«شانيل» تخلق مفهوما مستقبليا لـ«الفينتاج».. رولان يزيد من جرعة فنيته وأرماني يكشف عن شاعريته

في اليوم الثالث من أسبوع الـ«هوت كوتير» لشتاء 2012

TT

عندما يتعلق الأمر بعرض ممتع بكل المقاييس فإن «شانيل» لم تخيب الآمال إلى حد الآن.. ففي كل مرة تقدم عرضا مثيرا تكون فيه الأزياء البطل الذي تكتمل قوته وجمالياته من دون مسرح مثير، يكون في الغالب في «لوغران باليه» أو مقر الدار بشارع غامبون. فلاغرفيلد يفكر بصورة مجنونة يحولها إلى واقع جميل، إذا لم يكن عبارة عن طائرة كل من فيها من ركاب الدرجة الأولى، فهي عبارة عن خلفية تمثل جاكيتا ضخما أو قارورة «شانيل نمبر 5» وهلم جرا من الأفكار المبتكرة. هذه المرة كان الإخراج مختلفا، إذ جاء أكثر انطلاقا وأقل تعقيدا يستحضر صالونات أيام زمان، عندما كانت عروض الأزياء أكثر حميمية. فبمجرد دخول بوابة «لو غران باليه» حتى تواجهك ساحة شاسعة تحيط بها النباتات الخضراء التي التفت حولها زهور الكاميليا البيضاء تؤدي بك بعد 5 دقائق إلى سلالم واسعة ومنها إلى قاعة تراصت عليها طاولات بيضاء تحيط بها كراسي وتتوسطها أطباق حلوى تبشر بعرض لذيذ.

هذا البذخ الذي تعودناه من الدار الفرنسية له مبرراته، فمبيعاتها لا تتأثر بل تنتعش حتى في الأزمات، بما في ذلك خط الـ«هوت كوتير» الذي كما يقال لا يتعدى عدد زبوناته الـ200 زبونة في العالم، ويقال أيضا إن عددهن يتقلص بسبب تسارع إيقاع الحياة. الفضل في هذا الانتعاش يعود إلى الأسواق النامية، مثل اليابان والصين، التي تعشق كل ما هو كلاسيكي وعصري، كما يعود إلى أن أسلوبها يخاطب الأذواق التي لا تريد أن تتباهى بثرواتها، لكن في الوقت ذاته تريد أن تستعرض أناقة فرنسية لا تخطئها العين سواء تعلق الأمر بجاكيت من التويد أو فستان أسود ناعم أو حقيبة يد أو عطر من عطورها الزكية.

أما من يسعدها الحظ وتتوفر لديها الإمكانيات، فلم لا يتحول فستان مفصل على المقاس إلى إرث تفتخر به الحفيدات على أنه «فينتاج» شانيل. المستقبل في عالم الموضة حسب رأي مصممها كارل لاغرفيلد لا يتعدى الـ6 أشهر. بمعنى أن ما هو عصري اليوم يصبح قديما غدا.

وفي حال «شانيل» فإن القديم يعني الـ«فينتاج» الغالي الذي تزيد قيمته مع مرور السنين، وهذا ما ترجمه يوم الثلاثاء من خلال تشكيلة أطلق عليها «الفينتاج الجديد»، وتستحضر الكثير من ملامحها مظهر الآنسة كوكو شانيل في أيام الشباب، بدءا من البنطلونات العالية الخصر والواسعة التي تعيد للذهن تصاميمها أيام دوفيل كذلك التايورات المكونة من جاكيتات كلاسيكية وتنورات مستقيمة ومعاطف طويلة ومريحة لامرأة تريد أن تتحرر من كل القيود.

ما اقترحه كارل للشتاء المقبل، كان جملة من قطع التويد بألوان الرمادي والوردي والأسود، شملت جاكيتات بأطوال مختلفة وتنورات لا شك ستوافق عليها الآنسة كوكو شانيل التي وإن كانت تفضل أن تغطي الركبة تماما، تعرف أن لكل زمن أحكامه.. وللمساء جاءت طويلة تتخللها خيوط تلمع أو تزينها كشكشات خفيفة من الموسلين أحيانا على شكل بليسيهات تشرئب من تحتها وتقول أنا هنا باستحياء. أما للنهار فجاءت بطول معقول يناسب شابة في العشرينات كما يناسب امرأة في الخمسينات وما فوق. كذلك لم يكن التويد القماش الوحيد في التشكيلة، فقد كان ظهرت الأورغانزا في الكثير من فساتين السهرة كذلك التول والموسلين وغيرها من الأقمشة الشفافة التي قامت أحيانا بدور ستارة خفيفة تحمي تطريزات في طبقة تحتية.

وعلى الرغم من أن التصاميم البسيطة والنظيفة كانت الحلقة الأقوى في التشكيلة، فإنه عندما تلاعب بالأحجام ونثر وردات كاميليا من الحرير أو رصعها بالترتر والأحجار، فإنه لم يصبنا بالتخمة، بل العكس، كان هناك إحساس بأن المزيد لن يضر ولا مانع منه. ولأن التشكيلة تتوجه إلى فصل الشتاء، ولأن كارل لاغرفيلد يفكر في كل شيء، فهو لم ينس عنصر الدفء لهذا قدم مجموعة من المعاطف الأنيقة والفساتين الطويلة من التويد، لا شك ستجد لها صدى في أسواق الشرق الأوسط، خصوصا فستانا طويلا يبدو من الأمام وكأنه عباءة أو «جلابية» مشبوك بأزرار كبيرة متراصة عند الظهر من العنق إلى الأسفل. وكالعادة فإن استعراض حرفية ورشات «شانيل» كان واضحا في التطريزات والريش الخفيف والورود التي تناثرت على بعض القطع، بما في ذلك فستان العروس الأبيض الذي أنهى به لاغرفيلد العرض. فقد كان في منتهى الفخامة بتنورة ضخمة بعد عدة مواسم قدم فيها فساتين زفاف قصيرة أو منحوتة.

