلة في رومانيا، وهي الاختصاصات التي توفرها الجامعات الروسية بالإضافة إلى الطيران وميكانيكا الطائرات والبواخر والاتصالات البحرية.

حول هذا التوجه نحو الدراسة بالخارج قال ناجي العباسي (والد إحدى الناجحات في البكالوريا) إن الدراسة في الخارج تفتح آفاقا كبيرة أمام الناجحين، إلا أنها تتطلب أموالا كثيرة وهي ليست في متناول العائلات التونسية المتوسطة الحال. وعن درجة الإقبال على الدراسة في الخارج قال إنها في تطور ملحوظ بسبب التنافس الكبير الذي يعرفه الطلبة الناجحون على الاختصاصات العلمية. ويرى أن الجامعات التونسية مثل كليات الطب والصيدلة والهندسة لها من القدرات والكفاءات العلمية ما يجعل الطالب يواصل تعليمه بالقرب من العائلة وبإمكانيات معقولة. وأشار إلى أن الجامعات التونسية تجذب سنويا آلاف الطلبة الأجانب الذين يحصلون من خلالها سنويا على شهاداتهم الجامعية.

ومن ناحيتها قالت صبرين الهمامي (طالبة في اختصاص الهندسة) إن صديقات لها قررن الدراسة في الخارج للضرورة، فالعائلات حلمت منذ سنوات بتخرج أبنائها أطباء ومهندسين وصيادلة، وقد خذلتهم المعدلات الدراسية، ومع ذلك أصروا على الحصول على شهادات في تلك الاختصاصات وهم ماضون في ذلك على الرغم من الكلفة الباهظة للدراسة.

ويشير أحد التقارير العربية حول التشغيل والبطالة إلى أن نحو 20 في المائة من خريجي الجامعات العربية يهاجرون للخارج، مما يشكل استنزافا للثروة البشرية العربية. وقال التقرير إن 54 في المائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، وإن 75 في المائة من المهاجرين العرب ذوي الشهادات العليا يستقرون في بلدان غنية، مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا.