الشاعر سعيد عقل يحتفل بمئويته وسط عشاقه

مهرجان شعري غنائي يقام له في «قصر اليونيسكو» اليوم

سعيد عقل
TT

الشاعر سعيد عقل يبلغ المائة. المناسبة لن تمر عابرة. اليوم تدعو «جامعة سيدة اللويزة» محبي الشاعر وعشاقه للاحتفال به في «قصر اليونيسكو» في بيروت بحفل شعري غنائي، يشارك به لبنانيون وعرب لتكريم الأديب. سعيد عقل ليس فقط أكبر شاعر لبناني سنا ما يزال على قيد الحياة، لكنه أكبرهم قامة وشهرة.

قد لا يعجب هذا الكلام بعضهم خاصة أولئك الذين ينتقدون مواقفه المعادية للفلسطينيين وتأييده للدخول الإسرائيلي إلى لبنان عام 1982، بل يأخذون عليه أيضا دعوته لتغيير الحرف العربي الذي كتب به أجمل قصائده، واستبداله بالحرف اللاتيني.

حقا ثمة الكثير من المواقف السياسية والفكرية وربما الحضارية التي يمكن أن تجعل سعيد عقل منتقدا ومحاربا، لكن هذا لا يمنع أن سعيد عقل كتب من القصائد الجميلة ما يستحق التوقف عنده. سعيد عقل بسرياليته، وجنونه، وشطحاته، يجعل البعض غير عابئ بمواقفه.

فالرجل لشدة ما نظّر وخاض في آراء فلسفية ودبج وجهات نظر يصلح بعضها للتطبيق في ما يصعب تصور بعضها الآخر واقعيا على الأرض، يبدو اليوم وكأنه أقرب إلى ظاهرة شعرية مما هو مفكر ومنظر كما حاول أن يطرح نفسه، مصلحا للبنان وقادرا من خلال رؤيته التي يقول إنها مبنية على العلم أن ينهض به.

بدأ حياته قوميا عربيا، لكنه سرعان ما صار لبنانيا متقوقعا على لبنانيته. من غرائب سعيد عقل أنه عظّم وكبّر من حجم لبنان حتى جعل منه كوكبا لا شبيه له ولا مثيل في العالم. شاعر فنتازي، تسلى بكثير من الأفكار التي سخر منها البعض، وأغاظت أولئك الذين أخذوها على محمل الجد.

اليوم يجتمع الأحبة حول سعيد عقل، الذي لم نعلم بشكل مؤكد إن كان سيتمكن من حضور المناسبة في اليونيسكو شخصيا أم لا، بعد أن أطفأ شمعته المائة أمس.

في الاحتفال الذي يقام برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، سيعرض فيلم وئائقي عن سعيد عقل، وهناك كلمة لرئيس جامعة سيدة اللويزة سهيل مطر، وقصيدة يلقيها الشاعر المصري فاروق شوشة، وكلمة للأديبة السورية كوليت خوري. يضيف إلى السيل الشعري شعرا الفنان وديع الصافي بغنائه قصيدة، يتلوه الشاعر حيدر محمود من الأردن على المنصة ليلقي قصيدته في الشاعر المحتفى به، ومن بعده يأتي دور الشاعر السعودي عبد الرحمن الجديع، ليختتم القصائد الشاعر اللبناني جورج شكور، وهو أحد الشعراء القريبين جدا من سعيد عقل.

وفي الاحتفالية كلمة للسفير فؤاد الترك باسم زحلة بلدة سعيد عقل ومسقط رأسه. ويختتم الكلمات رئيس جامعة سدة اللويزة الأب وليد موسى. ويتخلل هذه القصائد والكلمات قصيدة مغناة تقدمها غيتا حرب.

ليست هذه المرة الأولى التي يحتفل فيها بعيد ميلاد الشاعر سعيد عقل، فتلامذته ومحبوه الذين يحيطون به، يحرصون على الاحتفاء سنويا بهذه المناسبة، فمرة يضعون له نصبا هنا، ومرة أخرى يقيمون له مهرجانا شعريا هناك، ودائما يتذكرون قالب الحلوى الذي تزينه الشمعات ليجعلوا الشاعر المحب للحياة سعيدا بعمره المديد. الشاعر سعيد عقل يعيش هذه الأيام مع رفيقته ماري تريز وهي تهتم به وترافقه منذ سنوات طويلة، وتلفه مجموعة من الشعراء والمحبين بينهم الشاعر جورج شكور والسفير السابق فؤاد الترك والشاعر هنري زغيب، الذي صدرت له بمناسبة عيد ميلاد سعيد عقل المائة، الطبعة الثانية من كتابه «سعيد عقل إن حكى»، حيث سيكون موجودا لمن يريد اقتناءه أثناء الاحتفالية.

