«عودة» تقدم قصصا من حياة اللاجئات العراقيات

مسرحية درامية وثائقية للكاتبة دينا الموسوي

مشهدان من مسرحية «عودة» («الشرق الأوسط»)
TT

منذ أن دخل الأميركيون العراق عام 2003، أصبح هناك ما يمكن وصفه تقريبا بأنه ضرب جديد من ضروب المسرح يصور قصصا لأناس من العراق أو ذهبوا للقتال هناك. وحتى عام 2008، كانت مدينة نيويورك وحدها هي التي أنتجت مجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية من شتى المدارس شمل أحدها مشاركة جمهور الحاضرين، ومسرح الدراما الوثائقية، والمسرح التجريبي.. إلخ. وفي وقت مبكر يعود إلى عام 2003، كتب ممثل هوليوود والناشط المناهض للحرب، تيم روبينز، عملا مسرحيا هجائيا عميقا بعنوان «المرافقون»، تناول فيه كيف نسجت وسائل الإعلام الأميركية قصة تورط الولايات المتحدة في ما عرف وقتها باسم «عملية حرية العراق».

وتقول الممثلة والكاتبة المسرحية البريطانية – العراقية، دينا الموسوي: «هناك مشهد يتناول ذلك في مسرحيتي. كنت في الطائرة متجهة إلى عمان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010، وكان يجلس إلى جواري زوجان أميركيان. سألني الرجل ماذا سأفعل في الأردن، فأخبرته أنني في الحقيقة ذاهبة إلى العراق لإجراء بحث حول تأثير الاحتلال على حياة المرأة هناك. نظر إلى وقال: (كلمة الاحتلال هذه التي تستعملينها هنا كلمة كبيرة للغاية. ألا تقصدين التحرير؟)».

وهذا الشكل وغيره من أشكال التعبير، التي تتمحور كلها حول المرأة، موضوع مسرحية الموسوي الجديدة «عودة»، حيث استمدتها من نحو 50 حوارا أجرتها مع لاجئات عراقيات في عمان ودمشق وبغداد، لتسرد حكايات عن العراقيين الذين ما زالوا يواجهون حالة العنف هناك.

وحتى الآن، يقدر «المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، أن هناك على الأقل مليون عراقي مهجر في الداخل، وكذلك مليون ونصف المليون لاجئ تقريبا خارج البلاد. وطبقا لبيانات «لجنة المرأة للاجئين من النساء والأطفال»، فإن متوسط 75 في المائة على الأقل من المهجرين في أي أزمة هم من النساء والأطفال، في حين تشير تقديرات «جمعية الهلال الأحمر العراقي» إلى أن النساء والأطفال يمثلون 83 في المائة من المهجرين في البلاد.

وقد بدأ عرض المسرحية، التي تعد تصويرا قائما على الخبرات الشخصية لشهادات من الحياة الواقعية التي تعيشها المرأة العراقية، في مسرح «ذي يارد» بشرق لندن يوم 3 يوليو (تموز) الحالي. وعلى أمل الابتعاد عن المسرح الوثائقي الرتيب القائم على الإلقاء الفردي، تستمد الموسوي إلهامها الدرامي من الحياة الواقعية، مثل المجلات المصورة ومقاطع من الحوارات وعبارات من موقع «فيس بوك» والإعلانات العراقية والتلفزيون الأميركي. وتستلهم المؤثرات البصرية أعمال فنانات مثل الرسامة العراقية هيف كرمان والمصورة الفوتوغرافية المغربية لالا السعيدة، بالإضافة إلى عناصر من الفيديوهات المنزلية من بغداد في فترة الثمانينات تحفل بخيالات صدام حسين المكررة والجامحة، وكذلك الكتب الدراسية العراقية المليئة بالدعاية القومية.

وتقول الموسوي: «نحن نعبر عن القصص بطرق مختلفة. أحيانا نأتي بالقصص إلى الحياة، وأحيانا أخرى نفعل العكس. الأمر إلى حد كبير هو عبارة عن تعاون بيننا جميعا؛ بين الممثلين والمصممين والمخرجة، بونام براه، داخل قاعة المسرح. سوف نصنع لحظات مأخوذة من قصيدة كتبتها سيدة، أو مأخوذة من جملة من أحد الإلقاءات الفردية».

وتغوص مسرحية «عودة» داخل القصص الشخصية لنساء فقدن أزواجهن على يد الميليشيات الطائفية أو رأين آباءهن وأمهاتهن وهم يقتلون لأنهم يعملون لحساب شركات أميركية. إلا أن هناك قصص صمود من المهم للغاية تسليط الضوء عليها وإبرازها، وتروي موسوي: «منظمة العراق للمساعدات الصحية هي منظمة محلية تساعد الأرامل من خلال توفير إعادة التأهيل وتعليم المهارات ودعم إقامة مشاريع صغيرة. وقد زرت هذه المنظمة، ووجدتها مثيرة للاهتمام جدا ورائعة للغاية. التقيت بسيدة لم تكن تعرف الحساب قبل 3 سنوات، لكنها الآن تدير مشروعها الخاص. لديها ثلاجة في المرأب الذي تملكه، وتبيع فيه أشياء كثيرة جدا. كانت قد فقدت زوجها في عملية تفجيرية، وهي تبلغ من العمر 60 عاما لكنها سعيدة للغاية. وقد ساعدتها منظمة العراق للمساعدات الصحية على توفير المال اللازم لشراء الثلاجة وعلمتها الحساب كذلك».

وفي مجال سرد القصص هذا، قد يكون السبب وراء نجاح موجة الأعمال المسرحية التي يدور موضوعها حول العراق بدرجة أكبر من الأعمال التي تقدمها هوليوود، ومن بينها أفلام ترى الموسوي أنها تناقض مشروعها تماما مثل فيلمي «المنطقة الخضراء» و«خزانة الألم»، هو الواقعية التي يقدمها المسرح في مقابل ما تقدمه هوليوود من تمجيد ذكوري للحرب. وتعلق الموسوي: «أحد الأسئلة التي طرحتها في محاوراتي كان عن رأي النساء العراقيات في الكيفية التي يتم بها تصوير المرأة العراقية في وسائل الإعلام. وقد رد معظمهن بأنه يتم تصويرهن كنساء فقيرات يرتدين العباءات ويتسولن، كما يقدمن في صورة ضحايا غير متعلمات، وبالطبع لم يرق لهؤلاء السيدات أن تكون هذه هي الصورة التي تقدم عن المرأة العراقية». وقد كان القلق بشأن حالة الضعف وقسوة الظروف المعيشية، إلى جانب التماسك والقوة التي تميز هؤلاء السيدات، هو ما دفع موسوي إلى البدء في مشروع يوثق القصص التي عشنها.

وتختم الكاتبة المسرحية قائلة: «أنا لست سياسية على الإطلاق، ولم يكن هدفي هو تقديم مسرح سياسي. كل ما أردته هو أن يعرف الناس القصص الحقيقية لأناس يعيشون في العراق، لا ما يراه الناس على شاشات التلفزيون أو في وسائل الإعلام. بالطبع سيكون هناك حديث عن السياسة، بسبب طبيعة القضايا التي نتناولها. لقد أردت أن أعرف الحقيقة من السيدات أنفسهن، وأن أقدم تصويرا حقيقيا وصادقا للمرأة العراقية».

من المقرر أن يستمر عرض مسرحية «عودة» في مسرح «ذي يارد» شرق لندن حتى7 يوليو الحالي.