ستيفان رولان أيضا قدم عرضه أول من أمس. بطاقة الدعوة حددت الموعد على الساعة الثانية والنصف، لكنه تأخر أكثر من 40 دقيقة، بسبب تأخر وصول كيم كارداشيان وكيني ويست، اللذان وصلا قبل 5 دقائق تقريبا من انتهائه. طبعا الخسارة كانت خسارتهما لأنهما فوتا على نفسيهما فرصة الاستمتاع بعرض في غاية الفنية. فاستيفان رولان أصبح في السنوات الأخيرة من أهم المصممين في هذا الأسبوع الخاص بالأزياء الراقية، فهو يتمتع بأسلوب خاص أصبحت تلتقطه العين العارفة من النظرة الأولى، بل أصبح يقلد من قبل الكثير من المصممين من ميلانو إلى باريس، وهذا أمر يثلج صدر أي مصمم، شابا كان أم مخضرما. لهذا لم يكن بحاجة إلى شخصية مثل كيم كارداشيان أو كيني ويست، تحول عرضه إلى سيرك، أو تخطف أضواء الكاميرات والعيون عن إبداعاته، وهذا للأسف ما حصل، فما إن انتهى العرض حتى تسابق المصورون وراءهما غير عابئين بالحضور الذي لم يكن قد أفاق بعد من سكرة العرض الساحر.

لحسن الحظ أن دراما كيم كارداشيان وكيني ويست لم تغط تماما على جمالية التشكيلة التي اقترحها لشتاء 2012، ولم تخيب آمال عاشقات أسلوبه الذي يتأرجح بين المعماري والانسيابي مع حقنة قوية من الفن المعاصر، فقد تميزت بتصاميم منسابة أحيانا وهندسية أحيانا أخرى، لم تختلف في أساسياتها عما قدمه في المواسم الماضية، إلا أنه أضاف إليها تفاصيل جديدة تمثلت في صقله أحزمة من خشب الأبنوس وجمعه بين أقمشة متناقضة في القطعة الواحدة لكي يخلق خدعا بصرية مثيرة، كأن يكون النصف الأيسر بالساتان والنصف الأيمن بحرير الكريب أو الموسلين، أو باستعماله لونين مختلفين كأن يكون الجزء العلوي بالأبيض والأسفل بلون الكاراميل مثلا. إلى جانب بنطلونات «سموكينغ» وفساتين منحوتة على الجسم، تتسع أحيانا لتأخذ شكل ذيل حورية بحر أو تتقوس لتكشف عن جزء من الساق، فإنه استعمل أيضا أوشحة طويلة أو «كابات» انسابت من الظهر أو الأكتاف على فساتين سهرة أو تايورات، فضلا عن أكمام واسعة جدا تكاد تلامس الأرض زادتها المعادن أو فراء السليكون حيوية.

المصمم المخضرم جيورجيو أرماني قدم هو الآخر اقتراحات مثيرة لعبت على مفهوم النهار والليل، كما قال في الملف الصحافي الذي تم توزيعه على الحضور قبل العرض. هذه الفكرة ساعدت المصمم على صياغة سيناريو بطلته امرأة قوية لكن لا تحاول أن تخفي الجانب الشاعري من شخصيتها، كما منحته الحرية لكي يقترح عليها كل ما يتعلق بأناقتها من الصباح إلى المساء. وعلى هذا الأساس قسم عرضه إلى مجموعات متنوعة تغطي أكثر من 12 ساعة تقريبا من اليوم، بدرجات ألوان تعكس دور كل قطعة ووقتها، فللصباح اقترح ألوانا هادئة مثل الأزرق السماوي والليلكي تحولت إلى ألوان قاتمة مثل الأسود والأزرق النيلي للمساء والسهرة.

أسلوب أرماني لم يتغير كثيرا في هذه التشكيلة، فالتفصيل لا يزال هو الغالب سواء على التايورات المكونة من جاكيتات بأكتاف مرفوعة لأعلى بعض الشيء أو البنطلونات الواسعة التي نسقها مع أحذية منخفضة أضفت على الإطلالة لمسة «سبور» أو الفساتين الطويلة التي تلعب على الغموض وسحر الليل إلى جانب تنورات بفتحات جانبية.

ولا شك أن الفكرة التي تكررت في الكثير من عروضه مؤخرا وتتمثل في إرساله عارضتين في الوقت نفسه، خلقت إحساسا مستقبليا أخرج التايورات بالذات من كلاسيكيتها.

أما الفساتين الطويلة فجاءت هي الأخرى مفصلة على الجسم لكن بطريقة مريحة تعطي انطباعا بأن الراحة كانت من أولوياته. ولعل أجملها فساتين كوكتيل بألوان الخزامي والبنفسج من الأورغانزا. لم يكن هناك جديد يذكر، فأسلوب جيورجي أرماني واضح فيها، لكنها مع ذلك اكتسبت هنا شاعرية أكبر. والأهم من هذا فهي مضمونة التسويق، لأنها لا بد أن تمس وترا حساسا لدى المرأة الواثقة التي تريد قطعا تعكس ثقتها وتزيدها قوة في الوقت ذاته.