الحفل الذي دعي إليه اللبنانيون، هو مناسبة لتذكّر جيل كامل من الشعراء ربما لم يبق منهم غير سعيد عقل، ونهج في التعامل مع الشعر لم يعد موجودا. هذا الشاعر الذي تعتبر حياته بحد ذاتها قصيدة شعرية لا تشبه غيرها، مهما اختلفت حوله الآراء، يبقى من الإنصاف أن توضع جانبا آراؤه السياسية لأن ما سيبقى منه حقا، هو شعره الذي يردده أحبته عن ظهر قلب، ولا بد أن أجيالا كثيرة مقبلة ستبقى تحفظ أشعار سعيد عقل وتردد قصائده التي غنيت مثل «يارا» و«غنيت مكة» أو «ردني إلى بلادي»، «أمي يا ملاكي»، «سائليني يا شأم»، ورائعته «زهرة المدائن».

سعيد عقل باق ليس بنظرياته وشطحاته ولكن بأشعاره العربية فحوى ونبضا.

بالمناسبة تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر مقطع من قصيدة الشاعر جورج شكور التي يلقيها اليوم في «قصر اليونيسكو» أمام المحتفلين بسعيد عقل حيث سيخاطبه قائلا:

* سَعيدُ، سَدِّدْ خُطًى لِلشِّعْرِ قَدْ وَهَنَتْ - عَصْرُ التَّهاوُنِ مَرْهُونٌ بِهِ الهَذَرُ...

* الشِّعْرُ أَنْت، وأَنْتَ الشِّعْرُ، مُبْتَكِرًا - نَحْتًا بَهِيًّا، بِهِ الأُخَّاذُ قَدْ سُحِرُوا

* في الغَيْبِ غِبَّ سَرابِ الرَّيْبِ، ساحِرةٌ - عَبْرَ اللَّيالَى تَلاَلَى ثُمَّ تَنْحَسِرُ...

* قَدٌّ يُشِعُّ كما الإشْراقُ مِنْ أَلَقٍ - شَلاَّلَ شَمْسٍ على الأَلْماس يَنْكَسِرُ

* هَيْمَى تُرَنِّمُ بالأَنْغام غَمْغَمَةً - على بِساطِ غَمامٍ شَفَّهُ السَّحَرُ

* يا طِيبَها بَسْمَةً زَهْراءَ ما مَلَكَتْ - لِلْبَوْحِ هَمْسًا سِوَى ما يَمْلِكُ الزَّهَرُ

* أَوْ نَسمةً مِنْ رَفيف اللَّحْنِ، أرْسَلَها - كَرُّ الكَنارِ عَلَى الجُلْنارِ تَنْتَشِرُ...

* هِي الحَبيبةُ تُغْرِي شاعِرًا غَرِدًا - تَهْواهُ يُنْشِدُها ما الحُبُّ يَنْتَظِرُ

* ورُحْتَ تُبْدِعُ حُلْمًا ما بِه حَلَمَتْ - حُورُ الجِنانِ، ولا أَرْبابُ مَنْ شَعَروا!

* ((فَقَرَّبتْ شَفَةً وَلْهَى إلى شَفَةٍ)) - وكان شِعْرٌ لِسِحْرِ الحُبُّ يَخْتَصِرُ

* الشِّعْرُ شُعْلَةُ ذرَّاتٍ مُزَلْزِلةٍ - إذا تَفَجَّرَ، قُلْ: نارٌ، وقُلْ شَرَرُ

* كَفاكَ ((قَدْمُوسُ)) في الآدابِ مُعْجزةً - تَخْتال زَهْوًا، وتُعْلي عَزْمَ مَنْ نَشَروا

* حُرُوفَ مَعْرِفةٍ، في العَدِّ خاطفَةٍ - فيها التُّراثُ، وَكُلُّ الفِكْرِ يُؤْتَسَرُ

* تَحْكِي رسالةَ حُبٍّ للدُّنَا حَمَلَتْ - رُوحَ السَّلامِ، بِها تَبْني، وَتَبْتكِرُ

* على اسْمِ أوروبَّةٍ، بَعْضُ القِفارِ غَدَتْ - عَمائرًا، وَبِها مِنْ بَدْعِنا أَثَرُ